تحت شعار العمل الإنساني، جرى إطلاق ما سُمّي بـ "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، غير أنّ المعطيات تكشف أنّ هذا الكيان لم يكن مبادرة إغاثية حقيقية، بل أداة سياسية – عسكرية وُلدت من رحم التنسيق الأميركي – الإسرائيلي. فمنذ البداية، لم يكن الهدف إنقاذ سكان غزة من الجوع والموت، بل استخدام الغذاء كسلاح للضغط والتطويع، وتحويل نقاط المساعدات إلى ساحات قتل جماعي. هكذا انكشف وجه آخر للحرب على غزة، حيث يُوظَّف العمل الإنساني نفسه كفخ قاتل، يدمج بين البعد العسكري والإستراتيجي، ويعيد صياغة مستقبل القطاع على مقاس الرؤية الإسرائيلية.
تشير الدراسة المرفقة أدناه، إلى أنّ مؤسسة غزة الإنسانية لم تأتِ استجابةً لنداء إنساني، بل كانت مشروعًا أميركيًا – إسرائيليًا مشتركًا صُمِّم على طاولة مكتب نتنياهو. فقد اقتصرت على أربعة مواقع توزيع في جنوب ووسط القطاع، محروسة بمرتزقة أمنيين أميركيين وجنود إسرائيليين، ما جعلها بديلًا قسريًا عن قنوات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة. هذه المواقع لم تتحول إلى مراكز إنقاذ، بل إلى مصائد موت حيث سقط مئات الفلسطينيين برصاص القنّاصة أثناء محاولتهم الوصول إلى الطعام.
تورد الدراسة شهادات صادمة لأطباء دوليين، بينهم جراحون من جامعة أكسفورد، أكدوا أنّ المدنيين – وغالبيتهم أطفال ومراهقون – استُهدفوا عمدًا في الرأس والأرجل والأعضاء الحساسة. بل إن تقارير إسرائيلية كـ"هآرتس" وصفت بعض هذه النقاط بأنها "ساحات قتل"، في وقتٍ كان فيه سكان القطاع يواجهون مستويات كارثية من الجوع، وفق تحذيرات برنامج الغذاء العالمي.
لم يقتصر الأمر على الجانب الأمني والعسكري، بل امتد إلى شركات استشارية دولية مثل "BCG"، التي ساعدت في وضع نموذج مالي لإعادة إعمار غزة، تضمن سيناريوهات لـ"النقل الطوعي" لعشرات آلاف الفلسطينيين بتمويل مليارات الدولارات. هذه الخطط لم تكن بريئة، بل جزء من رؤية أشمل تسعى لإفراغ غزة من سكانها، وتحويلها – كما اقترح ترامب – إلى "ريفيرا الشرق الأوسط".
تُبرز الدراسة أيضًا كيف وظّفت إسرائيل هذه المؤسسة لإضعاف وكالة الأونروا والحد من دورها، بما يمهّد لإلغائها نهائيًا. كما توضح أنّ المشروع جاء متزامنًا مع محاولات تكثيف الحصار وتجويع السكان، بهدف حشرهم في مناطق ضيقة جنوب القطاع، تمهيدًا لدفعهم نحو الهجرة.
ورغم حجم الكارثة، استمرت حكومة نتنياهو في الإنكار، واعتبرت أنّ الحديث عن مجاعة "أكاذيب" و"حملة معادية للسامية". لكن شهادات الجنود الإسرائيليين أنفسهم، وتقارير صحف دولية كبريطانيا وأميركا، أكدت أنّ ما جرى هو استخدام متعمّد للغذاء كسلاح وانتهاك صارخ للقانون الدولي.
في الخلاصة، تكشف الدراسة أنّ "مؤسسة غزة الإنسانية" لم تكن سوى غطاء إنساني زائف لمشروع سياسي – عسكري هدفه السيطرة على المساعدات وتحويلها إلى أداة حرب وتهجير. إنها حلقة جديدة في استراتيجية إسرائيل القائمة على التجويع والإبادة الصامتة، ومحاولة لإعادة صياغة غزة بما يخدم مشروعها الاستيطاني. وبذلك، يظهر أن المساعدات لم تُقدَّم لإنقاذ الفلسطينيين، بل لاستدراجهم إلى فخ الموت، أو دفعهم إلى الهجرة بعيدًا عن أرضهم.
لتحميل الدراسة من هنا
المصدر: معهد الدراسات الدولية-بيروت
الكاتب: إشراف د.محمد علي فقيه