الإثنين 10 تشرين ثاني , 2025 02:08

جيريمي سولت: الخيانة والمقاومة بين فلسطين وسوريا

ترامب ونتنياهو والشرع الجولاني

يعتبر المتخصص في التاريخ الحديث للشرق الأوسط جيريمي سولت (من بين منشوراته الأخيرة كتابه الصادر عام 2008 بعنوان "تفكيك الشرق الأوسط: تاريخ الفوضى الغربية في الأراضي العربية")، في هذا المقال الذي نشرته صحيفة فلسطين كرونيكل وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، أن سوريا اليوم مقسّمة بين تركيا في الشمال الغربي، والولايات المتحدة الأمريكية والأكراد في الشمال الشرقي، وإسرائيل في الجنوب. وأضاف سولت بأن أحمد الشرع الجولاني الموجود في واشنطن، قام بمنح أمريكا قاعدة جوية قرب دمشق، والذي صرّح بألا مشكلة لديه مع إسرائيل، وأنه بلا شك سيدخل في "اتفاقات أبراهام" في الوقت المناسب. مستنتجاً بأنه قد تم خيانة فلسطين، ولم تعد هناك سوريا موحّدة، وأن خطة التقسيم التي أطلقتها القوى الإمبريالية عام 1918 تكاد تصل إلى محطتها الأخيرة.

النص المترجم:

في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل مسيرتها في طريق الدمار الإبادي، تتسع رقعة المقاومة ضد نظام الجولاني/الشرع في سوريا. تصف وسائل الإعلام هذه المقاومة بأنها مكوّنة من "موالين للأسد"، وهو نفس التعبير التحقيري الذي استُخدم ضد الجيش السوري بعد الهجوم الذي بدأ عام 2011 وانتهى بانهيار الحكومة في كانون الأول / ديسمبر 2024.

النتائج واضحة: سوريا اليوم مقسّمة بين تركيا في الشمال الغربي، والولايات المتحدة والأكراد في الشمال الشرقي، وإسرائيل في الجنوب. أحمد الشرع موجود في واشنطن وقت كتابة هذه السطور، يمنح الولايات المتحدة قاعدة جوية قرب دمشق، لا مشكلة لديه مع إسرائيل، ولا شك أنه سيدخل في "اتفاقات أبراهام" في الوقت المناسب. لقد تم خيانة فلسطين، ولم تعد هناك سوريا موحّدة. خطة التقسيم التي أطلقتها القوى الإمبريالية عام 1918 تكاد تصل إلى محطتها الأخيرة.

لم تغزُ هيئة تحرير الشام (الهيئة) سوريا، بل سُلّمت لها بعد اتفاق أُبرم مسبقاً. فقد خرجت من إدلب لتدخل مدن سوريا الغربية من حماة إلى حمص ودمشق دون مقاومة تُذكر. الجيش الذي قاتل بشجاعة منذ عام 2011 "انهار" فجأة. كيف ولماذا حدث ذلك لا يزال بحاجة إلى تفسير.

وكما هو ديدنها منذ أكثر من عقد، استأنفت الجماعات المسلحة المعروفة باسم "هيئة تحرير الشام" مجازرها ضد العلويين فور أن اتخذ تنظيم القاعدة مقره في دمشق. بدأت الإهانات والضرب، وأُجبر الرجال والأولاد على الاستلقاء على الأرض والنباح كالكلاب، وتعرضت النساء للضرب أو القتل أو الاختطاف كغنائم حرب وأُجبرن على الزواج.

وسرعان ما تطور الأمر إلى القتل الجماعي. ففي آب / أغسطس 2025 أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا تقريراً عن أعمال عنف "قد ترقى" إلى جرائم حرب ارتُكبت بين 25 آذار / مارس و14 آب / أغسطس من العام نفسه. وشملت هذه الجرائم مجزرة آذار / مارس التي قُتل فيها 1400 رجل وامرأة وطفل في اللاذقية وطرطوس وحماة، على يد "قوات أمنية" ومدنيين جاءوا من حمص وحتى إدلب للمشاركة في القتل والتدمير.

في 30 تشرين الأول / أكتوبر، أبلغ رئيس اللجنة، باولو بينهيرو، الجمعية العامة للأمم المتحدة أن المحققين زاروا اللاذقية وطرطوس في حزيران / يونيو، ومحافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في وقت لاحق.

تم "تهجير" العلويين من دمشق والمناطق الغربية، وفي السويداء جرى "إفراغ" أكثر من 30 قرية درزية بالكامل ونهبها وإحراقها في تموز / يوليو، وفرّ عشرات الآلاف من المدنيين إلى لبنان، معظمهم من العلويين والمسيحيين.

وصف بينهيرو معاملة السكان المدنيين بأنها "لا توصف" والدمار بأنه "هائل". وذكر أن "الأفعال اللاإنسانية" شملت التمثيل بالجثث، وتلقت اللجنة تقارير متعددة عن نساء وفتيات تعرضن للعنف الجنسي والإجبار على الزواج، وبعضهن اختفين دون أي تحرك من "السلطات" للتحقيق.

وجد التقرير أن مجزرة آذار / مارس ضد العلويين جاءت بعد مقاومة مسلحة لعمليات اعتقال نفذتها "قوات الحكومة المؤقتة"، ما يعني تحميل جزء من المسؤولية للمعارضة. ومع ذلك، فإن "القتل وأعمال العنف الأخرى" من قبل "قوات الأمن" والمدنيين المتحالفين معها كانت جزءاً من نمط منهجي واسع.

ورغم أن اللجنة لم تجد دليلاً على سياسة حكومية ممنهجة، أكد بينهيرو أن التقارير حول الإعدامات خارج القانون والتعذيب وسوء معاملة العلويين استمرت بالورود. وأضاف أن خطاب الكراهية الذي أعقب مجازر آذار / مارس في الساحل مهد الطريق لمزيد من العنف.

المسؤولون عن الجرائم ضد المدنيين خليط من "القوات الأمنية" ومدنيين متطرفين وجماعات مسلحة مثل "سرايا أنصار السنة"، وهي مجموعة متعهدة بإبادة العلويين والشيعة والدروز والمسيحيين. تأسست سراً في إدلب قبل أن تبدأ هيئة تحرير الشام زحفها نحو دمشق، وانفصلت عنها لأنها كانت "متساهلة" جداً مع المسلمين المخالفين والمسيحيين.

رئيس "الحكومة المؤقتة" في دمشق، أحمد الشرع، صعد عبر صفوف تنظيم القاعدة في العراق باسم أبو محمد الجولاني قبل أن يُعتقل في الموصل عام 2005 على يد القوات الأمريكية. نُقل إلى سجن بوكا، ثم إلى عهدة الحكومة العراقية عام 2010، وأُفرج عنه في آذار / مارس 2011، قبل يومين فقط من انطلاق التظاهرات في درعا – توقيت يثير كثيراً من الشبهات حول ما إذا كان قد "جُنّد" في بوكا.

انضم الشرع إلى "الدولة الإسلامية في العراق" عام 2011 قبل أن يُرسل إلى سوريا لتأسيس فرع للتنظيم، لكنه انفصل لاحقاً عن القاعدة والدولة الإسلامية ليؤسس "جبهة النصرة لأهل الشام" عام 2012، والتي تحولت لاحقاً إلى "جيش الفتح" ثم إلى "جبهة فتح الشام" عام 2016.

أُدرجت جبهة النصرة عالمياً على لائحة الإرهاب بسبب جرائم القتل والتعذيب والخطف. وبعد سلسلة من الانشقاقات والمعارك الداخلية، أُعيدت تسميتها "هيئة تحرير الشام" عام 2017 بقيادة الشرع، الذي بدأ يروّج لنفسه كرجل "معتدل" رغم استمرار المجازر والخطف.

ومن بين كبار مسؤولي حكومته: وزير "العدل" شادي محمد الوايسي، القاضي السابق في محكمة النصرة في إدلب، والذي ظهر في تسجيل مصور وهو يشرف على "إعدام" امرأتين بتهمة الزنا، ووزير "الدفاع" مرهف أبو قصرة، المتهم بعمليات إعدام ورجم وقتل واغتصاب.

دخل الشرع دمشق في كانون الأول / ديسمبر 2024 ببدلة وربطة عنق بدلاً من عمامة الأمير، فصار مقبولاً في "الغرب" ودول الخليج. لم يتعرض لأي تحقيق أو تعذيب، بل استُقبل كرجل دولة، واستضاف الوفود الأجنبية، وزارته شخصيات من مصر والكويت والأردن والسعودية وقطر والإمارات وروسيا وتركيا وأذربيجان، والآن الولايات المتحدة.

