الأربعاء 19 تشرين ثاني , 2025 03:30

لماذا يوسع الاحتلال جغرافيا الاعتداءات بعد كل عمل مقاوم؟

الاحتلال يعتمد استراتيجية الردع السريع

منذ سنوات تعتمد المنظومة العسكرية الإسرائيلية نمطًا ثابتًا في إدارة ردودها على العمليات الفدائية في الضفة الغربية، وخصوصًا تلك التي تُنفّذ داخل المستوطنات أو على الطرق الفرعية لها. ففي العقلية الأمنية الإسرائيلية كل عملية دهس أو طعن يتبعها ردٌّ مباشر ضد الفصائل الفلسطينية، سواء داخل الضفة أو خارجها.

هذا السلوك صحيح أنه يندرج في إطار "الانتقام" من العمليات المقاومة، لكن الاحتلال أصبح يعتبره جزءاً من استراتيجية مركّبة تمنحه الذريعة لاستخدام الضربات المتفرقة كأداة للردع وتثبيت صورة القوة، وفي الوقت نفسه للتأسيس لمراحل أوسع من الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة كافة.

الارتباط بين العمليات والضربات الواسعة

أحداث الأيام الأخيرة تؤكد هذا النمط. فبعد العملية البطولية في مستوطنة غوش عتصيون، والتي نجم عنها مقتل مستوطن وإصابة ثلاثة آخرين بجروح متفاوتة جراء دهس وطعن مزدوج نفذه شابان فلسطينيان، لم ينتظر الاحتلال طويلًا. خلال ساعات قليلة، نفّذ غارة واسعة على مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا، أدت إلى ارتقاء ما يقارب 20 شهيدًا وسقوط عشرات الجرحى، في مشهد دموي يعكس مستوى الاندفاع نحو التصعيد.

لهذا قد يكون الاحتلال قد وضع سياسة جديدة للمرحلة الحالية تقوم على مبدأ الرد على أي عملية داخل الضفة حتى لو كانت فردية وبقدرات بسيطة وبغض النظر إن كان الرد متناسقاً أو بحجم العملية. كذريعة لفتح جيوب اشتباك جديدة وضرب ساحات أخرى يدعي أنها تشكّل امتدادًا للفصائل الفلسطينية.

ما حصل في الأمس ليس سابقة فقبل أشهر فقط، وبعد عمليات الطعن المتصاعدة في الضفة الغربية وآخرها عملية القدس، اتجهت "إسرائيل" نحو ضرب الدوحة في محاولة اغتيال وفد حماس المفاوض آنذاك -بطبيعة الحال ليس هذا السبب الوحيد الذي دفع الاحتلال لهذه الضربة ولكنه سبب من أسبابها-.

سياسة “الردع السريع”

تقوم هذه الاستراتيجية على عدة اعتبارات أمنية وعقائدية:

منع تراكم المكاسب المعنوية للمقاومة

ترى المنظومة الأمنية أن كل عملية مقاومة ناجحة — مهما كانت بسيطة — تُشكّل إنجازًا معنويًا وفشلًا استخباراتيًا. بالتالي، تحتاج "إسرائيل" إلى ردّ فوري يظهر أن ميزان القوة لم يختل، وأن المبادرة لا تزال بيدها. خصوصاً بعد ما تركه 7 أكتوبر من عقدة في منظومة الاحتلال.

توسيع دائرة الاستهداف لتشمل أكثر من منطقة

"إسرائيل" تعتمد مبدأ تشتيت الساحات. فإذا كانت الضفة مشتعلة، فمن وجهة نظرها يجب إشعال ساحة أخرى كي تربك وحدة الفصائل وتعمّق حالة الضغط عليها. وضرب مخيم عين الحلوة يأتي ضمن هذا السياق.

تعزيز صورة الردع أمام جمهورها الداخلي

الشارع الإسرائيلي بعد عام كامل من الحرب يعيش تحت ضغط نفسي وسياسي. الحكومة، التي تواجه تهالكًا داخليًا، تحتاج إلى إظهار أنها ترد بقوة، وأنها لا تسمح للفصائل بأن تفرض المعادلات.

دوافع العدوان على المخيم

الغارة على عين الحلوة تحمل دوافع تتجاوز الرد على عملية غوش عتصيون، ويمكن تلخيصها بثلاثة أسباب مركزية:

نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان كمدخل لاستهداف حزب الله وهذا ما يركز عليه الإعلام العبري خلال الأسابيع الأخيرة، وتتبناه المنظومة الأمنية في الكيان والتي تعتقد أن

"التفكيك يبدأ من الحلقة الأضعف"، حيث يرى الاحتلال أن الفصائل الفلسطينية في المخيمات هدفاً أسهل من حزب الله. من هنا، يرى الاحتلال أن تحييد هذه الساحات هو الخطوة الأولى لتهيئة بيئة تسمح بمحاولة ضرب بنى حزب الله لاحقًا، خصوصًا في ظل الحديث المتكرر عن "عملية واسعة" في لبنان خلال المرحلة المقبلة.

بالإضافة إلى التحريضات المستمرة من اليمين المتطرف والتي تدعو إلى استهداف الفصائل الفلسطينية في كل مكان عقب الاعتراف العالمي الذي يحصل بالدولة الفلسطينية، وهذا ما طالب به بن غفير مؤخراً وعدد من المتطرفين معه.

كذلك تجهيز الأرضية قبل أي حرب واسعة، باعتقاد الكيان أن هذه الضربات تكون مقدمة وبالتالي عند خوض تصعيد فعلي تكون القدرات قد تقلصت -لم يعتبر جيش الاحتلال من تجاربه السابقة التي ادعى فيها أنه قضى على القدرات وتفاجأ بعدها-.

ومعرفة الاحتلال بأن الضربات التي يسبقها إنذار تفقد الجدوى تدريجياً، لذلك عمد في الأمس إلى شن العدوان دون إنذار بهدف إحداث مجزرة. والآن كأن هناك نمط جديد يتبعه الاحتلال (بعض الاعتداءات والضربات بإنذار وبعضها بدون) طبعاً إن لم يكن هناك اغتيال ما.

تُظهر التطورات المتلاحقة أن التصعيد آخذ في التمدد مع احتمال التوسع إلى ساحات أخرى كلما عجز الاحتلال عن احتواء ما يربكه -من عمليات أو إعادة ترميم أو إعمار-... هذا العجز عن تحقيق مكاسب فعلية يدفعه إلى ارتكاب المجازر كما حدث على امتداد عامين في غزة. وسط محاولات حثيثة من الحكومة الإسرائيلية لإعادة فرض الاستقرار الداخلي المتلاشي عبر التصعيد الخارجي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور