شهدت معركة "أولي البأس" في جنوب لبنان خلال عام 2024 مواجهات برية شرسة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الإسلامية، وكانت قرية شمع واحدة من أبرز نقاط الاشتباك التي أظهرت بسالة المجاهدين وصلابة دفاعاتهم. في هذه القرية، تصدى المجاهدون للاحتلال ببسالة، واستهدفوا المؤرخ الإسرائيلي زئيف أرليخ الذي كان يرافق القوات الإسرائيلية للتعرف على معالم القرية، لتنتهي جولته سريعاً بفعل صواريخ المقاومة.
أسباب تفوق المجاهدين في مواجهة شمع
الاستعداد الميداني والمعرفة الجغرافية العميقة:
المجاهدون يتمتعون بخبرة طويلة في أرض جنوب لبنان، ويعرفون التضاريس الطبيعية لكل قرية ووادي وجبل. هذا يمنحهم ميزة تكتيكية في اختيار مواقع الاشتباك، وضع الكمائن، والتسلل دون كشف مواقعهم، مقارنة بجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يعتمد على الخرائط الذكية والتقنيات الجوية، التي برغم فعاليتها لا تعوض الوعي بالميدان بشكل مباشر.
الروح القتالية العالية والالتزام بالدفاع عن الأرض:
المجاهدون يقاتلون دفاعاً عن أراضيهم ومجتمعهم، ما يرفع من مستوى الصمود والانضباط. هذه الروح تجعلهم خطرين حتى أمام عدو يمتلك قدرات جوية هائلة، حيث لا يمكن للقصف الجوي أن يؤدي إلى ينهار إرادة المقاتل.
التكتيكات والكمائن المحكمة:
استخدام الكاميرات الأرضية، المراقبة الميدانية، ونقاط الاشتباك الصغيرة جعلت القوات الإسرائيلية عرضة للهجمات المركزة والمفاجئة، كما حصل في استهداف المؤرخ الصهيوني زئيف ارليخ في شمع، ما يظهر كيف يمكن للقوة البرية المنظمة استثمار ضعف التنسيق بين الطيران الموكل بحماية الجنود على الأرض.
الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية المحلية:
المقاومة تعتمد على شبكة معلومات واسعة، بما فيها المراقبة اليومية لمناطق الاحتلال، ما يسمح بتحديد تحركات العدو بدقة وتوجيه الضربات المناسبة في الوقت المناسب.
المرونة والقدرة على التعلم السريع:
أظهرت المواجهات قدرة على التكيّف السريع فمثلاً حين تغيّرت محاور التقدّم الإسرائيلية (من تلال اللبونة إلى القرى الأخرى) كانت وحدات المقاومة قادرة على إعادة تموضع وإدارة الاشتباكات بشكل مباشر، ما يدل على بنية ميدانية مرنة في إدارة المعركة.
من المرجح أن المجاهدين لم يكونوا على علم مسبق بتواجد ارليخ بالتفصيل، لكنهم كانوا مدركين لتواجد قوة ميدانية إسرائيلية مهمة في مسار محدد، واستغلوا الفرصة بدقة عندما ظهرت، ما يعكس مستوى عالي من الرصد والقدرة على الاستجابة الفورية للمواقف المستجدة. كذلك تفوق المجاهدين في مواجهات شمع لم يكن مرتبطاً بعددهم الكبير، بل بمدى جاهزيتهم، وخبرتهم. طبعاً الأعداد الكبيرة تساعد على تحقيق الهدف، لكنها ليست شرطاً ضرورياً للسيطرة على مسار المواجهة.
استثمار نقاط ضعف العدو
المجاهدون أظهروا قدرة فائقة على استثمار نقاط ضعف الاحتلال. الاعتماد الإسرائيلي الكبير على التفوق الجوي أعطى المقاومين فرصة للتحرك بمرونة، وتقليل التعرض المباشر لمسارات مكشوفة. كذلك، كانت فجوات التنسيق بين السلاح الجوي والقطع البرية عاملاً استغله المجاهدون، إلى جانب شبكة المعلومات والمعرفة التفصيلية بالتضاريس، ما أتاح لهم تحديد تحركات العدو بدقة وتنفيذ هجمات مركزة. روحهم المعنوية العالية، ومرونتهم في تعديل التكتيك بحسب تطورات المعركة، جعلت أي محاولة تقدم إسرائيلي مستحيلة.
يبدو أن الاحتلال تفاجأ بجهوزية المجاهدين واستعدادهم القتالي. لأن المعلومات الاستخباراتية التي اعتمدت عليها القوات الإسرائيلية كانت مادية بحتة. ولهذا كان هناك فجوة في التقديرات، ونوع من الاستهانة بالقدرات البرية للمجاهدين كما يفعل العدو دائماً ولكنه يصطدم بالواقع كل مرة، إضافة إلى الصمود النفسي والمعنوي غير المتوقع، أدت إلى تعديل خطط الاحتلال وإعادة النظر في أهدافه.
فشل أهداف الاجتياح البري
من التحليل الاستراتيجي، يمكن القول إن الاحتلال لم يحقق أهدافه من الاجتياح البري. لم يتمكن من السيطرة على أي نقاط استراتيجية أو طرق حيوية، بينما سجل المجاهدون نجاحاً في إحباط أي تقدم. وتكبد الاحتلال خسائر بشرية ومادية عديدة، ما أدى إلى تراجعه عن أهداف الاجتياح المعلنة، بالإضافة إلى إثبات فعالية الدفاع الشعبي، كل ذلك يشير إلى أن المعركة كانت انتصاراً تكتيكياً للمقاومة الإسلامية على مستوى الأرض والعسكر.
الكاتب: غرفة التحرير