في الرياض في أيار / مايو الماضي، التقى ترامب الذي وصفه بأنه "رجل شاب جذّاب ذو ماضٍ عاصف". ودُعي لاحقاً إلى ألمانيا من المستشار ميرتس لبحث "إعادة اللاجئين السوريين"، إذ قال ميرتس: "الحرب الأهلية في سوريا انتهت، ولم تعد هناك أسباب للجوء".

 

لكن الحقيقة أن ما جرى لم يكن "حرباً أهلية" بل محاولة غربية – إقليمية لإسقاط الدولة السورية عبر وكلاء إرهابيين. وحتى بعد عشر سنوات، كما تقول الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، لا تزال سوريا غير آمنة للعلويين والشيعة والمسيحيين وحتى المسلمين العلمانيين.

من المبكر جداً القول إن الحرب انتهت. فالقوات الأمريكية والتركية والإسرائيلية لا تُبدي أي نية للانسحاب من الأراضي التي تحتلها، والمقاومة ضد نظام دمشق تتصاعد. وإسرائيل تنتهك الهدن في غزة ولبنان يومياً، وتستعد للهجوم على إيران.

الجيش اللبناني غير قادر – ولا راغب – في نزع سلاح حزب الله كما تطلب واشنطن وتل أبيب، وقد أوضح الرئيس عون، القائد السابق للجيش، أن عليه مقاومة العدوان الإسرائيلي.

بين العراق ولبنان، تحولت سوريا إلى موقع نفوذ غربي–إسرائيلي–خليجي، مما يجعلها عرضة للانجرار إلى الحرب الشاملة إذا مضت إسرائيل والولايات المتحدة في هجماتهما ضد لبنان وإيران. فالحرب على سوريا ليست سوى فصل من حرب إقليمية أوسع.

الشرع لا يحكم "سوريا" لأن سوريا التي كانت قبل 2011 لم تعد موجودة. البلاد مقسمة فعلياً بين تركيا في الشمال الغربي، والأكراد/الولايات المتحدة في الشمال الشرقي، وإسرائيل في الجنوب.

اختير الشرع "رئيساً مؤقتاً" من قبل القيادة المسلحة لهيئة تحرير الشام. لا دستور في سوريا اليوم سوى "إعلان" صاغه بنفسه، والانتخابات الأخيرة كانت شكلية بمرشحين معتمدين سلفاً اختارتهم لجان تابعة للحركة في كل محافظة.

لم تُجرَ انتخابات في المناطق الكردية أو في السويداء، حيث تستمر المقاومة ضد دمشق. ثلثا المقاعد "انتُخبوا" عبر الكليات الانتخابية، والثلث الباقي كان من صلاحية "الرئيس المؤقت".

تملأ المراكز العليا في جيشه عناصر أجنبية من العالم العربي والقوقاز وآسيا الوسطى. أما رائد الصالح، قائد "الخوذ البيضاء" – المجموعة التي تعاونت مع النصرة – فقد أصبح "وزير الكوارث والطوارئ".

كتب فؤاد وليد إتيم في مقالة بعنوان "في سوريا، المجانين يحكمون المصح" (31 كانون الثاني / يناير 2025) أن "البلد الذي يريده هؤلاء المجانين ليس البلد الذي يريده السوريون". وهو على حق: فحضارة سوريا القديمة المتعددة الأعراق والأديان انهارت فوق رؤوس أبنائها، وإعلان الفقه الإسلامي أساساً للتشريع يحدد ملامح ما هو قادم. لكن المقاومة تنتشر، ولن يسمح السوريون الذين ناضلوا قرناً من الزمن لوطنهم أن يسقط في يد أدوات الغرب وإسرائيل.

إن هذه الحرب الطويلة على قلب غرب آسيا – سوريا ولبنان وفلسطين والعراق – هي في جوهرها حرب على التاريخ والثقافة والهوية العربية. فلا وجود لحروب منفصلة، بل حلقات متصلة في سلسلة غزو وهيمنة بدأت قبل قرنين تقريباً.

ولا يوجد في التاريخ العربي والإسلامي دمار يشبه ما فعله هؤلاء "البرابرة الغربيون" والدولة الإبادية التي أنشأوها في فلسطين منذ عام 1918.

لقد اضطر ورثة أعظم الحضارات على وجه الأرض إلى رؤية بلدانهم تتحول إلى مقابر ومكبات نفايات. فأي مستوى من الغطرسة والعنصرية يجعل برابرة الغرب يظنون أنهم سيفلتون من الحساب إلى الأبد؟


المصدر: فلسطين كرونيكل - Palestine Chronicle

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور