الثلاثاء 11 تشرين ثاني , 2025 03:47

من باريشا إلى واشنطن.. رحلة الجولاني من ورقة مطلوبة إلى أداة أمريكية مؤقتة

الجولاني واقفاً الى جانب ترامب

بين البيت الأبيض في 10/11/2025 وباريشا في 27/10/2019، 6 سنوات و14 يوماً، ربما انتظرها أحمد الشرع الجولاني، ليحصل على جائزته الحقيقة لمقتل زعيم تنظيم داعش الوهابي الإرهابي أبو بكر البغدادي، على أيدي عناصر فرقة دلتا الأمريكية الخاصة التي نفذت إنزالاً في قرية باريشا التابعة لمحافظة إدلب، والتي كانت في حينها تحت سيطرة الجولاني "الإرهابي".

فأمريكا وفقاً لرئيسها دونالد ترامب – الذي نفّذت عملية القضاء على البغدادي خلال فترة رئاسة ترامب الأولى - باتت ترى في الشرع الجولاني (الذي كان مساعداً للبغدادي قبل 2013 والذي تُثار حوله الشكوك بأنه هو الذي أخبر أمريكا بمكان اختباء البغدادي ولخلفه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي الذي تم القضاء عليه من قبل القوات الخاصة الأمريكية عام 2022 في محيط بلدة أطمة شمالي إدلب وللزعيم الرابع للتنظيم أبو الحسين الحسيني القرشي)، الرجل "الزعيم" و"القائد القوي" الذي "سيبذل قصارى جهده لضمان نجاح سوريا"، بعدما كانت تصنّفه خلال السنوات السابقة إرهابياً (الى ما قبل أسبوع من زيارته)، ورصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله. أمّا ماضي الجولاني "الإرهابي" فما هو إلا "ماض صعب" كما وصفه ترامب مضيفاً "كلنا مررنا بماضٍ صعب. لكن ماضيه كان صعباً بالفعل، وبصراحة، أعتقد أنه لو لم يكن ماضيه كذلك، لما كانت لديه هذه الفرصة".

وبالعودة الى اللقاء الذي تحاول الكثير من وسائل الإعلام العربية والأمريكية إضفاء طابع الأسطورة عليه، فإن الشرع الجولاني أجرى محادثات مع ترامب استمرت حوالي ساعتين. وعلى عكس الزيارات الرئاسية للدول الأخرى الى البيت الأبيض، والتي كانت تُعلن تفاصيلها في الغالب فورًا، لم يكن اجتماع الشرع مفتوحًا لوسائل الإعلام، ويُعتقد على نطاق واسع أن ذلك يعود إلى "التاريخ غير المعتاد" للرئيس المؤقت لسوريا.

وبعد وقت قصير من الاجتماع، أعلنت الحكومة الأمريكية تعليق العقوبات لمدة 180 يوما على الدول الثالثة التي تتعامل تجاريًا مع الحكومة السورية أو مؤسساتها المالية، كتمديد جديد لإعفاء ترامب الذي أعلنه في أيار / مايو الماضي خلال زيارته للسعودية. وتسعى إدارة ترامب لإبطال العقوبات نهائياً على سوريا، لكن بشرط إصدار الرئاسة الأمريكية تقارير لمدة أربع سنوات حول أداء الحكومة السورية في "حماية حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب، وتطهير صفوفها من المقاتلين الأجانب، وتطوير علاقات جيدة مع إسرائيل"، ما يعني فرض الهيمنة الأمريكية بالكامل على قرار النظام السوري المؤقت.

اجتماع الشرع مع ترامب في البيت الأبيض

اجتماع ثلاثي: أمريكي – سوري – تركي

اجتماع الشيباني وروبيو وفيدان

لكن اللافت فيما جرى خلال زيارة الشرع الجولاني الى البيت الأبيض، هو انعقاد اجتماع ثلاثي ضم وزراء خارجية تركيا وسوريا والولايات المتحدة الأمريكية، بحث في مستقبل سوريا وسبل "تعزيز التعاون الإقليمي".

وقد صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مؤتمر صحفي بما تخلله الاجتماع حيث قال بإن الاجتماع الذي جمعه بنظيريه السوري أسعد الشيباني والأميركي ماركو روبيو، ناقش رؤى الدول الثلاث وسبل تعزيز التعاون المشترك، مشيرا إلى أن هذا اللقاء يأتي استكمالا لاجتماع سابق استضافته أنطاليا التركية خلال أيار / مايو الماضي. وأكّد فيدان أن أحد أبرز محاور الاجتماع كان مناقشة العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا بموجب "قانون قيصر". وأشاد فيدان بجهود السفير الأميركي في تركيا توماس برّاك، واصفًا إياه بـ"المبعوث النشط" في الملف السوري، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين واشنطن ودمشق، والأوضاع في جنوبي سوريا والمناطق الشمالية المحاذية للحدود التركية. وتناول الاجتماع أيضا تطورات الأوضاع في محافظة السويداء، التي شهدت في تموز / يوليو الماضي اشتباكات مسلحة بين مجموعات درزية وقوات الأمن العام التابعة للجولاني وعشائر بدوية، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والضحايا من المدنيين، وحصل خلالها العديد من جرائم ومجازر الإبادة الشبيهة بما حصل خلال مجازر الساحل بحق المدنيين العلويين.

في المحصلة، لم يكن استقبال أحمد الشرع الجولاني في البيت الأبيض تعبيراً عن ثقة أمريكية بشخصه، بقدر ما كان ترجمةً لمعادلة المصلحة البحتة. فواشنطن التي كانت تصفه قبل سنوات بـ"الإرهابي الأخطر"، لم تُبدّل نظرتها إلا حين أصبح وجوده أداةً مناسبة لتحقيق غاية محددة: تمهيد الطريق نحو اتفاقٍ سوري – إسرائيلي يؤمن مصالح الكيان المؤقت ويُكرّس النفوذ الأمريكي في المشرق. وبذلك، يبدو الجولاني اليوم مجرد "واجهة محلية" لمشروعٍ أوسع تُعيد من خلاله أمريكا صياغة خريطة المنطقة على مقاس مصالحها، لا على مقاس الشعوب التي دفعت أثمان الحروب – التي لأمريكا دور أساسي فيها - والفوضى.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور