الأربعاء 27 آب , 2025 02:47

عقيدة الضاحية والصدمة والفوضى: أدوات الاستعمار الإسرائيلي في إبادة الوجود الفلسطيني

سكان من قطاع غزة

لم تكن نكبة فلسطين حدثاً عابراً في تاريخ المنطقة، بل محطة تأسيسية لمشروع استعماري استيطاني ما زال يمدّ جذوره حتى اليوم. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، ارتكزت الحركة الصهيونية على فكرة إلغاء الشعب الفلسطيني من معادلة الأرض والتاريخ، عبر التهجير والتطهير العرقي والمجازر، وصولاً إلى أنماط أكثر حدّة من الإبادة والتدمير الشامل. وقد تكرّست هذه السياسات بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين تحوّلت الحرب على غزة والضفة الغربية إلى مشهد مكثّف للعنف الاستعماري، كشف عن الوجه الأكثر توحشاً للمشروع الصهيوني. إن ما يجري اليوم ليس مجرد صراع عسكري، بل حلقة جديدة في مسار ممتد يسعى إلى إعادة تشكيل الواقع الفلسطيني، عبر محو الوجود الإنساني والجغرافي، وإخضاع ما تبقى منه لعقيدة الصدمة والردع والفوضى. بهذه الرؤية، تأتي هذه الدراسة لتفكك بنية هذا النهج التدميري، وتستعرض أبعاده التاريخية والفكرية والسياسية، باعتباره مشروعاً استعمارياً ممتداً يستهدف الأرض والإنسان معاً.

تتناول هذه الدراسة التي أعدّها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تحليلاً معمّقاً للنهج التدميري الذي اعتمده المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، مع تركيز خاص على ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. تنطلق الدراسة من مقاربة نظرية تستند إلى نماذج الاستعمار الاستيطاني وعقيدة "الصدمة والترهيب" واستراتيجية "الضاحية"، لتفكيك أدوات الإبادة والمحو وإعادة هندسة علاقة المستعمِر بالمستعمَر. ومن خلال هذا الإطار، تكشف الدراسة عن طبيعة السياسات الصهيونية القائمة على التدمير الممنهج، وتجلياتها في قطاع غزة والضفة الغربية، بوصفها امتداداً لمسار طويل من الإبادة والتطهير العرقي، وصولاً إلى محاولة فرض واقع جديد على الأرض عبر العنف الشامل والفوضى المنظمة.

تستعرض الدراسة جذور المشروع الصهيوني منذ نشأته، حيث ارتبط وجوده بالعنف المنهجي والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني منذ ما قبل النكبة عام 1948. وتؤكد أن هدف هذا المشروع ظلّ ثابتاً: إزالة الفلسطينيين من وطنهم أو محوهم بوسائل متعددة، بدءاً بالمجازر والترويع، مروراً بسياسات الترحيل القسري، وصولاً إلى الحروب التدميرية المعاصرة.

بعد السابع من أكتوبر 2023، تكثّف هذا النهج بصورة غير مسبوقة، إذ اعتبرت القيادة الإسرائيلية الهجوم الفلسطيني تهديداً وجودياً، فانطلقت أوسع حملات القصف والدمار في تاريخ غزة والضفة. اعتمدت هذه الحملة على عقيدة "الضاحية" التي تقوم على التدمير الشامل للبنية التحتية والمدنية بهدف الردع، وعلى "عقيدة الصدمة" التي تسعى إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني وتحويله إلى صفحة بيضاء قابلة لإعادة التشكيل.

ترصد الدراسة مظاهر هذه السياسات في الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وما رافقها من قتل وتهجير وتجويع، وتدمير ممنهج للمستشفيات والمدارس والمساكن، ما أسفر عن كارثة إنسانية غير مسبوقة. كما تسلط الضوء على الانتهاكات في الضفة الغربية، حيث ترافقت عمليات الهدم والطرد الجماعي مع محاولات لإعادة هندسة الواقع الديمغرافي.

وتناقش الدراسة البعد العقائدي لهذه السياسات، بدءاً من "الجدار الحديدي" و"كيّ الوعي"، وصولاً إلى تبنّي منطق الإماتة والتجويع كسلاح حرب. كما تكشف عن استراتيجيات إسرائيل في إنتاج الفوضى داخل غزة، عبر السماح للعصابات المنظمة بالنشاط، بهدف إضعاف النسيج الاجتماعي وتهيئة البيئة لبدائل سياسية وأمنية تناسبها.

في الختام، توضح الدراسة أن ما يجري ليس مجرد حرب عسكرية، بل عملية استعمارية متكاملة تسعى إلى محو الوجود الفلسطيني أو إخضاعه، عبر المزج بين التدمير المادي والكارثة الإنسانية والهندسة الاجتماعية. وتخلص إلى أن المشروع الصهيوني يواصل تكثيف مساره التدميري كجزء من بنية استعمارية ممتدة، تستهدف الأرض والإنسان والهوية الفلسطينية على حد سواء.

لتحميل الدراسة من هنا


المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

الكاتب: د. هاني طالب




روزنامة المحور