الثلاثاء 18 تشرين ثاني , 2025 10:58

اقرار خطة ترامب: مجلس الأمن يرعى احتلال غزة بطرق "قانونية"!

صوّت مجلس الأمن الدولي، على مشروع قرار أميركي يدعم خطة الرئيس دونالد ترامب حول قطاع غزة، بما في ذلك إنشاء قوة استقرار دولية و"مجلس سلام" مؤقت برئاسته. هذا التطور، الذي وصفه السفير الأميركي مايك والتز بأنه تاريخي وبنّاء، يعكس تحولاً دبلوماسياً مهماً، لكنه في الوقت ذاته يفتح باب تساؤلات حول مستقبل العملية السياسية الفلسطينية والإسرائيلية، وأثر التدخل الدولي على السيادة الفلسطينية.

حصل القرار على تأييد 13 دولة من أعضاء المجلس، فيما امتنعت روسيا والصين عن التصويت دون استخدام حق النقض، في مؤشر واضح على هشاشة توافق القوى الكبرى حول آليات تنفيذ الخطة الأميركية. ترامب اعتبر التصويت بمثابة "اعتراف وتأييد لمجلس السلام الذي سيرأسه"، معتبراً أن القرار سيمثل خطوة مهمة نحو السلام العالمي. في المقابل، يبدو أن الطرح الأميركي لم ينجح في كسب تأييد شامل، إذ ظلّت المواقف الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية متباينة، وهو ما يعكس التحديات الجوهرية التي تواجه أي مسعى لإعادة ترتيب المشهد في غزة.

النص النهائي للقرار يتيح إنشاء قوة استقرار دولية تعمل بالتعاون مع كيان الاحتلال ومصر والشرطة الفلسطينية المدربة حديثاً، بهدف تأمين المناطق الحدودية، نزع السلاح من قطاع غزة، حماية المدنيين، وإقامة ممرات إنسانية. كما يقر مجلس السلام كهيئة حكم انتقالية، يرأسها ترامب نظرياً، على أن تستمر ولايته حتى نهاية عام 2027، ويشير النص لأول مرة إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلية، شريطة تنفيذ الإصلاحات الفلسطينية وبدء إعادة إعمار غزة. هذا البند أثار رفضاً إسرائيلياً شديداً، حيث أعربت الحكومة عن تمسكها برفض حل الدولتين، فيما طالب بعض الوزراء، مثل إيتمار بن غفير وتسلئيل سموتريتش، باتخاذ إجراءات قاسية ضد القيادة الفلسطينية في حال استمرار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية.

على الصعيد الفلسطيني، رحبت السلطة الفلسطينية بالمشروع الأميركي، معتبرة أنه يعزز فرص إعادة الإعمار واستئناف المساعدات الإنسانية، بينما رفضت حركة حماس القرار، معتبرة أنه يفرض "وصاية دولية" على غزة ويستهدف فصل القطاع عن بقية الجغرافيا الفلسطينية. واعتبرت الحركة أن أي تدخل دولي لنزع سلاح المقاومة يحوّل القوة الدولية إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال، وأكدت أن أي مناقشة لموضوع السلاح يجب أن تبقى شأناً فلسطينياً داخلياً مرتبطاً ببرنامج سياسي لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة.

القرار الأميركي يشير إلى اعتماد القوة الدولية على "جميع التدابير اللازمة" لتنفيذ ولايتها، بما في ذلك استخدام القوة، التعاون مع الشرطة الفلسطينية، نزع البنية العسكرية، حماية المدنيين، وتسهيل العمليات الإنسانية. ومع ذلك، يربط انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من غزة بتحقيق استقرار أمني مشترك، ما يضع السلطة الفلسطينية في موقف صعب بين تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتلبية مطالب الاحتلال والقوة الدولية.

تحليل هذه الخطوة يظهر أن واشنطن اختارت مساراً يوازن بين الضغط على إسرائيل لضمان مشاركة محدودة في الإدارة الانتقالية لغزة، وبين الحفاظ على عنصر القوة الدولية كوسيط محتمل.

في المقابل، يعكس المشروع الأميركي رغبة الإدارة الحالية في فرض نموذج الوصاية الانتقالية لضمان الاستقرار، مع إبقاء الباب مفتوحا لإمكانية قيام الدولة الفلسطينية. هذا النهج، رغم أنه قد يخفف التوتر الفوري، إلا أنه يطرح مخاطر طويلة المدى على مشروعية السلطة الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، ويعكس تعقيدات الصراع المستمرة بين أهداف الأمن الإسرائيلي والمطالب الوطنية الفلسطينية.

يعكس هذا القرار تحولاً دبلوماسياً مهماً في ملف غزة، لكنه لا يقدم حلاً جذرياً للصراع، إذ يضع الفلسطينيين أمام تحديات حقيقية تتعلق بالسيادة، والمقاومة، والاستقلال السياسي، بينما يثبت الدور الأميركي كلاعب أساسي يفرض أدواته وآلياته على الأرض وهي التي تحافظ على مصالح إسرائيل ولا توفر جهداً لتطبيق أهدافها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور