الثلاثاء 11 تشرين ثاني , 2025 03:19

الخيام: عقدة الاحتلال المتجدّدة

الكيان فشل في احتلال مدينة الخيام منذ حرب 2006

في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، عادت بلدة الخيام إلى الواجهة مجدداً، حين حاولت القوات الإسرائيلية التقدّم البري نحوها في إطار الحرب على لبنان. وكانت خطة الاجتياح البري للمدينة بهدف إعادة إحياء مخطط قديم لم يتحقق في حرب تموز 2006.

الاحتلال، الذي اعتبر دائماً أن الخيام هي "مفتاح التوغّل نحو العمق اللبناني"، حاول تنفيذ سلسلة من العمليات لاختراق صفوف المقاومة وتثبيت نقاط في محيط البلدة، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل، تماماً كما حدث قبل تسعة عشر عاماً.

الخيام في ذاكرة العدو: مرارة تموز التي لم تلتئم

تكتسب الخيام رمزية خاصة في العقل العسكري الإسرائيلي. ففي حرب تموز 2006، تحوّلت البلدة إلى ميدان مواجهة نموذجية كشفت هشاشة سلاح المدرّعات الإسرائيلي أمام تكتيكات المقاومة. حيث استخدم مقاتلو حزب الله آنذاك صواريخ "كورنيت" المضادة للدروع لأول مرة، فشكّلت صدمة قاسية للجيش الإسرائيلي الذي كان يفاخر بدباباته من طراز "ميركافا" وأنها دبابات لا تقهر.

تلك المواجهة رسخت في الذاكرة الإسرائيلية باعتبار الخيام نقطة التحوّل الميدانية التي أظهرت قدرة المقاومة على خوض حرب دفاعية ذكية، وتوظيف الجغرافيا والوعي التكتيكي لفرض معادلات جديدة. ومنذ ذلك الوقت، بقيت الخيام هاجساً مفتوحاً في العقل العسكري الإسرائيلي، ومحاولة احتلالها في حرب 2024 انطوت على "تعويض الفشل السابق".

الأهمية الاستراتيجية

تنبع أهمية الخيام بالنسبة لكيان الاحتلال من موقعها الجغرافي الحساس. فالبلدة تطل مباشرة على مستوطنة المطلة، وتشرف على الممرات التي تربط الجنوب اللبناني بالبقاع.

كان الاحتلال يرى في السيطرة على الخيام وسيلة لتحقيق هدف مركزي في استراتيجيته خلال حرب 2024، وهو فصل البقاع عن الجنوب، وبالتالي قطع ما يعتبره خط الإمداد الحيوي للمقاومة بين الجبهتين.

هذا الهدف دفع الجيش الإسرائيلي إلى الدفع بوحدات نخبوية لمحاولة السيطرة على البلدة، معتبراً أن تحقيق هذا المخطط سيُحدث تحوّلاً نوعياً في مسار المعركة، ويُعيد زمام المبادرة إلى يده بعد سلسلة إخفاقات خصوصاً بعد المواجهة الصاروخية الكثيفة التي نفذتها المقاومة في عمق الكيان ومناطق الجليل في القسم الثاني من الحرب وحققت خلالها إصابات كبيرة في مواقع العدو وقواعده.

ابتكار المقاومة

لكن المفاجأة جاءت من المقاومة نفسها، التي لم تخض المعركة بالأساليب التقليدية

فاعتمدت المقاومة على الأحزمة الصاروخية كتكتيك متقدّم يمنع التوغّل الإسرائيلي في العمق، عبر تغطية محيط البلدة بنيران دقيقة ومدروسة، أربكت تقدم القوات المهاجمة وجعلت أي تحرّك مكشوفاً للنيران.

إلى جانب ذلك، استخدمت المقاومة أسراب الطائرات المسيّرة الانقضاضية بكثافة لافتة، في مزيجٍ بين العمل بالوسائل المتطورة والاستهداف الميداني، ما أدى إلى تدمير آليات إسرائيلية متقدمة وإجبار القوات على التراجع.

بهذه الأساليب المبتكرة، استطاعت المقاومة أن تُعيد تعريف مفهوم الدفاع الميداني، وأن تُظهر قدرة على التحكم بالمعركة عن بُعد، إلى جانب المواجهات المباشرة التي جرت في خطوط المواجهة الأمامية وكان لها الفضل الكبير في صد تقدم الاحتلال ومنعه من تركيز تواجد له.

فشل الاحتلال في كسر المعادلة

لم يكن فشل الاحتلال في الخيام مجرد إخفاق ميداني، بل هزيمة سياسية. فالمعركة كشفت أن الجيش الإسرائيلي، رغم تطوّره التقني ودعمه الأميركي، عاجز عن تحقيق مكسب ميداني حقيقي أمام منظومة مقاومة أكثر مرونة وابتكاراً.

كما أظهرت المعركة أن إصرار العدو على احتلال الخيام نابع من رغبته في تحقيق إنجاز يعوّض خيبته في الجبهات الأخرى، لكن النتيجة جاءت معاكسة تماماً.

فالمقاومة لم تكتفِ بإفشال التوغّل، بل حوّلت الخيام مجدداً إلى نقطة فاصلة في عقل المنظومة العسكرية للاحتلال الذي بات يدرك أن الجنوب اللبناني لا يمكن أن يكون ساحة مفتوحة أمامه كما يتصوّر.

تُبرز معركة الخيام أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية القائمة على مبدأ "الحسم السريع" لم تعد قابلة للتطبيق في أي مواجهة مقبلة مع المقاومة. خصوصاً بعد ما واجه جنود الاحتلال في الخيام وجرى توصيفه "بالتجربة الصادمة"، إذ أدركوا أن أي محاولة للاجتياح البري ستكون مكلفة وغير مضمونة النتائج، وأن التفوّق الجوي لا يعني بالضرورة تحقيق إنجاز ميداني أمام خصم يملك خبرة قتالية عميقة وقدرة على التكيّف السريع.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور