الجمعة 15 آب , 2025 01:38

قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين: اختبار إرادات أم بداية مسار تفاوضي؟

ترامب يلتقي بوتين في قمة ألاسكا

تستعد ألاسكا يوم الجمعة 15 آب/أغسطس 2025 لاستضافة قمة غير مسبوقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهي أول دعوة رسمية من رئيس أميركي لنظيره الروسي لعقد محادثات خاصة على الأراضي الأميركية منذ عام 2007. اختيار المكان، جدول اللقاء، واستبعاد أوكرانيا من المشاركة تشكّل مؤشرات على أن القمة تحمل أبعاداً أبعد من مجرد "استماع متبادل" كما وصفها البيت الأبيض.

خلفيات اللقاء

جاء الإعلان عن القمة بعد أسابيع من تقلبات في مواقف ترامب تجاه الحرب الأوكرانية. ففي تموز/يوليو، هدد بزيادة العقوبات على موسكو إذا لم تتوقف الحرب خلال 50 يوماً، ثم عاد ليختصر المهلة إلى 10 أيام قبل أن يعلن عن لقائه ببوتين في ألاسكا بدلاً من فرض أي عقوبات جديدة. هذه التحركات عززت الانطباع بأن ترامب يراهن على الدبلوماسية الشخصية أكثر من الأدوات التقليدية للضغط.

من الجانب الروسي، ينظر الكرملين إلى الاجتماع باعتباره إنجازاً دبلوماسياً، ليس فقط لكسر عزلة بوتين الغربية، ولكن أيضاً لعقد قمة على أرض أميركية في ظل استمرار الحرب وغياب أي التزامات مسبقة بوقف إطلاق النار.

أبعاد استبعاد أوكرانيا

غياب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن الطاولة أثار انتقادات واسعة من كييف وحلفائها الأوروبيين، إذ اعتبر زيلينسكي الأمر "انتصاراً شخصياً" لبوتين، محذراً من مناقشة مستقبل أوكرانيا من دون مشاركة أوكرانية مباشرة. الأوروبيون عبّروا عن الموقف ذاته، وأكدوا في اتصال جماعي مع ترامب أن أي نقاش حول الأراضي أو السيادة يجب أن يشمل كييف.

هذا الاستبعاد يُقرأ استراتيجياً في اتجاهين: أولاً، إرضاء مطلب روسي بإبعاد أوكرانيا مؤقتاً عن المحادثات الثنائية، وثانياً، اختبار قدرة واشنطن وموسكو على صياغة أرضية تفاوضية قبل إدخال الطرف الأوكراني.

رمزية اختيار ألاسكا

اختيار ألاسكا كموقع للقمة لم يكن صدفة. فالولاية كانت جزءاً من الإمبراطورية الروسية قبل بيعها للولايات المتحدة عام 1867، وهي نقطة يستخدمها القوميون الروس لاستحضار فكرة "الخسائر التاريخية" التي يجب استعادتها. هذا البعد الرمزي يثير حساسية في واشنطن، خصوصاً أن بعض المحللين الغربيين يرون أن الاجتماع في أرض ذات ماضٍ روسي يعطي لموسكو انتصاراً معنويا إضافياً.

كما أن ألاسكا تمثل رابطاً جغرافياً واستراتيجياً بين البلدين، إذ لا يفصل بينهما سوى ثلاثة أميال عبر مضيق بيرينغ، ما يجعلها منصة مناسبة لبحث الملفات القطبية والملاحة في الشمال.

أجندة القمة

بحسب التسريبات، ستبدأ القمة بجلسة مغلقة بين ترامب وبوتين بحضور مترجمين، يليها اجتماع موسع يضم خمسة مسؤولين من كل جانب، بينهم وزراء الخارجية والدفاع والمالية من الجانب الروسي. القمة ستتوج بمؤتمر صحفي، مع احتمال تحديد لقاء لاحق يشمل زيلينسكي.

القضايا المطروحة يُتوقع أن تشمل:

أوكرانيا: مناقشة مبادئ "وقف التصعيد" أكثر من التوصل لاتفاق سلام شامل.

الملف القطبي: بحث ترتيبات الملاحة والأنشطة العسكرية في المنطقة الشمالية.

المجال الاقتصادي: احتمال تقديم تسهيلات اقتصادية محدودة.

مناقشة موضوع ضبط التسلح: إعادة فتح قنوات الحوار بشأن المخاطر النووية والتكنولوجية.

حدود التوقعات

البيت الأبيض خفّض سقف التوقعات قبل القمة، واصفاً إياها بأنها "جلسة استماع" للرئيس الأميركي. هذا يعكس إدراكاً لصعوبة تحقيق اختراق في ظل مكاسب روسيا الميدانية في شرق أوكرانيا وغياب أي مؤشرات على استعداد موسكو لإنهاء الحرب.

كما أن ترامب، الساعي لإثبات أنه قادر على إنهاء الحرب "خلال يوم واحد" كما وعد في حملته، يواجه معادلة معقدة: تحقيق تقدم ملموس من دون الظهور بمظهر المفرّط في مصالح أوكرانيا أو مصالح حلفائه الأوروبيين.

 السيناريوهات المحتملة

تقدم محدود: اتفاقات فنية لتقليل الاحتكاك العسكري وفتح قنوات إنسانية، مع تحديد موعد لجولة ثانية تشمل أوكرانيا.

تثبيت الوضع القائم: تبادل رسائل واضحة حول الخطوط الحمراء من دون أي تغييرات على الأرض.

فشل معلن: تصاعد الخلافات العلنية وعودة لغة التهديد، مع الإبقاء على قنوات اتصال خلفية.

قمة ألاسكا هي أكثر من لقاء ثنائي؛ إنها اختبار لقدرة واشنطن وموسكو على إدارة نزاع معقد من خلال قنوات مباشرة بعيداً عن الأطر متعددة الأطراف. ورغم أن فرص التوصل إلى اتفاق سلام شامل شبه معدومة، فإن أي تقدم في إجراءات بناء الثقة أو الحد من التصعيد سيكون بحد ذاته نتيجة مهمة يناسب أقلها مصالح الطرفين روسيا وأميركا.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور