رغم محاولات نظام أحمد الشرع الجولاني الكثيرة، لإظهار نفسه بأنه دولة مؤسسات ذات سيادة بعدما كان حركة مسلحة، إلا أن الوقائع على الأرض تدحض هذه المحاولات، انطلاقاً من مجازر الساحل والسويداء التي ارتكبتها قوات الجولاني باسم الأمن العام، مروراً بالاستسلام والخنوع أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته وتوسيع الكيان المؤقت للأراضي التي يحتلّها في سوريا بشكل واسع وممنهج، وصولاً الى العجز عن التعامل مع ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية قسد رغم حصول اتفاق العاشر من آذار / مارس، إلا أن هذا الاتفاق لم يطبّق بعد حتى الآن. وهو ما دفع البعض الى التندر والقول بأن هناك 6 من أصل 14 محافظة هي خارج سلطة الشرع وهي: دير الزور، والرقة، والحسكة، والسويداء، ودرعا، والقنيطرة.
وفي هذا السياق كان لافتاً ما صرّح به مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا غير بيدرسن، لصحيفة فاينانشال تايمز الإنكليزية منذ أيام، من أن سوريا على حافة السكين في أعقاب الاشتباكات الطائفية، وأنها قد تصبح ليبيا جديدة (في إشارة إلى الصراع والانقسامات التي قسمت الدولة إلى خليط من الإقطاعيات بعد أن تمت الإطاحة بالديكتاتور معمر القذافي في عام 2011). وأضاف بيدرسن بأن هناك كثيرون يقولون له أن العنف يُظهر عجز الشرع عن السيطرة على شعبه، ويسألون بيدرسن عن الرسالة التي يبعث بها ذلك، مبيناً بأنه يشعر "أنهم لم يدركوا تمامًا مدى خطورة هذا على العملية الانتقالية برمتها". وكشف بيدرسن أن الشرع "لا يشعر بأنه مستعد لإجراء إصلاحات أمنية"، وأن "ما يحدث هو أن كل هذه الفصائل (الجماعات المسلحة) تُنشئ إقطاعياتها الخاصة في جميع أنحاء البلاد". وأشار بيدرسن إلى أن الشرع يريد منح الأكراد حقوقهم السياسية (وفق اتفاق 10 آذار / مارس)، لكن "ما حدث على الساحل والسويداء عمّق انعدام الثقة"، وأضاف بأن تدخل إسرائيل العسكري عزز أيضا مواقف الانفصال بين الدروز، وأن تدخل إسرائيل "لا يجلب الاستقرار". خاتماً بأن الجولاني بحاجة إلى إقناع السوريين بأن "هذه بداية جديدة، وليس نظاماً استبدادياً جديداً".
لماذا تعطل الاتفاق بين قسد والجولاني
وفيما يتعلق باتفاق 10 آذار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نص على تسليم قسد لحكومة دمشق موارد النفط والغاز والكهرباء في الشمال الشرقي، واندماجها في جيش البلاد. لكن هذا الاتفاق تجمد بعد اعتراض قسد على الإعلان الدستوري الذي أقره الشرع، معتبرة أنه "لا يحمي حقوق الأقليات بشكل كافٍ". وكانت الحكومة السورية ردت على انعقاد مؤتمر "وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا"، بتعليق المفاوضات مع "قسد"، التي كانت مقررة في باريس.
الاستبداد سيعيد تكرار السيناريو الليبي
لا حل في سوريا بدون رجوع الشرع الجولاني للخلف، وعقد مؤتمر وطني جامع ينبثق عنه مجلس حكم انتقالي جامع لكل مكونات الشعب السوري، وهو ما ينقذ البلاد من الفوضى والاقتتال الداخلي (وهو ما ترغب به إسرائيل بشدّة)، وإلا فالساحة ستشهد تصاعداً مسلحاً وخيارات عنيفة، وعندها سنشهد تكراراً للسيناريو الليبي المؤسف.
الكاتب: غرفة التحرير