الإثنين 10 تشرين ثاني , 2025 03:49

"إسرائيل" تحاول تطويق إيران من آسيا الوسطى

ترامب ينعش الاتفاقيات الإبراهيمية

مؤخّراً أعلن دونالد ترامب عن دخول كازاخستان في إطار "الاتفاقيات الإبراهيمية"، في خطوة تمثّل إعادة إحياء للمشروع الذي أُطلق عام 2020 وهدفه الأوسع الترويج لكيان الاحتلال عالمياً وفتح أبواب التطبيع أمامه مع أكبر عدد من الدول.

هذا المشروع الذي بدأ بزخم كبير في ولاية ترامب الأولى تراجع بشكل ملحوظ بعد طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، إثر المجازر التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي في غزة، ما أدى إلى تآكل صورته دولياً وتراجع الإقبال العربي والإسلامي على أي مسار تطبيعي معه -لا سيما السعودية-. إلا أنّ الإعلان الجديد عن دخول كازاخستان موجة التطبيع يبدو كمحاولة أميركية – إسرائيلية مشتركة لإعادة تفعيل المشروع من بوابة جديدة هي آسيا الوسطى.

مكاسب الاحتلال من التمدد في آسيا الوسطى

لا يمكن فصل هذا التطور عن الرؤية الإسرائيلية الأوسع، التي لطالما سعت إلى إحكام الطوق الجيوسياسي حول إيران.

تتمتع دول آسيا الوسطى – خصوصاً كازاخستان، أوزبكستان، وقرغيزستان – بموقع حيوي يشكّل الحلقة الأقرب إلى الحدود الشمالية لإيران. ومن هذا المنطلق، فإنّ أي انخراط تطبيعي بين "إسرائيل" وهذه الدول لا يهدف فقط إلى العلاقات الاقتصادية أو الثقافية، بل يتجاوزها إلى بناء شبكة دفاع متقدمة تعمل لصالح الكيان في حال اندلاع حرب إقليمية واسعة.

فمن بين المكاسب المباشرة لكيان الاحتلال:

التموضع الأمني والعسكري

تسعى "إسرائيل"، عبر هذا الانفتاح، إلى إيجاد موطئ قدم استخباري وعسكري في دول قريبة من إيران، بحيث يمكنها مراقبة النشاطات الإيرانية، وربما في مراحل لاحقة إنشاء قواعد أو محطات مراقبة إلكترونية بالتعاون مع الولايات المتحدة.

وبذلك، تتحول دول آسيا الوسطى إلى خط دفاع أول عن الكيان في أي مواجهة مستقبلية، بينما تبقى تل أبيب بمنأى عن الخطر المباشر بفعل بعدها الجغرافي.

تعزيز النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي

تمتلك هذه الدول ثروات طبيعية ضخمة من الغاز والنفط واليورانيوم، ما يجعلها بيئة استثمارية مغرية للاحتلال، الذي يبحث عن أسواق جديدة وشركاء جدد بعد اهتزاز علاقاتها في الإقليم العربي. كما أنّ كازاخستان تحديداً تعدّ ممراً مهماً لمشروع الحزام والطريق الصيني، ما يمنح "إسرائيل" فرصة للتموضع ضمن شبكات النقل والطاقة العابرة للقارات.

الموقع الجيوسياسي

تقع دول آسيا الوسطى في منطقة تنافس حاد بين روسيا والصين والولايات المتحدة، ما يجعلها ساحة مناسبة للنفوذ المرن. وهنا، تعمل "إسرائيل" بالتوازي مع واشنطن، إذ تتيح لها هذه التحالفات الجديدة تعزيز حضورها في وجه تمدد بكين وموسكو في المنطقة.

التحوّل في الاتجاه

تراجع مسار التطبيع مع السعودية بعد حرب غزة جعل "إسرائيل" تبحث عن بديل تعويضي يعيد لها الزخم السياسي الذي فقدته.

فمنذ أكثر من عام، كانت الرياض هي الجائزة الكبرى في مشروع الاتفاقيات الإبراهيمية، وجرى استثمار سياسي وإعلامي هائل لتهيئة الرأي العام العربي نحو هذا المسار. غير أن المقاومة في غزة استطاعت تغيير هذا المسار عبر طوفان الأقصى، وتزايد الانتقادات العالمية للسلوك الإسرائيلي العدواني، أدّيا إلى تجميد للاتفاقيات بين الجانبين.

في هذا السياق، يُقرأ دخول كازاخستان على خط التطبيع كجزء من محاولة تعويضية. فالدول الإسلامية في آسيا الوسطى – رغم بعدها الجغرافي – تمثل كتلة ديموغرافية ذات أغلبية مسلمة، وتتيح للكيان الادعاء بأنه يتوسّع في علاقاته مع العالم الإسلامي، حتى لو لم يكن ذلك في الشرق الأوسط.

من اللافت أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أطلق المشروع أول مرة عام 2020، عاد اليوم ليقوده شخصياً. ووفق ما ذكره سياسيون أميركيون، فإنّ ترامب سعى منذ بداية ولايته الأولى إلى إقناع عواصم آسيا الوسطى بالانضمام إلى الاتفاقيات، في إطار مشروع أكبر لتوسيع النفوذ الأميركي والإسرائيلي في المنطقة، خصوصاً بعد تراجع الحضور الأميركي في الشرق الأوسط.

كما أشار بعض المحللين إلى أن انضمام كازاخستان قد يشجع دول مجموعة "5+1" (كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، أوزبكستان) على اتخاذ خطوات مماثلة، ما يعني عملياً خلق جبهة سياسية متقدمة للكيان في قلب آسيا، بموافقة واشنطن ودعمها المالي والعسكري.

التطبيع كأداة حصار جديدة ضد إيران

في جوهر المشروع، لا يتعلق الأمر بمجرد علاقات دبلوماسية يحاول الكيان تنفيذها، بل هو مشروع تطويق استراتيجي لإيران. وهذا ما يجعل التطبيع مع كازاخستان جزءاً من هندسة جيوسياسية جديدة تعمل فيها واشنطن وتل أبيب يداً بيد لإعادة رسم خريطة التحالفات الآسيوية بما يخدم أهدافهما الأمنية والاقتصادية معاً.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور