السبت 11 تشرين أول , 2025 11:44

واشنطن: فشل في تأمين الإنفاق الحكومي و925 مليار دولار لتمويل الميزانية الدفاعية

Getty Images

في خطوة عدّها كثيرون إنجازاً في المشهد التشريعي الأمريكي، أقرّ مجلس الشيوخ يوم الخميس مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) بأغلبية 77 صوتاً مقابل 20، بعد تعطّل استمر أسابيع منذ طرحه في أيلول/سبتمبر الماضي. القانون، الذي كان مجلس النواب قد أقرّه الشهر الماضي، يُعدّ من أكبر مشاريع التشريع السنوية، ويحدد ميزانية البنتاغون وخطوط السياسة الدفاعية للعام المقبل، ويعكس أولويات واشنطن في الأمن القومي والإستراتيجية العسكرية.

تمرير القانون لم يكن مساراً سهلاً، إذ تعثّر العمل عليه بسبب اشتراط موافقة جميع الأعضاء على التصويت على التعديلات، الأمر الذي أعاق تقدمه. غير أن رئيس لجنة القوات المسلحة في الشيوخ، السيناتور الجمهوري روجر ويكر، تمكن من التوصل إلى اتفاق لإجراء تصويت على 17 تعديلاً مستقلاً، إضافة إلى حزمة إدارية تضم نحو 50 تعديلاً. وقد استمرّت عمليات التصويت حتى مساء الخميس، مؤمّنة بذلك توافقا نادراً بين الطرفين الحزبيين.

من أبرز الأصوات المعارضة التي تم تسويتها، كانت السيناتور الديمقراطية ماريا كانتويل على تعديل يفرض تدقيق الاستثمارات الأمريكية في الصين، بعد أن تلقت ضمانات بمراعاة مخاوف شركة مايكروسوفت، إحدى أكبر شركات الولاية. كما تم إسقاط تعديل يخص تكريم آشلي بابيت، القتيلة خلال أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير عام 2021.

المشروع يشمل ميزانية دفاعية ضخمة تصل إلى نحو 925 مليار دولار، وهي تزيد على طلب البيت الأبيض ومخصصات مجلس النواب. الميزانية تضمن زيادة رواتب العسكريين بنسبة تقارب 4٪، وتعزز الرقابة البرلمانية على نشر القوات الأميركية في الخارج، بما في ذلك أوروبا وكوريا، كما تحتوي على إصلاحات هيكلية في عمليات اقتناء الأسلحة لتسريع قدرة الصناعات الدفاعية على تلبية احتياجات البنتاغون. من أبرز التعديلات الجيوسياسية، إلغاء التفويضات السابقة لاستخدام القوة العسكرية في العراق، وهو ما يعكس محاولة الكونغرس استعادة بعض السيطرة التشريعية على القرارات الحربية، بعيداً عن السلطة التنفيذية.

في المقابل، يُظهر السياق الأوسع للتشريع الأميركي تناقضات عميقة في الأولويات المالية والسياسية. فبينما يتم تمرير إنفاق عسكري ضخم، يخفق مجلس الشيوخ للمرة السادسة على التوالي في تمرير قانون تمويل الحكومة الفيدرالية، مما أدى إلى استمرار الإغلاق الحكومي، مع تأثير مباشر على المتقاعدين وذوي الدخل المحدود. محاولات مجلس النواب لضمان رواتب العسكريين خلال الإغلاق فشلت، حيث شدّد رئيس المجلس مايك جونسون على ضرورة دعم الديمقراطيين لمشروع الحزب الجمهوري لإعادة فتح الحكومة. من جهته، رفض زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر أي دعم دون تفاوض حول انتهاء إعفاءات ضريبية للرعاية الصحية.

هذا التباين بين الإنفاق العسكري الكبير والإخفاق في تمويل الحكومة وتقديمات اجتماعية أساسية يسلّط الضوء على أزمة أوسع في المشهد السياسي الأميركي، إذ يبدو أن الأولويات الدفاعية تتقدم على الاحتياجات الاجتماعية، وأن القدرة على التوافق حول مسائل الأمن القومي أكبر من القدرة على التوافق بشأن الحياة اليومية للمواطنين الأميركيين. في المقابل، يوضح تمرير NDAA كيف يمكن للأجندة العسكرية أن تشق طريقها عبر التعقيدات الحزبية، في حين تبقى الإصلاحات المالية والاجتماعية رهينة المساومات الحزبية والتجاذبات الإيديولوجية.

يقدّم تمرير قانون الدفاع صورة مزدوجة عن واشنطن: من جهة، اتمام تشريعات تحافظ على الهيمنة العسكرية والقدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية حيوية؛ ومن جهة أخرى، كشف التوترات الداخلية بين الأطراف السياسية، والتي انعكست على الاقتصاد المحلي وخدمات الدولة الأساسية، ما يعكس هشاشة القدرة على إدارة الأولويات المالية والاجتماعية في مواجهة التحديات الكبرى.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور