الأربعاء 19 تشرين ثاني , 2025 04:40

زاهر الخطيب: المقاوم حتى الرمق الأخير

زاهر الخطيب

النائب والوزير الأسبق زاهر الخطيب، مقاوم وثائر في ميادين النضال العسكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية، طول عقود من عمر لبنان، موفياً بعهده للشهداء الذين سبقوه والذين لطالما عاهدهم بالبقاء على نهجهم حتى الرمق الأخير. رمق كان بالرقم بعد 85 عاماً، لكنه بالفعل والواقع والتأثير سيبقى خالداً حتى الانتصار الحاسم والنهائي.

فزاهر الخطيب هو الذي وقف من بين قلة من النواب رافضاً اتفاق 17 أيار خاتماً بكلمته المدوية والخالدة: "باسم شعبنا وباسم المقاومين الرافضين للاحتلال، باسم الصامدين والمتصدّين، وباسم المعتقلين في "أنصار" وفي سجون وأقبية "إسرائيل".

باسم عذابات جماهير شعبنا والأمهات الثكالى، والأطفال اليتامى..

باسمهم جميعاً، أرفض هذا الاتفاق، وأطلب من المجلس الكريم

أن يرفض هذا الاتفاق من أجل لبنان، من أجل شعب لبنان،

ومن أجل كرامة الوطن والمصلحة الوطنية العليا… وشكراً لعدم التصفيق..".

فما هي أبرز المحطات في مسيرة وحياة النائب المقاوم زاهر الخطيب؟

_ من مواليد الـ 25 من شباط / فبراير للعام 1940، في بلدة شحيم، قضاء الشوف، وهو ابن النائب والوزير السابق أنور الخطيب.

_حاصل على شهادة الليسانس في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

_انتمى في شبابه إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، وكان مثل والده ناصري الانتماء ومؤيّد لخط الشهيد الزعيم كمال جنبلاط.

_ في منتصف السبعينيات، وبعد وفاة والده، ومن ثم استشهاد قدوته شقيقه ظافر خلال اقتحام الميليشيات اليمينية لمخيّم تلّ الزعتر، تولى موقع نائب مسؤول "اللجان الثوريّة" والتي حوّلها الى "رابطة الشغّيلة" وتولى قيادتها بصفة الأمين العام.

_انتخب نائباً في البرلمان اللبناني لأول مرة في الانتخابات الفرعية عام 1971، بعد وفاة والده الذي كان يشغل المنصب نفسه، وقد أُعيد انتخابه في الأعوام 1992 و1996. وقد تميز في أدائه البرلماني التشريعي، بحيث كان يرفض الإدلاء بأي مُطالعةٍ في مجلس النوّاب من دون جلسات نقاشٍ معمّقة مع الخبراء، للبحث عن الأزمة والثغرات وكيفية الإصلاح، فهو لم يكن من الأشخاص النقديين والمعارضين لهدف المعارضة فقط. وكان من أشدّ الرافضين للسياسات الحريريّة الماليّة وملفات الفساد والمحسوبيات والمحصاصة، بدءاً من مصرف لبنان إلى الدين العام والموازنات والدولرة والرهان على "السّلام التسووي".

_حكوميا، شغل منصب وزير الدولة لشؤون الإصلاح الإداري في حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي من كانون الأول / ديسمبر 1990 إلى اذار / مارس 1992.

_ يُجمع حتى خصومه على أنه لعب دورا بارزا كنائب ووزير في ترسيخ الوحدة الوطنية والعيش الواحد وعودة المهجرين الى جبل لبنان بعد الحرب الأهلية، من خلال إيمانه بلبنان الرسالة. كما عُرف بمواقفه المناهضة للطائفية والرافضة للتدخلات الأمريكية في لبنان.

وكان صوته في المجلس النيابي مدوياً بقضايا لبنان وأمة العرب، من صغير التفاصيل في حياة المواطن، إلى كبير الأمور الوطنية.

