الجمعة 24 تشرين أول , 2025 04:38

بعض مفاجآت أولي البأس الصاروخية

صاروخ قادر

شكّلت "معركة أُولي البأس" التي خاضتها المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، منذ الـ 17 من أيلول / سبتمبر 2024 حتى 27 تشرين الثاني / نوفمبر 2024، مناسبة مهمةً في تاريخ الصراع العسكري مع الكيان المؤقت، كونها أكّدت حصول تحول نوعي في مستوى القوة النارية لدى حزب الله. فهذه المعركة لم تكن مجرّد جولة جديدة من المواجهة، بل مثّلت مرحلة انتقالية في توازن الردع، إذ كشفت المقاومة عن ترسانة متطورة من الصواريخ والأسلحة الذكية التي تم تطوير جزء كبير منها محليا، بأيدي مهندسي حزب الله وخبرائه العسكريين.

فخلال هذه المعركة، عرض الإعلام الحربي التابع للمقاومة مشاهد مصوّرة لإطلاق أنواع جديدة من الصواريخ حملت أسماء رمزية مثل "فادي"، و"ملاك"، و"جهاد"، و"نصر"، و"قادر"، معرّفاً بأنها كانت من تصنيع وتطوير خبراء ومهندسي المقاومة. كما استخدم صاروخ فاتح 110 الإيراني الصنع لأول مرة خلال هذه المعركة، ليؤكّد بأن المقاومة رغم ما تعرضّت له من تحديّات كبيرة، لا تزال تمتلك العديد من أوراق وعناصر القوة، التي تستطيع من خلالها إيذاء إسرائيل بقوة.

وهذه أهم الصواريخ التي استخدمت خلال معركة أولي البأس:

_صاروخ فادي بأجياله:

خلال تصاعد المواجهة العسكرية استخدم الحزب نوعاً جديداً من الصواريخ أطلق عليه اسم "فادي" وظهرت أجيال متعددة منه (فادي-1، وفادي-2، فادي-3، فادي-4، وفادي-5، فادي-6). ويُصنّف هذا الصاروخ أرض-أرض تكتيكي/صاروخية قصير إلى متوسط المدى (80 كم الى 225 كم).

_ صاروخ نصر بأجياله:

يُصنّف كصاروخ أرض-أرض تكتيكي قصير إلى متوسط المدى (من 100 كم الى 140 كلم) وهو من تصميم مهندسي المقاومة، ويعمل بالوقود الصلب المركب، وقد كشف عن نسختين منه هما نصر – 1 ونصر – 2.

_صاروخ قادر بأجياله:

يُعدّ قادر 1 و2 من فئة الصواريخ بعيدة المدى نسبيًا، حيث يتراوح مداهما بين 190 و250 كيلومترًا. وهما من الصواريخ التي استخدمتهما المقاومة في استهداف عمق الأراضي المحتلة، بما في ذلك مناطق الساحل الفلسطيني الأوسط مثل نتانيا وهرتسيليا وحتى أطراف تل أبيب.

_ صاروخ نور:

لم تعلن المقاومة الإسلامية رسمياً عن مواصفاته، لكن بحسب بعض وسائل الإعلام فإنه نسخة مطوّرة دقةً ورأساً حربياً، عن صواريخ "أرش" الإيرانية الصنع (التي بدورها هي تطوير إيراني لصواريخ غراد 122 ملم).

_ السلاح الصاروخي M80:

من الصواريخ التي استخدمت في معركتي طوفان الأقصى (جبهة الإسناد) وأولي البأس. وبحسب ما ظهر في مقاطع مصوّرة للمقاومة، فإن هذا السلاح يستخدم لتوجيه ضربات دقيقة ضد مواقع إسرائيلية ثابتة داخل الأراضي المحتلة. ويتميز صاروخ الـM80  بأنه من تطوير محلي لصاروخ ميداني قصير المدى يعتمد على وقود صلب، ويتميز بدقته العالية وقدرته على العمل في ظروف ميدانية قاسية. وتكمن أهمية هذا السلاح بأنه يُستخدم على نطاق تكتيكي لدعم الوحدات القتالية الميدانية في الجنوب اللبناني، حيث يتيح للقوات إطلاق نيران كثيفة ضد التجمعات العسكرية الإسرائيلية دون الحاجة إلى منصّات إطلاق كبيرة. وبحسب تقديرات ميدانية، فإن مداه يتراوح بين 8 و15 كيلومترًا، مع رأس حربي يزن نحو 20 كلغ من المواد شديدة الانفجار.

_ صاروخا ملاك 1 و2:

تم الإعلان الرسمي عن استخدامه في 07 تشرين الأول / أكتوبر 2024. ووفق تحليل مقطع الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي، فإنه من المرجّح أن يكون هذا الصاروخ هو نسخة مطوّرة عن صاروخ غراد 122 ملم. ولا يقتصر التطوير على المدى الذي يصل اليه الصاروخ، بل نوعية الرأس الحربي وقدرته التدميرية ودقته في إصابة الهدف. وقد استخدمته المقاومة في قصف موقع أفيتال العسكري للقيادة والإنذار المبكر، الذي يقع في مرتفعات الجولان المحتل. وعليه فإن مدى الصاروخ بشكل منطقي يتجاوز الـ 25 كم أي المسافة التي يبعد فيها الموقع عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة (علماً بأن المدى الأقصى القياسي لغراد 122 ملم هو 20.5 كلم)، أما ملاك 2 فتم استخدامه في قصف الكريوت شمالي مدينة حيفا (التي تبعد مسافة أكثر من 28 كم) وعليه يمكن الجزم بأن ملاك 1 و2 يمتازان بمدى يتجاوز الـ 25 كم.

_ صاروخا جهاد 1 و2 (بمدى حتى 20 كم):

تُعدّ صواريخ جهاد 1 و2 من الأسلحة الميدانية التي استُخدمت بكثافة في بداية الحرب. تمتاز هذه الصواريخ بمدى يصل إلى 20 كيلومترًا فقط، ما يجعلها مثالية في المعارك القريبة ضد المواقع الأمامية للعدو أو ضد القواعد الصغيرة.

هذه الصواريخ محمولة على راجمات خفيفة وقابلة للإخفاء، ويمكن إطلاقها خلال دقائق، ما يمنح وحدات المقاومة ميزة "الضرب والانسحاب" التي يصعب على الطائرات الإسرائيلية رصدها.

_صاروخ فاتح 110:

يمكن اعتبار صاروخ فاتح 110 بمثابة جوهرة الترسانة الصاروخية للمقاومة الإسلامية، كونه من أكثر الصواريخ تطورًا ودقةً في إصابة أهدافه. فمداه يصل إلى نحو 300 كيلومتر، ما يعني قدرته على تغطية كامل الجغرافيا الفلسطينية المحتلة من جنوبي لبنان حتى إيلات. ويمتاز فاتح 110 بدقّة إصابة تصل إلى 5–10 أمتار فقط، ويعمل بوقود صلب، ما يجعله جاهزًا للإطلاق في أقل من عشر دقائق. كما أن له نسخًا مختلفة من حيث الرؤوس الحربية: شديدة الانفجار، متشظية، أو خارقة للتحصينات.

ولقد وُصف هذا الصاروخ في الصحافة الإسرائيلية بأنه "سلاح كاسر للتوازن"، إذ يجعل أي هدف استراتيجي في الكيان عرضةً للإصابة الدقيقة، بما في ذلك مقرات القيادة، القواعد الجوية، وموانئ حيفا وأشدود. وتقول بعض التقديرات أن الحزب يمتلك عشرات من هذه الصواريخ الموزعة على شبكات إطلاق سرية محصّنة في عمق الجبال.

التكامل العملياتي بين المنظومات

من جانب آخر، تميّز الأداء الصاروخي لحزب الله في معركة "أُولي البأس" بالتكامل العملياتي بين الصواريخ. بحيث كان واضحاً أن المقاومة لا تطلق الصواريخ عشوائيًا، بل وفق خطة نيران مركّبة تعتمد على تقسيم الأهداف إلى مستويات:

الأهداف التكتيكية: تُضرب بصواريخ جهاد وملاك.

الأهداف العملياتية: تُستخدم ضدها صواريخ فادي ونصر.

الأهداف الاستراتيجية: تُستهدف بصواريخ قادر وفاتح 110.

وأظهر هذا التكامل نضجًا عسكريًا وتنظيميًا كبيرًا، يعكس خبرة تراكمت على مدى عقدين من التدريب والمناورة والتطوير الميداني.

دلالات التصنيع المحلي

ومن أهم وأبرز أبرز الجوانب التي أظهرتها هذه المعركة هو القدرة الصناعية للمقاومة. فالكثير من الصواريخ التي ظهرت كانت من تطوير طوّرها خبراء الحزب، وهو ما يعني استحالة منع المقاومة من تجديد قدراتها العسكرية، وأن لبنان دخل فعليًا نادي الدول القادرة على إنتاج منظومة صاروخية وطنية مستقلة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور