الثلاثاء 26 آب , 2025 04:46

ليندسي غراهام: عرّاب الشرور الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة

السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام

يعدّ ليندسي غراهام شخصيةً بارزةً في السياسة الأمريكية لما يقرب من ثلاثة عقود، وهو شخصيةٌ بارزةٌ في مجلس الشيوخ، وأحد صقور المحافظين الجدد والحزب الجمهوري. وهو الذي عُرف بتقلب ولاءاته، وحسّه السياسي الحاد، وانخراطه العميق في السياسة الخارجية.

إلا أن أبرز ما هو اشتهر به غراهام هو تأييده المطلق للكيان المؤقت، وهذا ما عبّر عنه علناً منذ أيام حينما قال: "دعم إسرائيل واجب ديني وغضبُ الله علينا إذا سحبنا هذا الدعم".

 

حتى أنّه انتقد استخدام مصطلح "إبادة جماعية" في وصف الأحداث في غزة، مؤكدًا: "لقد سئمت من هذا التصنيف. دعوني أوضح لكم من هو الجهة الفعلية التي تطمح إلى الإبادة". مضيفاً: "تملك إسرائيل القوة لتدمير قطاع غزة بالكامل لو أرادت (هذه إشارة أمريكية رسمية واضحة بامتلاك الكيان أسلحة دمار شامل)، لكنها تختار الالتزام بالقانون والأخلاق".

ويعدّ الراعي الأساسي لنائبة المبعوث الأمريكي الى منطقة الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، التي عملت لسنوات معه.

فما هي أبرز المحطات في مسيرة غراهام، وكيف هي علاقته بإسرائيل؟

_وُلد في سنترال، بولاية ساوث كارولينا الجنوبية، سنة 1955، وكثيرًا ما تُصوَّر قصة حياته على أنها قصة صمودٍ وعزيمة لما واجهه في بدايته من صعوبات.

_بعد التحاقه بجامعة ساوث كارولينا، انضم إلى فيلق القاضي المحامي العام للقوات الجوية، حيث عمل محاميًا عسكريًا. لم تُكسبه هذه الخلفية المهارات المهنية فحسب، بل زودته أيضًا بمؤهلات الأمن القومي التي رسّخت مسيرته السياسية لاحقًا.

_دخل المعترك السياسي في أوائل التسعينيات، وفاز بمقعد في مجلس النواب الأمريكي سنة 2003، وكان جزءًا من موجة الجمهوريين المحافظين الذين اجتاحتهم طاقة "الثورة الجمهورية". تميزت فترة ولايته المبكرة بمشاركته في إجراءات عزل الرئيس بيل كلينتون، حيث اكتسب سمعة كمناضل حزبي. وبحلول الوقت الذي ترشح فيه لمجلس الشيوخ سنة 2002 ليحل محل ستروم ثورموند المتقاعد، كان غراهام قد وضع نفسه تحت حماية السيناتور جون ماكين وعضوًا فيما يُسمى "الأصدقاء الثلاثة" إلى جانب ماكين والسيناتور جو ليبرمان، وكلاهما من أشد المدافعين عن دور أمريكي قوي في الخارج. سرعان ما أصبحت سمعة غراهام بمثابة صقر دفاعي، شخص يدافع باستمرار عن التدخلات العسكرية في الخارج مع الحفاظ على مرونة براغماتية في السياسة الداخلية.

_في مجلس الشيوخ، برز كواحد من أبرز المدافعين عن حربي ما بعد 11 سبتمبر في أفغانستان والعراق. لطالما ركّز غراهام على الأمن الأمريكي من منظور المشاركة العالمية الدائمة، مُصرّاً على أن أمريكا لا تستطيع تحمّل الانسحاب من المناطق التي زعزعها "الإرهاب". وهذا ما جعله محبوباً لدى شركات الأسلحة ومراكز الفكر العسكرية ودوائر السلطة في واشنطن، لكنه عرّضه أيضاً للنقد باعتباره شخصاً منفصلاً عن واقع خسائر الحرب. وكثيراً ما عارضت جماعات المحاربين القدامى، والحريات المدنية، والتقدميون دعم غراهام المفتوح للتوسع العسكري. ومع ذلك، نادراً ما تردد غراهام، مُفضّلاً القول إن مصداقية أمريكا وأمنها يعتمدان على إبراز القوة.

_في حين يُصوَّر غراهام غالبًا على أنه من أشدّ صقور السياسة الخارجية، إلا أن سياساته الداخلية كانت أكثر تعقيدًا. ففي قضايا مثل إصلاح الهجرة، انشقّ غراهام بين الحين والآخر عن النهج الجمهوري التقليدي، داعمًا الجهود المشتركة بين الحزبين لتوفير سبيل للحصول على الجنسية للمهاجرين غير المسجلين. كما أيّدَ أحيانًا تدابير مثل العمل المناخي أو اتفاقيات الميزانية المشتركة بين الحزبين. وقد تركته هذه الاستقالات في بعض الأحيان معزولًا داخل حزبه، مما أثار غضب القواعد الشعبية المحافظة. ومع ذلك، أثبت غراهام براعته في البقاء السياسي، مُعيدًا النظر في مواقفه عند الضرورة. ولعلّ علاقته بالرئيس السابق دونالد ترامب هي أوضح مثال على ذلك: ففي البداية، كان غراهام ناقدًا لاذعًا خلال حملة عام 2016، ثم أعاد صياغة نفسه لاحقًا كواحد من أشدّ المدافعين عن ترامب ولاءً، مما يعكس قدرته على التكيف وإدراكه للرياح السياسية داخل الحزب الجمهوري.

_ من أبرز سمات مسيرته السياسية هي انغماسه في سياسات منطقة غربي آسيا، ولا سيما دعمه الثابت لإسرائيل. فهو طوال فترة توليه مناصبه، يعدّ من أشد المدافعين عن إسرائيل في مجلس الشيوخ الأمريكي، وغالبًا ما كان يُؤطر العلاقة من منظور القيم المشتركة والمصالح الأمنية. وكان صوتًا موثوقًا به لزيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل، متفاخرًا أحيانًا بأنه لم يبذل أي سياسي أمريكي جهدًا أكبر لضمان "التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل على جيرانها. وخلال فترات الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية في غزة أو لبنان، ردد غراهام بشكل انعكاسي الخط الإسرائيلي الرسمي، رافضًا أي حديث عن المجازر بحق المدنيين، باعتبارها ضرورات مؤسفة في "مكافحة الإرهاب". وهذا ما يعرضه للنقد حتى داخل أمريكا، لأن موقفه هذا يرقى إلى توفير غطاء لجرائم الحرب - القصف العشوائي، وحصار غزة، وتوسيع المستوطنات، وترسيخ نظام وصفته منظمات حقوق الإنسان الدولية بشكل متزايد بأنه نظام فصل عنصري. ولكن غراهام لم يحد قط عن دوره كمدافع قوي عن كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأصر على أن أي إدانة لإسرائيل تعادل تقويض أقرب حليف لأميركا في المنطقة.

_ولم تكن علاقة غراهام بإسرائيل أيديولوجية فحسب، بل سياسية بامتياز. فقد بنى علاقات مع لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) وغيرها من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، مما ضمن حصول حملاته في مجلس الشيوخ على دعم مالي ثابت من جهات مانحة تدعم مصالح إسرائيل. في المقابل، كان غراهام حليفًا موثوقًا به في عرقلة الإجراءات التي تنتقد إسرائيل على مستوى مجلس الشيوخ. كما عمل على دفع تشريعات تستهدف حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، واصفًا إياها بمعاداة السامية، بل ذهب إلى حد اقتراح اعتبار أي انتقاد للأعمال العسكرية الإسرائيلية يعد شكلاً من أشكال العداء تجاه الشعب اليهودي، ودعا الى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بسبب ما وصفه بـ "الوقاحة الشنيعة" لفرضها عقوبات على مسؤولين إسرائيليين.

_بالتوازي مع دعمه لإسرائيل، بنى غراهام علاقات وثيقة مع دول الخليج، وأبرزها المملكة العربية السعودية. تُجسّد علاقته بالرياض الجانب البراغماتي والمعاملاتي لسياسته الخارجية. ولطالما دعم غراهام التعاون الأمني ​​الأمريكي السعودي، وقد دافع مرارًا عن مبيعات الأسلحة للمملكة، حتى مع تزايد الأدلة على تورط السعودية في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحرب الوحشية في اليمن واغتيال الصحفي جمال خاشقجي. ورغم أن غراهام أعرب في البداية عن غضبه إزاء مقتل خاشقجي، بل وتعهد بـ"معاقبة السعودية بشدة" حتى أنه وصف ولي العهد محمد بن سلمان بـ"الأمير المارق"، مطالباً برحيل بن سلمان فورا من الحكم والتسليم بأن بطشه أجهض حلمه في اعتلاء العرش، متعهداً بإيقاع أشد أنواع العقوبات على الرياض في حال بقاء محمد بن سلمان في منصبه. ولم يتردد غراهام في وصف ولي العهد السعودي بأنه آلة تدمير وشخصية مثيرة للقلاقل، مشددا على أنه "لن يكون قائدا عالميا".

إلا أن خطاب غراهام خفت حدته وتغيّر بشكل جذري، بل وبات بكيل المديح بمحمد بن سلمان، ويُقال بأن غراهام هو أحد الشخصيات الرئيسية الداعمة لمخطط التطبيع السعودي الإسرائيلي. وقد جادل مرارًا بأن السعودية شريك أساسي في مواجهة "النفوذ الإيراني الإقليمي"، وحماية إمدادات الطاقة العالمية، والحفاظ على الاستقرار في الخليج. وقد ربطه هذا الموقف ارتباطًا وثيقًا بالمجمع الصناعي العسكري، حيث حصدت شركات الدفاع الأمريكية مليارات الدولارات من عقود توريد أنظمة أسلحة متطورة للسعوديين. بالنسبة للمنتقدين، يُجسّد موقف غراهام نفاق السياسة الخارجية الأمريكية - إذ تُدين الانتهاكات خطابيًا بينما تُمكّنها ماديًا. أما بالنسبة لغراهام، فإن العلاقة مع السعودية ضرورة استراتيجية تُعزز مكانة أمريكا العالمية.

_منذ أيامه الأولى في مجلس الشيوخ، حدّد غراهام طهران كخصمٍ محوري لأمريكا وحلفائها، مُصوّرًا إيران ليس فقط كمنافس جيوسياسي، بل كقوة ثورية عازمة على "زعزعة استقرار الشرق الأوسط". وقد دأب على الدفع نحو فرض عقوبات أشدّ، وردع أقوى، والتهديد المُقنع بالعمل العسكري ضد إيران، مُجادلًا بأن التنازل أو ضبط النفس لا يُشجّعان قيادة طهران إلا على التمادي. وبالنسبة له، مثّلت الثورة الإسلامية عام 1979 ميلاد تهديدٍ دائمٍ لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ولأمن إسرائيل، وتوازن القوى في الخليج.

كما يهاجم في خطاباته باستمرار قوى محور المقاومة مثل حرس الثورة الإسلامية وحزب الله في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، زاعماً بأنها تشكّل امتدادات لنفوذ إيران، وبانها لا تُمثّل كيانات وطنية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور