تتقاسم وتتشارك الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" إستراتيجية عميقة الجذور، متجذرة في القيم والمصالح الأمنية المشتركة، والتي أصبحت المحرك الأساسي لجهودهما المتضافرة لإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي والاقتصادي والأمني في الشرق الأوسط والعالم. تتجسد هذه الرؤية التحويلية في نهج متعدد الأوجه يجمع بين:
1- التعاون الأمني القوي
2- المبادرات الطموحة للتكامل الاقتصادي
3- التعديلات الإقليمية الجيوسياسية المعقدة التي غالبًا ما تكون مثيرة للجدل
تتمحور ركائز هذا التحول حول عدة محاور رئيسية:
أولًا - تعميق البنية الأمنية من خلال المساعدات العسكرية المكثفة، والحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ "إسرائيل"، وتطوير التكنولوجيا المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية لمواجهة التهديدات الإقليمية، لا سيما اتجاه إيران واليمن والجهات الفاعلة غير الحكومية مثل حزب الله وحماس والفصائل العراقية المُقاومة.
ثانيًا - تعزيز التكامل الاقتصادي عبر الاتفاقيات الإبراهيمية التي فتحت آفاقًا دبلوماسية وتجارية جديدة، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الطموحة مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، المصمم لإعادة توجيه التدفقات الاقتصادية الإقليمية، وممر زانغيزور، وممر داوود المُخطط له، إلى جانب العديد من مشاريع السيطرة على الممرات المائية و البرية و إقامة عدد جديد منها بهدف السيطرة على الاقتصاديات العالمية والاستثمارات فيها (ممر لوبيتو في القارة الأفريقية كمثال)، وبالتالي على سياسات الدولة ذات العلاقة، أو المحيطة بهذه الممرات و المعابر، وصولًا لتكريس حاكمية القطب الواحد عالميًا (أنا ربكم الأعلى).
ثالثًا - تنسيق الديناميكيات الإقليمية المعقدة التي تهدف إلى تقويض وإلغاء القضية الفلسطينية كقضية صراع أو قضية جامعة لتمهيد عمليات التطبيع وفق "الديانة الإبراهيمية" المروّج لها. وتتجسد هذه الهدفيّة في سياسات "إسرائيل" الحازمة في قطاع غزة (بما في ذلك خطط نزع السلاح والسيطرة الأمنية والاحتلال المحتمل)، والضفة الغربية (التي تشهد توسعًا استيطانيا ومساعي لتحقيق رؤية "اسرائيل الكبرى"، في ظل إقرار الكنسيت الصهيوني قرار فرض السيادة عليها). وأيضًا في إلغاء التهديدات الوجودية التي تقلق "إسرائيل" في الجبهة الجنوبية (غزة)، والشمالية (حزب الله) بشكل نهائي وحاسم، والعمل أيضًا على تحييد العراق وفصائله المُقاوِمَة عن كونها جزء من المحور الإيراني تمهيدًا للعمل على نزع سلاحها هي أيضًا. ويضاف إليها ملف ترتيب الظهور السوري الجديد في المنطقة، كدولة ضعيفة، غير مقسّمة، وغير قادرة على تهديد "إسرائيل"، بل حليفة لها وجزء من تركيبة المصالح الأميركية في المنطقة كقاطعة طريق محور المقاومة بعدما كانت صلته الإستراتيجية، وضمن الدول المنضمّة للاتفاقات الإبراهيمية، ووصولًا إلى أن يتبع لبنان سوريا في الدور، في ظل إطلاق "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية تهديدات وجودية له.
رابعًا - السعي إلى تعزيز التكامل والتعاون الإقليمي تحت المظلة والتفوق والسيادة الأميركية والصهيونية في مجالات متنوعة، من الأمن الغذائي والمياه النظيفة إلى الطاقة والرعاية الصحية، والتعليم، والخامات الطبيعية.
هذه الشراكة الرؤيوية بين أميركا و "إسرائيل" تمضي قُدمًا، وستتواصل وتشتد وتحارب في سبيل تحققها،على الرغم من أنّ الصراع الصهيوني-الفلسطيني الذي لم يُحل حتى الآن سيظل نقطة عائقة أمامها تحتاج إلى حل سريع، كما أنّ السعي نحو نظام إقليمي "ثلاثي الأقطاب" (إسرائيل وتركيا ودول الخليج) يحتضن تحديات متأصلة بسبب تباين المصالح واحتمال التصعيد غير المقصود.
لتحميل الدراسة كاملاً من هنا
الكاتب: إبراهيم شمس الدين