الثلاثاء 24 كانون الثاني , 2023 02:09

هيئة النزاهة: ساحة بن سلمان لتصفية الحسابات السياسية

الفساد المالي في السعودية

كان إصرار ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على اتخاذ مروحة من الإجراءات التي وضعها ضمن إطار "مكافحة الفساد"، ثم المبالغة في الحديث عنها في مختلف لقاءاته الإعلامية والصحفية المحلية والدولية، أمر جليّ يخبّئ خلفه استراتيجية سوداء لإخفاء ما تصعب معالجته. اذ ان بن سلمان الذي افتتح عهده بسلسلة اعتقالات طالت أمراء من العائلة المالكة ورجال اعمال ومسؤولين، بلغ عددهم 381 شخصاً، في فندق الريتز كارلتون في جدة، انتهت التسويات لإطلاق سراحهم، بجَنيه 100 مليار دولار، لا زال "يكافح الفساد" على طريقته الخاصة، التي تهدف إلى وضع كل ما يتم سرقته من أموال المملكة، في خزينته دون سواه من البلاط.

في 23 كانون الثاني/ شباط الجاري، أعلنت هيئة النزاهة السعودية انها قد حققت مع 307 من المتهمين، وقد تم القاء القبض على 142 متورطاً في قضايا الرشوة وغسيل الأموال، يعملون في وزارات الداخلية، الحرس الوطني، الدفاع، العدالة، الطاقة، الإسكان والشؤون البلدية والقروية. كما يعمل البعض الآخر في وزارة التعليم والصحة ومصلحة الزكاة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد...  مبيّنة انه من "أبرز الجرائم التي تم القبض على المتهمين من أجلها: جرائم الفساد المالي والإداري في قضايا الرشوة وإساءة استخدام النفوذ وغسيل الأموال والتزوير". ووفق الهيئة، فقد تم تنفيذ 2364 جولة رقابية للتحقيق في عدد من القضايا الإدارية والجنائية.

هيئة النزاهة: مساحة لتصفية الحسابات

بعيد اقصاء بن سلمان لابن عمه محمد بن نايف الذي كان وليّاً للعهد، تناولت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، في 5 تموز/ يوليو عام 2020، المسار المتصاعد الذي تبعه بن نايف، ثم كيف انهار على يد بن سلمان بما وصفته "بالانهيار المأساوي". حيث استعرض ديفيد إغناتيوس، وهو كاتب متخصص في الشؤون الخارجية، كيف أطاح بن سلمان بالأول، بعد اتهامه بارتكاب جرائم متعلقة بالخيانة والفساد المالي اعتقاله لعدة أشهر.

وأضافت الصحيفة أن "لجنة مكافحة الفساد تستعد لتوجيه اتهام لابن نايف عندما كان وزيراً للداخلية بالاستيلاء على 15 مليار دولار عندما كان يدير برامج مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال شبكة من الحسابات الشركات الخاصة".

بعدها بـ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، أعلنت الهيئة عن ان عدداً من الضباط والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع متورطون بشبهات فساد وبتعاملات مالية مشبوهة يبلغ قدرها حوالي 328 مليون دولار. وقد وجهت السلطات تهماً إلى حوالي 51 شخصاً.

فيما ذكرت الهيئة حينها، أن المتهمين حققوا مكتسبات مالية غير مشروعة بلغت مليار و229 مليون و400 ألف ريال. وقد انتهت التحقيقات إلى توجيه الاتهام المباشر لـ44 من الذين قد تم القبض عليهم. وبيّنت ان العمل جار على استرداد الأموال التي نهبت إلى خزينة الدولة.

لاقت الخطوات المتتالية تلك، ردود أفعال مختلفة، كان غالبيتها يثير التساؤلات عن طبيعة هذه التهم. فيما أشار الخبير العسكري، هشام جابر حينها، إلى انه "من غير المألوف أن تعلن المملكة بالتفصيل عن حالات فساد في إدارات محددة". وقال أعتقد ان "وراء الإعلان غاية سياسية تهدف لفتح الملفات القديمة لإدانة مسؤولين سابقين". في حين رأى البعض الآخر، ان محمد بن سلمان قام "البروباغندا" تلك، بتوقيت مدروس وهو وصول الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض. ويرمي من ذلك كسر الصورة النمطية المعروفة عن الرياض، بأن الأمراء يجنون أموالاً طائلة عبر تغلغلهم في مفاصل الدولة واحكام سيطرتهم عليها.

في الواقع، يتخذ محمد بن سلمان، ثوب "مكافحة الفساد" الفضفاض لتنفيذ مشاريعه السياسية التي تتطلب، تارة اقالة مسؤولين واقصاء امراء ومنافسين في العائلة المالكة، وتارة لجذب المستثمرين الأجانب ونيل ثقتهم.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور