الإثنين 17 تشرين ثاني , 2025 03:36

هل ستحمي الجدران "إسرائيل"؟

الجدار الجديد الذي يبنيه الاحتلال على الحدود اللبنانية مع فلسطين

يواصل كيان الاحتلال العمل على سياسة بناء الجدران الحدودية كأداة أمنية واستراتيجية منذ أوائل الألفية الجديدة. حيث بدأت الفكرة في عام 2000، عندما وافق رئيس الوزراء آنذاك، إيهود باراك، على إقامة حاجز لمنع مرور المركبات، بهدف مواجهة التهديدات الأمنية من جبهات مختلفة. ومنذ عام 2010، توسعت "إسرائيل" في بناء جدران حدودية لتصبح الجدران محيطة بالكيان من كل جانب غزة، الضفة الغربية، مصر، الأردن، ولبنان. مدعية أنها تهدف إلى حماية حدودها وضمان أمنها. ومع ذلك، يبقى التساؤل مطروحاً حول مدى فعالية هذه الجدران، خصوصاً في ضوء التطورات الأخيرة على الحدود اللبنانية.

الجدار الجديد

في إطار هذا التوجه، أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخراً عن بناء جدار جديد على الحدود اللبنانية، إلى جانب الجدار الموجود مسبقاً والمصمم من الفولاذ الشائك والذي يضم مدخلات تكنولوجية متقدمة، وأجزاء منه خرسانية ويبلغ امتداده لعدة كيلومترات وبلغت تكلفته حينها 29 مليون دولار أميركي.

وأشارت قوات اليونيفيل العاملة في لبنان إلى أن وحداتها أجرَت مسحاً جغرافياً الشهر الماضي، وأكدت أن الجدار الجديد "تجاوز الخط الأزرق"، مما جعل أكثر من 4,000 متر مربع من الأراضي اللبنانية خارج متناول الشعب اللبناني. ووفقاً للملاحظات الأخيرة، واصلت "إسرائيل" بناء أجزاء إضافية من الجدار في منطقة جنوب شرق بلدة يارون، متجاوزة الحدود المعترف بها دولياً.

على الرغم من أن التوسع الإسرائيلي على الحدود اللبنانية أثار قلق لبنان رسمياً، فإن الجهود الدبلوماسية لم تحقق أي نتائج فورية. فقد طلب الرئيس عون من وزير الخارجية تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد بناء الجدار الجديد وتجاوزاته على الأراضي اللبنانية، معتبراً أن هذه الأعمال تمثل انتهاكاً للسيادة اللبنانية وللقانون الدولي.

إلا أن "إسرائيل" واصلت البناء بشكل متسارع، متجاوزة الخط الأزرق ومعه القانون الدولي. ويظهر هذا الواقع محدودية تأثير القرارات الدبلوماسية الدولية أو الشكاوى الرسمية في منع الاحتلال من الاستمرار في تنفيذ مشاريع التوسعية على أراضي الدول المحيطة، حتى لو كانت مخالفة للقانون الدولي.

وتقدم "إسرائيل" الجدار دائماً كأداة دفاعية، يهدف إلى منع تسلل المقاومين ومنع الهجمات على الكيان. خصوصاً في مواجهة "تهديدات" عمليات المقاومين الفلسطينيين الفدائية.

لكن الواقع يشير إلى أن لهذه الجدران أبعاداً أوسع من مجرد الحماية الأمنية. فالجدار الجديد على الحدود اللبنانية يُظهر تكراراً لسياسة سبق تنفيذها في الضفة الغربية، حيث تم قضم حوالي 39% من مساحة الأراضي البالغ 5,876 كم² لبناء الجدار. هذا يعكس أن الجدار ليس فقط "خط دفاع"، بل أداة لتوسيع النفوذ والسيطرة على الأراضي، وفرض واقع جغرافي جديد لصالح كيان الاحتلال.

فعالية الجدران في الحماية

أظهرت الآونة الأخيرة محدودية فعالية الجدران الإسرائيلية. ففي الضفة الغربية، على الرغم من الجدار الشائك والخرساني المزود بأحدث التقنيات، فإنه معرض للخرق في أي لحظة من قبل العمليات المقاومة. وهذا ما أثبته جدار غزة بالتجربة خلال "عملية طوفان الأقصى" في أكتوبر عام 2023، حيث تمكن المقاومون الفلسطينيون من اختراق الجدار والدخول إلى الأراضي المحتلة وتنفيذ عملية الأسر رغم التحصين الكبير.

كما أن الجدار الذي يفصل الحدود الأردنية عن "إسرائيل" لم يمنع العمليات ضد جنود الاحتلال. فبين الفينة والأخرى، يتمكن المقاومون من الدخول عبر الأردن كما جرى في عملية معبر الكرامة التي نفذها الجندي الأردني المتقاعد ماهر الجازي. ما يثبت أن الجدار ليس مانعاً حقيقياً لأي عمل عسكري مقاوم، وأن الاعتماد عليه "كخط دفاع" أشبه بالوهم.

الجدران الإسرائيلية قد تمنح بعض الإسرائيليين شعوراً نسبياً "بالأمان"، لكن في الوقت نفسه، يخلق الجدار شعوراً دائماً بالحصار والتهديد، لأنه يمكن اختراقه كما حصل في عدة عمليات سابقة. لذلك، الجدار لا يوفر حماية كاملة، ويجعل المجتمع الإسرائيلي يعيش في حالة توتر مستمرة رغم وجوده.

وهذا ما يدل عليه ارتفاع أعداد المهاجرين من الكيان خلال العامين الماضيين بسبب عدم الشعور بالأمان وعدم الرضا عن الوضع الداخلي. حيث بلغ عدد المغادرين بحسب صحيفة "ذي ماركر" نحو 56 ألف شخص حتى أيلول/ سبتمبر 2025، معظمهم من المثقفين والفئة العمرية بين 25 و44 عاماً -أي الفئة الشابة-، وهي الشريحة الأكثر تأثيراً في الاقتصاد والأمن والتكنولوجيا. هذا الارتفاع الكبير، خاصة بعد مغادرة الأوكرانيين الذين قدموا للكيان بعد الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، يظهر أن كل الإجراءات الأمنية لا تخلق شعوراً بالأمان لدى المستوطنين، وأن المجتمع الإسرائيلي يعاني من ضغوط كبيرة تجعل جزءاً كبيراً منه يفضل الهجرة على البقاء في ظل التوتر المستمر.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور