الجمعة 03 حزيران , 2022 05:55

"ما وراء الأفق": هزيمة، وربما زوال الكيان المؤقت أيضاً

من المناورة

انتهى تمرين "ما وراء الأفق" بالأمس الخميس، الذي أجراه جيش الاحتلال الإسرائيلي في قبرص، بمشاركة وحدات برية وجوية وبحرية نخبوية، لفحص جاهزيتها للمعركة المقبلة، من حيث المدة والحجم، ولكي تحاكي سيناريوهات مختلفة لضرب أهداف حيوية، والتعامل مع تحديات مرتقبة في أرض المعركة، التي تكون في عمق أراضي "أعداء الكيان المؤقت"، أي محور المقاومة بكل ساحاته. وقد تخصص التمرين على تنفيذ تدريبات على الغارات في عمق أراضي حزب الله في لبنان، بالتعاون مع "الحرس الوطني المحلي" والجيش اليوناني (اللذين لعبا دور حزب الله).

وتعد هذه المناورة الأولى من نوعها، باعتراف قادة جيش الاحتلال، وأولهم قائد التمرين وفرقة تشكيل النار العقيد "عوفر وينتر". وكان من المفترض لهذا التمرين أن يتم، خلال العام الماضي، لكن معركة سيف القدس التي انطلقت وقتها (التي يسميها كيان الاحتلال "حارس الأسوار")، دفعت برئيس الأركان اللواء الجنرال "أفيف كوخافي" إلى تأجيله الى وقت لاحق.

أبرز ما كشف عن أجواء هذه المناورة

تدرب جنود كتائب المظليين والمغاوير النظاميين، من وحدات "ياهلوم" و"عوكتس"، وقوات الاحتياط، بالتعاون مع القوات الجوية والبحرية، على الاشتباك مع مقاتلي المقاومة الإسلامية - حزب الله في جنوب لبنان، وتوجيه ضربة لهم في أعماق ما يشبه المنطقة الخاضعة لسيطرتهم. بحيث قال ضابط مظلي كبير شارك في التمرين لـ موقع ماكو الإسرائيلي، أن "الحرب القادمة في الشمال سنخوضها في أراضي حزب الله، وسنصل إلى هناك من كل الأبعاد الممكنة، وليس لديهم القدرة على إيقاف مثل هذا الشيء". مضيفاً بأن "حزب الله اليوم، لديه القدرة على إطلاق حوالي 1000 صاروخ في اليوم، ولا سبيل لإيقافه دون دخول القوات وتدمير منصات الإطلاق". موضحاً بأن أي نوع من الاشتباك المتقبلي مع الحزب، من الضروري على الجيش الإسرائيلي اتخاذ قرار، بأنه قد "ولت أيام الانتصار، ولن نصل إلى إخضاع للعدو إلا من خلال دخول بري لكتائب ثقيلة في عمق الأراضي اللبنانية، وتنفيذ أقصى درجات التدمير والخروج من هناك، صحيح لا يمكن محو حزب الله، وهذا واضح". مبيناً بأنه على الرغم من استحالة محو الحزب، فإن "التقييم الذي تم عرضه على المستوى السياسي هو أن توجيه ضربة قاسية للخصم، بما في ذلك البنية التحتية في لبنان، سيؤدي إلى سنوات من الهدوء، إلى أن يضطر في المرة القادمة إلى خوض الحرب في لبنان.

وبالعودة الى تفاصيل التمرين، فقد تدربت الفرق الثقيلة المؤلفة من ألوية قتالية على محاكاة الدخول الى الأراضي اللبنانية، لتدمير ما يسمونها بالمحميات الطبيعية التابعة لحزب الله (القواعد) ومواقع الإطلاق الصواريخ، وكذلك الخاصة بقوات الرضوان النخبوية. وحول هذا السيناريو المفترض، أضاف الضابط المظلي الإسرائيلي "لن ندخل في خطط عملياتية، لكن تخيل أنك مقاتل من حزب الله تقاتل في جنوب لبنان، وفجأة أصبحت فرقة كاملة وقوات خاصة للعدو في خطوطك الخلفية، مثل هذه الخطوة ستقطع سلسلة إمداد حزب الله، وتدمر مواقع الإطلاق، حتى قبل وصول بقية الجيش، وهناك بعض الأشياء الأخرى التي تخلقها، لكن في رأيي، لا يقل أهمية أن تخلق مثل هذه الخطوة الخوف لديهم وتثبط عزيمتهم". وذكّر مراسل موقع ماكو الضابط، بما حصل خلال حرب تموز للعام 2006، حينما نقل جيش الاحتلال لواء كاملاً عبر الجو، من خلال المروحيات، كجزء من عملية" تغيير الاتجاه". والتي أوقفت بعدما أسقط حزب الله طائرة هليكوبتر (من نوع يسعور)، وقتل خلالها 5 من أفراد الطاقم. سائلاً إياه حول إن كان هذا السيناريو سيتكرر، فأجاب الضابط بأن "الحرب ليست لعبة عقيمة، فالمروحيات وربما حتى الطائرات ستسقط، سيقتل الجنود، هذا شيء يجب فهمه وقوله، على الرغم من الخسائر التي ستكون وستكون، ليس لدى حزب الله القدرة على وقف تحرك الجيش، يحتاج المواطنون في "إسرائيل" (المستوطنون)، إلى فهم أن القتل ليس فشلًا في العمل، والقتلى والجرحى جزء منه". نافياً أن ما يتحدث عنه من عمليات، هو شبيه بعمليات الإنزال التي حصلت خلال الحرب العالمية الثانية، بل هي نظرية قتالية شديدة التنظيم لتنفيذ مثل هذه الخطوة، والتي تم التدرب عليها سابقاً، لكن في قبرص يمكن فحصها كمنطقة غير مألوفة، وهي مشابهة جدًا لما سيواجهونه في لبنان.

وكجزء من التدريبات المكثفة للتمرين أيضاً، أغارت المقاتلات الإسرائيلية على مركبة إنزال تابعة للبحرية اليونانية قبالة سواحل قبرص، ووصل جنود آخرون بطائرة هليكوبتر، وجاءت هذه الغارات بعد ورود معلومات استخبارية، وبعد وصول وحدات خاصة إلى مناطق الإنزال، تم تأمينها ونقل القوات من خلالها إلى أهدافها. ثم داهمت القوة محيط مدينة "بافوس" القبرصية، التي بحسب صور الأقمار الإصطناعية، تشبه الى حد كبير الطبيعة الطبوغرافية للبنان إنطلاقاً من الجنوب ووصولاً حتى البقاع الغربي. فمن اللافت جداً أن في هذه المنطقة أيضاً، بحيرة تشبه إلى حد بعيد بحيرة القرعون، ومن ثم مناطق جبلية تنخفض تدريجياً وليس بمسافة كبيرة الى منطقة سكنية ساحلية، تشبه أغلب المناطق السكنية الساحلية في لبنان كصور وصيدا وحتى بيروت. وقامت الوحدات الإسرائيلية بعدها، باحتلال المنطقة (افتراضيا)، وتدمير الأهداف الموضوعة فيها من راجمات صواريخ وأنفاق ومقرات تحت الأرض وأهداف أخرى. وبالتزامن مع عمليات الفرقة البرية، قامت طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي، بالتدرب على تقديم الدعم الجوي لهذه الفرقة.

لماذا في قبرص؟

وحول سؤال الضابط المظلي، عن الهدف من إجراء هذا التمرين في قبرص، وليس في قواعد الاحتلال كـ "تسئليم" و"الياكيم". أجاب بأن الهدف من ذلك هو لأنها منطقة كبيرة وغير مألوفة، بعكس مناطق التدريب في فلسطين المحتلة، التي يعرفها المقاتلون والقادة بشكل جيد، وهم على دراية بطرق ومساراتها عن ظهر قلب، وأين توجد الأهداف وأين يوجد العدو. لكنهم في قبرص يبحرون فجأة في منطقة غير مألوفة، وكل شيء جديد عليهم، التل والوادي والأحراش والمخابئ. والتدريبات كانت مكثفة بشكل أكبر، وبالتالي فإن المعلومات المجهولة والناقصة التي تتعلق بمعرفة المنطقة، سترفع مستوى الصعوبة والتوتر لدى الجنود، ما يحاكي بشكل كبير الحرب القادمة التي سيخوضونها.

وشاركت أطقم المروحيات أيضاً في هذه التمارين، وقد عبر أحد الطيارين فيها، بأن الأراضي القبرصية قدمت لهم فرصة للتدريب في منطقة شبيهة جداً بالأراضي اللبنانية. كما جرى تدريبهم على كيفية التعامل مع أنظمة الدفاع الجوي التي نشرها الحرس الوطني لقبرص واليونان. وبالإضافة إلى ذلك، تم تسليمهم بعض المهام لكي يقوموا بإنجازها في وقت قصير جدًا، كما جرى تدريبهم على تغيير المهام أثناء الطيران.

كما جرى تدريب سرب الطائرات الحربية، على مجموعة متنوعة من المهام التي تحاكي ظروف الحرب، مثل إنقاذ طيار تم إسقاط طائرته (هذا يشير إلى اعتراف إسرائيلي إلا أن تقديراته بأن الحرب المقبلة سيسقط لهم فيها طائرات)، وتنفيذ مهام استهداف للأهداف الأرضية، وتقديم الدعم الجوي والاستخبارات.

إخفاق

وفي إخفاق بارز تم خلال المناورة، كشفت صحيفة إسرائيل اليوم، أن طائرات هرقل التابعة لسلاح الجو، قد أنزلت جيبات الهامر الخاصة بمقاتلي لواء الكوماندوس على الأرض في المكان المحدد لها، لكن المعدات التكتيكية التي يحتاجها المقاتلون للتدريب، قد هبطت على بعد أكثر من كيلومتر من الموقع المخطط له. وهذا ما يعدّ إخفاقاً كبيراً إذا ما حصل خلال أي معركة أو مواجهة، بحيث قد تقع هذه المعدات والتي تكون عبارة عن ذخائر وأسلحة وعبوّات، في يد "العدو" وعندها لن تستطيع هذا اللواء تنفيذ مهامه بالشكل المطلوب، بل ويمكن أن يُحاصر ويُأسر أيضاً حينها.

ومن ناحية أخرى، فإن هذا التمرين لم يواجه في محاكاته عدواً افتراضياً، يماثل بقدراته حزب الله الذي يمتلك أكثر من 100 ألف مقاتل، مجهزين ومحضرين ومعبئين. فالجيش اليوناني والحرس الوطني القبرصي، لم يخوضا في السنوات القليلة الماضية أي مواجهة عسكرية حقيقية، كالتي واجهها مجاهدو حزب الله لا سيما في سوريا، كما لا يتقنوا القبرصيين تكتيكات مشابهة لتكتيكاتهم القتالية. وبالتالي، فإن من المتوقع بل والمتيقن، خصوصاً بعد القليل من القدرات والإمكانيات الذي تكشفه المقاومة أو الأمين العام السيد حسن نصرالله، بأن "ما وراء الأفق" الحقيقية إن حصلت، لن تكون سوى الهزيمة للكيان المؤقت، وربما زواله أيضاً. 


الكاتب: علي نور الدين




روزنامة المحور