خاض الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملة ضغط معلنة ومبطنة لنيل جائزة نوبل للسلام، مستنداً إلى تصوّر ذاتي بأن موقعه السياسي وشعبيته وقدرته على التأثير العالمي تؤهله لنيل الجائزة، أو على الأقل تضعه في مرتبة أعلى من سلفه باراك أوباما الذي حصل عليها عام 2009. لكن قراءة دوافع ترامب من جهة، والوقائع السياسية التي تحيط بملفه من جهة ثانية، تكشف أن طموحه أكبر بكثير من رصيده الفعلي، وأن المعطيات المتراكمة تجعل فرصه حالياً شبه معدومة.
الرغبة في الجائزة ليست تفصيلاً بروتوكولياً بالنسبة لترامب، بل جزء من معركة رمزية تتقاطع فيها الاعتبارات الشخصية والانتخابية والدولية. فمنذ وصوله إلى الحكم، عبّر عن امتعاضه من منح الجائزة لأوباما على أساس خطاب نوايا، معتبراً أن الأخير لم يحقق ما يستوجب هذا التكريم. وبالمقابل، يقدم نفسه بوصفه رجل الصفقات وخصم الحروب، القادر على صناعة "سلام بفلسفة قوة"، وهو بذلك يسعى إلى إعادة تعريف معايير تمنحه شرعية دولية لا يحظى بها في المؤسسات متعددة الأطراف أو في الإعلام الغربي التقليدي.
كما أن سعيه للجائزة محكوم بهاجس المقارنة مع الديمقراطيين داخل الولايات المتحدة، حيث تشكّل نوبل بالنسبة إليه ورقة استعادة رمزية في الداخل بقدر ما هي وسام دولي. وتأتي أيضاً في سياق محاولته ترميم صورته أمام حلفاء واشنطن التقليديين، بعدما اتُّهم خلال ولايته الأولى بالتعامل الانعزالي وتقويض النظام الدولي الليبرالي. لذلك يميل إلى تقديم نوبل كتكريس لدوره في اتفاقات التطبيع العربية -الإسرائيلية، أو كدليل على أنه القادر على إنهاء الحرب في أوكرانيا، أو على الأقل تقديم مقاربة مختلفة عن إدارة سلفه جو بايدن.
لكن في المقابل، تبدو العقبات أكثر بروزاً من أي اعتبارات أخرى. لجنة نوبل المؤلفة من خمسة أعضاء لا تتحرك تحت ضغط الحملات الإعلامية أو التهويل السياسي، كما أن تجربتها مع أوباما جعلتها أكثر تحفظاً في منح الجائزة قبل تحقق إنجاز ملموس. ومن الواضح أن تركيبة اللجنة الحالية لا تميل لصالح ترامب؛ إذ لا يحظى إلا بتعاطف عضو واحد ذي ميول محافظة، بينما يتبنى الرئيس الحالي للجنة، ومعه ثلاث أعضاء، مواقف نقدية من سياساته الخارجية. كما أن سرية الترشيحات والمداولات تحرر اللجنة من أي التزام مباشر بما تطرحه الصحافة أو ما يروّج له البيت الأبيض.
أما على مستوى الوقائع، فلا يملك ترامب حتى الآن مادة سياسية حقيقية تُبنى عليها جائزة سلام. في الملف الأوكراني، لم يتحقق أي وقف للقتال أو اختراق دبلوماسي رغم وعوده العلنية بأن إنهاء الحرب لا يحتاج سوى يوم واحد. مقاربته القائمة على تطبيع شامل مع موسكو ورفع العقوبات لم تُترجم إلى مسار تفاوضي فعلي، ولم تحظَ بقبول أوروبي أو أممي. وبهذا المعنى، فخطابه حول السلام بقي خطاب نوايا لا يختلف كثيراً عمّا انتقده في حالة أوباما.
في غزة، حاول ترامب الترويج لفكرة مشروع اقتصادي- سياحي باعتباره مدخلاً لانهاء الحرب، لكنه تراجع سريعاً ولم يُبدِ أي التزام سياسي فعلي به. ومع استمرار الحرب التي يشنها كيان الاحتلال، لم يسجل أي تدخل ذي قيمة يمكن تقديمه للجنة نوبل كـ"منعطف سلام". الأخطر أن سلوك حلفائه في تل أبيب، وخصوصاً القصف الذي طال قطر المعنية بالوساطة، يضعف حجته بدل أن يعززها. فتخريب اتفاقات أبراهام، التي يعتبرها ترامب إنجازه الأبرز، يُظهر أن نفوذه على شركائه الإقليميين محدود، وأن رصيده الدبلوماسي غير قابل للصرف في الأزمات.
إلى جانب ذلك، فإن صورته الدولية ما زالت مثقلة بسجالات تتصل بتفكيك وكالة المساعدات الأميركية، والتهديد بضم غرينلاند، والتعامل الخشن مع المؤسسات الدولية. هذه الخلفيات تجعل منحه جائزة نوبل خطوة مكلفة للجنة نفسها، وربما مُستفزة للرأي العام الأوروبي، وهو ما عبّر عنه عدد من الدبلوماسيين الذين رأوا أن تكريمه قد يفتح نقاشاً حول جدوى الجائزة.
يريد ترامب الجائزة لأسباب تتعلق بالمكانة، والمقارنة مع أوباما، وتثبيت زعامة دولية شخصية. لكنه لا يمتلك حتى الآن الإنجاز السياسي الذي يسمح بنقل هذا الطموح إلى قرار فعلي. اللجنة تدرك حساسية منح نوبل في ظرف دولي متوتر، ولا تميل إلى تقديم الجائزة كتعويض رمزي أو استثمار انتخابي. ولكن اذا نجحت اللجنة هذه المرة في تحييد ترامب واعطاء الجائزة للفنزويلية ماريا كورينا ماشادو باريسكا المعارضة للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو -بغض النظر عن أحقيتها بها هي الأخرى- قد يكون ذلك أكثر صعوبة في الأعوام القادمة تحت حجم الضغوطات التي يمارسها ترامب عليها.