المقاومة بكل أبعادها والوفاء لدماء الشهداء

يكفي موقفه الرافض لاتفاقية الذلّ والاستسلام المعروف بـ "اتفاق 17 أيار" (وقبلها رفض انتخاب بشير الجميّل كرئيس للجمهورية الذي جاء على الدبابة الإسرائيلية)، التي وقعها النظام اللبناني برئاسة أمين الجميل مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ليكون تجسيداً لروحه المقاومة، في زمن انبطح فيه أغلب النواب (ما عداه وزميله النائب المقاوم نجاح واكيم والنائب الراحل حسين الحسيني، والمحامي حسن الرفاعي) لتنفيذ مشيئة الاستسلام الطوعي لإسرائيل. ولم يغيّر موقفه الرافض، بالرغم من محاولة الضغط عليه حينها عبر مداهمة منزله واعتقال 6 من رفاقه. واستمراراً في رفضه لهذا الاتفاق، كان من أوائل من انضموا الى رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، في انتفاضة 6 شباط وتحويل منزله إلى غرفة عمليّات.

لذلك كان مقاوماً حتى الرمق الأخير، ومن الداعمين لحركات المقاومة الوطنية والفلسطينية والإسلامية، لا سيما حزب الله. وقبل أشهر من وفاته، كان ممن شاركوا في تقديم العزاء وتشييع سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله والسيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين، مسجلا في سجل العزاء كلمة تعبر عن "الوفاء والافتخار بهما".

كما كان لفلسطين ومقاومتها حضور دائم في فكر ونهج ووجدان زاهر الخطيب، انطلاقًا من فهمه الثوري لطبيعة الكيان المؤقت الاستعمارية، واحتلاله لفلسطين وطرد شعبها وصولًا إلى حرب الإبادة، ودور الكيان في منع التوحّد العربي وتعطيل مسار التنمية المستقلة. لذلك كان الخطيب في صفّ المقاومين الفلسطينيين والعرب من أجل تحرير فلسطين، كلّ فلسطين، من البحر إلى النهر.

حزب الله عن الخطيب: المناضل الوطني الكبير والأنموذج

نعاه حزب الله ببيان جاء فيه:

"يتقدم حزب الله من عائلة المناضل الوطني الكبير، أمين عام رابطة الشغيلة، الوزير والنائب السابق زاهر الخطيب، ‏ومن رفاقه ومحبيه، بأحرّ التعازي والمواساة، برحيل هذه القامة الوطنية التي كرّست حياتها دفاعًا عن قضايا الناس ‏وحقوق الفقراء والمظلومين، وفي مقارعة الاحتلال ورفض مشاريع الاستسلام، والوقوف إلى جانب المقاومة في لبنان ‏وفلسطين.‎

لقد كان الراحل العزيز حاضرًا بمواقفه في مختلف الساحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والوطنية، إذ تشهد له ‏أروقة مجلس النواب وموقفه التاريخي الرافض لاتفاق 17 أيار، اتفاق الذل والعار، وإيمانه بأن المقاومة هي الخيار ‏الوحيد لمواجهة الاحتلال وتحرير الأرض، وكان داعمًا ومساندًا لها ومدافعًا عن حق الشعوب في التحرر، وحاملًا همّ ‏شعب فلسطين وقضيته في فكره ومواقفه.‎

كما آمن الراحل بأن بناء الدولة العادلة لا يمكن أن يكون إلا بوحدة واتحاد اللبنانيين ومحاربة الفساد بكل أشكاله ‏وألوانه.‎

إن حزب الله إذ ينعى هذه الشخصية الوطنية الصادقة، يؤكد أن مسيرة الراحل الزاخرة بالمواقف والقيم والمبادئ ‏الثابتة، ستبقى أنموذجًا يحتذى، ووسام عزّ وشرف على صدر كل رجل مناضل وطني مخلص لبلده وشعبه".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور