الجمعة 10 تشرين أول , 2025 03:59

المهاجرون غير اليهود في إسرائيل: بين قانون العودة وأزمة الهوية

ورقة علمية: المسيحيون وغير اليهود في الهجرات اليهودية إلى ”إسرائيل“

يشكّل ملف الهجرة إلى "إسرائيل" أحد أكثر جوانب التجربة الصهيونية تعقيداً، إذ ارتبط منذ البداية بمحاولة بناء كيان قومي على أساس ديني مغلق، في منطقة متعددة الأعراق والمعتقدات. غير أنّ العقود الأخيرة كشفت عن تحولات عميقة في طبيعة هذا المشروع، بعدما باتت الهجرات إلى "إسرائيل" تضم جماعات لا تنتمي عضوياً إلى الهوية اليهودية التي تأسس عليها الكيان. فبين موجات المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق وإثيوبيا وغيرهما، تداخلت الدوافع الدينية مع السياسية والاقتصادية، واتسع الفارق بين الشعارات المؤسسة والواقع الاجتماعي. وهكذا برزت إشكالية الهوية والانتماء في صميم المجتمع الإسرائيلي، حيث يعيش آلاف الأفراد على هامش التعريف الديني الرسمي، في دولة ما تزال تبحث عن توازن هش بين يهوديتها المعلنة وتعدديتها الفعلية.

تتناول الدراسة المرفقة أدناه، ظاهرة المهاجرين غير اليهود والمسيحيين إلى "إسرائيل"، منطلقاً من أن الكيان الصهيوني، الذي تأسس كدولة لليهود، واجه منذ نشأته إشكالية في استيعاب فئات لا تنتمي دينياً أو إثنياً إلى الجماعة اليهودية، لكنها دخلت ضمن موجات الهجرة الكبرى من الاتحاد السوفييتي السابق وإثيوبيا منذ أواخر القرن العشرين. في مقدمتها، تسلّط الدراسة الضوء على المفارقة بين الطابع "اليهودي" للدولة، وبين واقعها السكاني المتعدد الذي فرضته الهجرات الحديثة، لتطرح سؤال الهوية والانتماء في قلب المشروع الصهيوني.

تبدأ الورقة بعرض الإطار القانوني الناظم للهجرة، مبينة أن إسرائيل لا تملك قانوناً للهجرة بالمعنى الحديث، بل تستند إلى "قانون العودة" (1950) و"قانون الجنسية" (1952) اللذين يمنحان اليهود حول العالم حق الهجرة التلقائي، في حين تُبقي الأبواب موصدة أمام غير اليهود. يوضّح الباحث أن قانون العودة اكتسب صبغة دستورية داخل المنظومة القانونية الإسرائيلية، لأنه يعبّر عن الطبيعة الوظيفية للكيان كـ"دولة قومية للشعب اليهودي"، ويمنح امتيازات ديموغرافية ودينية لا تتاح لغير اليهود. ويستعرض كيف توسّع هذا القانون عام 1970 عبر "شرط الأحفاد"، الذي سمح لأبناء وأحفاد اليهود وأزواجهم بالهجرة، حتى وإن لم يكونوا يهوداً وفق الشريعة، ما فتح الباب أمام آلاف غير اليهود، خصوصاً من ذوي الأصول المختلطة في أوروبا الشرقية.

بعد ذلك، ينتقل الباحث إلى تفصيل أوضاع المهاجرين غير اليهود، خصوصاً من الاتحاد السوفييتي السابق، مبيّناً أن موجات التسعينيات مثّلت تحولاً ديموغرافياً كبيراً، إذ وصل أكثر من مليون مهاجر، كان ما يقارب ثلثهم غير يهود فعلياً. هؤلاء جاؤوا بدوافع سياسية واقتصادية، واستفادوا من قوانين الهجرة الخاصة باليهود رغم افتقارهم للانتماء الديني، الأمر الذي أثار داخل المجتمع الإسرائيلي إشكالات هوية وانقساماً بين من يرى فيهم دعماً للكيان، ومن يعدّهم تهديداً لطابعه اليهودي. ومع الوقت، نشأت داخل إسرائيل جماعة تُعرف بـ"الناطقين بالروسية"، تضم يهوداً وغير يهود، تشكّل أحد أبرز مكونات المجتمع الإسرائيلي الحديث، لكنها واجهت تمييزاً دينياً واجتماعياً عميقاً.

ترصد الدراسة معاناة المهاجرين غير اليهود في ميادين الحياة العامة، من الزواج والدفن إلى التوظيف والتمثيل السياسي. فغياب الزواج المدني وهيمنة الحاخامية الأرثوذكسية جعلت آلاف العائلات المختلطة خارج القانون الديني، كما واجهت هذه الفئات رفضاً من المؤسسة الدينية وحرماناً من بعض الحقوق المدنية. وعلى الرغم من حصولهم على الجنسية، ظلّ تصنيفهم الديني "بلا دين" أو "مسيحيين غير عرب" سبباً في تهميشهم مؤسساتياً. وتشير الورقة إلى أن التهوّد في إسرائيل عملية معقدة خاضعة لسلطة الحاخامية الأرثوذكسية، ولا يقبلها سوى عدد محدود من المهاجرين، ما يكرّس وضعهم الهامشي.

في البعد السياسي، توضح الدراسة كيف أسهم المهاجرون الروس في تشكيل خريطة انتخابية جديدة منذ التسعينيات، عبر أحزاب مثل "إسرائيل بعليا" ثم "إسرائيل بيتنا"، التي مثّلت مصالحهم القومية والعلمانية، لكنها اتجهت إلى التحالف مع اليمين الديني القومي بزعامة نتنياهو، ما عمّق الفجوة بينهم وبين التيار الديني الأرثوذكسي. ومع ذلك، ظلّ اليمين هو المستفيد الأكبر من أصوات "الشارع الروسي"، رغم ما يعانيه هؤلاء من تمييز ديني واجتماعي.

أما المهاجرون الإثيوبيون، فتشير الدراسة إلى أنهم واجهوا شكلاً آخر من التهميش، قائم على اللون والطبقة، إذ عُدّوا يهوداً بالهوية لا بالثقافة، وعانوا من فقر وتمييز بنيوي. وتُظهر الدراسة أن إسرائيل رغم ادعائها الانفتاح على كل يهود العالم، تُبقي انقساماً داخلياً بين اليهود البيض من أصل أوروبي وبين غيرهم، وتتعامل مع المسيحيين واليهود المتحوّلين من منظور شبهة دينية.

وفي الخاتمة، ترى الدراسة أن ظاهرة المهاجرين غير اليهود والمسيحيين داخل إسرائيل تكشف تناقضاً جوهرياً في بنية الكيان: فهو يسعى إلى استقدام أكبر عدد من المهاجرين لدعم ديموغرافيته، لكنه في الوقت نفسه يقيم نظاماً دينياً يميّز على أساس الهوية العقائدية. هذا التناقض أنتج مجتمعاً منقسم الهوية، تتنازعه الولاءات العرقية والدينية والسياسية، وأعاد فتح النقاش حول تعريف "من هو اليهودي؟" وحول مستقبل "يهودية الدولة" في ظل التغيرات السكانية المتسارعة.

لتحميل الدراسة من هنا


المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

الكاتب: أ. محمود عبده سالم




روزنامة المحور