الخميس 20 تشرين ثاني , 2025 12:22

"دولة المستوطنين": الكيان الموازي الذي يبتلع الضفة الغربية

الضفة الغربية وصور مستوطنين

تظهر الضفة الغربية اليوم مشهداً متشابكاً تتراجع فيه سلطة الدولة الإسرائيلية لصالح بنية موازية تتعاظم قوتها: "دولة المستوطنين". لم يعد الاستيطان مجرد توسع عمراني أو تجمعات سكانية متناثرة، بل تحوّل إلى منظومة متكاملة ذات مؤسسات وأجهزة حماية وإدارة واتصال، تمارس نفوذاً سياسياً وأمنياً واسعاً، وتفرض وقائع قسرية على الأرض. الدراسة تحلّل هذا التحوّل التاريخي والبنيوي، وتكشف كيف أصبح المشروع الاستيطاني لاعباً مركزياً يرسم سياسات الاحتلال، ويهدد مستقبل أي تسوية سياسية، فيما يفرض على الفلسطينيين معادلة صراع أكثر تعقيداً وحدةً.

تبدأ الدراسة المرفقة أدناه من إصدار مركز الزيتونة للدراسات، بتتبع الجذور التاريخية للمشروع الاستيطاني منذ احتلال عام 1967، مبيّنةً أنه لم يكن نشاطاً سكانياً عشوائياً، بل سياسة استعمارية ممنهجة هدفها إحلال المهاجرين اليهود مكان السكان الأصليين. يوضح المؤلف أن المؤسسة الصهيونية تعاملت مع الاستيطان باعتباره مشروعاً عسكرياً - سياسياً يهدف إلى السيطرة على الأرض وتغيير هويتها، ضمن منطق "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وإلغاء الوجود الفلسطيني أو محوه تدريجياً.

وتشرح الدراسة كيف سمح القانون الإسرائيلي، عبر الالتفاف على القانون الدولي واتفاقيات جنيف ولاهاي، بمصادرة الأراضي الفلسطينية تحت ذرائع "الأغراض العامة"، و"أملاك الغائبين"، و"الطرق الأمنية". كما تعرض بالأرقام كيف توسع الاستيطان بوتيرة غير مسبوقة بين 2023 و2025، من حيث عدد البؤر الجديدة والمساحات المصادرة، وصولاً إلى أكثر من 954 ألف مستوطن في الضفة الغربية بما فيها القدس.

وتنتقل الدراسة إلى البنية المؤسسية للمستوطنين، حيث ترصد تشكّل منظومة متكاملة تضم مجالس محلية وإقليمية، وأجهزة أمنية خاصة، ومنظمات دينية–عسكرية، وميليشيات مثل "شبيبة التلال" و"لاهفا"، إضافة إلى منصات رقمية للتعبئة والتحريض. وتبرز أن هذه الشبكات تعمل ككيان مستقل فعلياً عن مؤسسات "الدولة" الإسرائيلية، لكنها تحظى برعاية كاملة من الحكومة والجيش.

كما تتناول الدراسة الطرق العملياتية للسيطرة على الأرض، وتشمل الاستيطان الرعوي، وتوسيع البؤر، والطرق الالتفافية، ومشاريع "الضم الفعلي". وتناقش بالتفصيل "قانون شرعنة البؤر" الذي صادق عليه الكنيست، والذي يمنح الغطاء القانوني لسرقة الأراضي الخاصة وتحويلها لمستوطنات دائمة.

أما سياسياً، فتبيّن الدراسة صعود الأحزاب الدينية المتطرفة داخل الحكم الإسرائيلي، ولا سيما "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية"، وسيطرتها على وزارات مركزية كالمالية والأمن القومي، ما يمنح المشروع الاستيطاني قوة تنفيذية مباشرة في رسم السياسات وإدارة الضفة الغربية.

وفي محور العنف، توثّق الدراسة تصاعد الهجمات المنظمة للمستوطنين، بما يشمل حرق المنازل، والقتل، واقتلاع الأشجار، والاعتداء على القرى، وكل ذلك ضمن بيئة من الإفلات شبه الكامل من العقاب، بل وبتنسيق مباشر مع الجيش. وتشير إلى أن العلاقة بين المستوطنين والجيش باتت عضوية، إذ إن نسبة كبيرة من الجنود والضباط هم من حاضنة المستوطنات الدينية–العسكرية.

كما تستعرض الدراسة التهديد الذي يشكله هذا الكيان على إمكانية قيام دولة فلسطينية، خصوصاً مع تمزيق الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة ومنع التواصل الجغرافي، وتكريس نظام فصل عنصري فعلي. وتناقش مخطط E1 الذي يعدّ من أخطر المشاريع، لأنه يربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس ويقضي على وحدة الضفة، مع تداعيات مباشرة على الأردن والمنطقة.

وتختتم الدراسة بعرض المواقف الدولية التي بقيت شكلية في معظمها، مقابل نشاط فلسطيني يعاني من التشتت وضعف أدوات المواجهة السياسية والقانونية والميدانية. وتؤكد أن "دولة المستوطنين" أصبحت واقعاً متجذراً على الأرض، يُضيّق الخيارات أمام الفلسطينيين، ويُدخل الصراع في مرحلة جديدة من السيطرة الإسرائيلية الأحادية القائمة على فرض الحقائق بالقوة.

لتحميل الدراسة من هنا


المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

الكاتب: أ. ثامر عبد الغني سباعنة




روزنامة المحور