الأربعاء 27 آب , 2025 03:09

واشنطن بوست: إسرائيل وعملياتها غير المسبوقة ضد الصحفيين في غزة

صحفيو غزة ينظمون وقفة تنديداً بجرائم الاحتلال المستمرة بحق الصحفيين

وفقاً لهذا المقال الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، فإن هناك ما لا يقل عن 189 صحفياً فلسطينياً شهيداً "برصاص إسرائيل في غزة"، وفق إحصاء لجنة حماية الصحفيين. وأضاف هذا المقال بأن هذا الرقم يتجاوز بكثير حصيلة عشرين عاماً من الحرب في أفغانستان، وعقد من الحرب في أوكرانيا، وحروب فيتنام وكوريا. مشدّداً على أن السعي وراء أي شكل من أشكال المحاسبة على استشهاد الصحفيين الفلسطينيين يبدو مهمة شبه مستحيلة. مستعرضاً ما أظهره استطلاع حديث في الكيان بأن 76% من المستوطنين الإسرائيليين يوافقون بدرجات متفاوتة على مقولة: "لا يوجد أبرياء في غزة"!

النص المترجم:

أكبر مجزرة بحق الصحفيين في الذاكرة الحديثة وقعت قبل أكثر من عقد ونصف. نحو 100 مسلح تابعين لعشيرة سياسية نافذة في محافظة ماجينداناو جنوب الفلبين نصبوا كميناً وقتلوا 58 شخصاً من موكب كان متجهاً لتسجيل ترشيح أحد المعارضين في الانتخابات المقبلة. من بين القتلى 32 صحفياً أو عاملاً إعلامياً تمت دعوتهم لتغطية الرحلة، على افتراض أن وجودهم سيمنح القافلة قدراً من الحماية. لكن بعد ثلاثة أيام وُجدت جثثهم المثقوبة بالرصاص مدفونة في حفرة بعدما ألقى بها الجناة.

حادثة تشرين الثاني / نوفمبر 2009 كانت أسوأ عمل عنف انتخابي في تاريخ الفلبين، وأكبر هجوم مسجل ضد الصحفيين في العالم. استحوذت على العناوين العالمية وأثارت ردود فعل سياسية في بلد تحكمه شبكات ولاء شبه إقطاعية ويعاني من عنف خارج عن القانون. لكن العدالة لم تتحقق سريعاً؛ إذ استمر مسار قضائي معقد لسنوات، وقُتل شهود رئيسيون على يد مسلحين مجهولين، فيما حاول سياسيون بارزون التشكيك في دوافع الصحفيين القتلى. وأخيراً، في عام 2019، أصدر قاضٍ في مانيلا أحكاماً بالسجن المؤبد على بعض أفراد العائلة النافذة وراء المجزرة وعلى كثير من شركائهم.

بالنسبة للمراقبين، فإن هذا التأخير عزز مناخ الإفلات من العقاب. وأشارت منظمة "مراسلون بلا حدود" العام الماضي إلى أن "الفشل الطويل في تحقيق العدالة يبرز عجز السلطات عن كبح العنف ضد الصحفيين". وأضافت: "منذ مجزرة تشرين الثاني / نوفمبر 2009 قُتل 43 صحفياً إضافياً في الفلبين، ما يجعلها أخطر دولة على الصحفيين في منطقة آسيا-المحيط الهادئ".

من المفيد النظر إلى ما جرى في ماجينداناو في سياق ما يتكشف في قطاع غزة. فمنذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، بعد هجوم حماس على جنوب إسرائيل وأسر مئات الرهائن، قُتل ما لا يقل عن 189 صحفياً فلسطينياً "برصاص إسرائيل في غزة"، وفق إحصاء لجنة حماية الصحفيين. هذا الرقم يتجاوز بكثير حصيلة عشرين عاماً من الحرب في أفغانستان، وعقد من الحرب في أوكرانيا، وحروب فيتنام وكوريا.

إذا كان السعي وراء العدالة في ماجينداناو صعباً وطويلاً، فإن محاولة إيجاد أي محاسبة على مقتل الصحفيين الفلسطينيين ستكون أصعب بكثير. فلا توجد حتى الآن أي إدانات في قضية اغتيال الصحفية الفلسطينية-الأميركية شيرين أبو عاقلة عام 2022، رغم أن عدة تحقيقات أكدت أنها قُتلت برصاص قناص إسرائيلي أثناء تغطيتها لاشتباكات في الضفة الغربية.

في غزة، تلقي إسرائيل باللوم في أي سقوط للمدنيين على حماس لعملها في مناطق مأهولة، كما تتهم بعض الصحفيين بأنهم امتداد للحركة، وبالتالي أهداف مشروعة.

ومع منع وسائل الإعلام الدولية من دخول غزة أو التغطية منها بحرية، تحمل الصحفيون المحليون وحدهم عبء تغطية الحرب – ودفعوا ثمناً باهظاً. آخر الأمثلة كان يوم الاثنين، حين قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 20 شخصاً، بينهم خمسة صحفيين، باستهدافه مستشفى ناصر جنوب القطاع، عبر غارة أولى بعيد العاشرة صباحاً ثم أخرى ثانية فيما يُعرف بـ"الضربة المزدوجة" حين تجمع الصحفيون والمسعفون في المكان. وقد بُثت الهجمة مباشرة على الهواء، ما صعّب على السلطات الإسرائيلية إنكارها. من بين القتلى مريم دقّة، الصحفية المستقلة مع وكالة أسوشييتد برس، وحسام المصري، المصوّر المستقل مع وكالة رويترز.

زعم المسؤولون العسكريون الإسرائيليون وجود "كاميرا لحماس" وإرهابيين من الحركة في الموقع كتبرير لاختيار الهدف. لكن أمام التنديد الدولي، وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما جرى بأنه "حادث مأساوي" وقال في بيان إن إسرائيل "تقدّر عمل الصحفيين والطواقم الطبية وجميع المدنيين" ولا تريد سوى هزيمة "إرهابيي حماس".

غير أن منظمات المراقبة لم تقتنع. إذ قالت سارة قداح، مديرة قسم الشرق الأوسط في لجنة حماية الصحفيين: "عمليات القتل العلنية للصحفيين في غزة مستمرة على مرأى العالم، فيما يفشل الجميع في التحرك الحازم تجاه أبشع الهجمات التي واجهتها الصحافة في التاريخ الحديث".

ومطلع هذا الشهر، قتلت غارة إسرائيلية مراسل الجزيرة أنس الشريف، أحد أبرز الصحفيين في الميدان، وثلاثة من طاقمه. وادعت إسرائيل أن الشريف كان يقود "خلية إرهابية تابعة لحماس" – وهي تهم رفضتها الجزيرة وأصدقاؤه وأسرته وخبراء الأمم المتحدة. ولم تقدم إسرائيل أي دليل يثبت مشاركته في أنشطة عسكرية. وكانت لجنة حماية الصحفيين قد حذرت قبل ثلاثة أسابيع من اغتياله من أن حياته في خطر وأنه قد يكون "مستهدفاً بحملة تشويه عسكرية إسرائيلية" تمهيداً لاغتياله.

وعلى الرغم من إنكار السلطات الإسرائيلية استهداف الصحفيين الفلسطينيين، فإن بعض الصحفيين والمعلقين الإسرائيليين البارزين رحبوا بهذه الاغتيالات. فقد أشاد المحلل في قناة i24 نيوز للشؤون العربية زفي يحزكيلي بخبر استهداف مستشفى ناصر قائلاً: "تخيلوا حجم الضرر الإدراكي الذي ألحقه هؤلاء الصحفيون-الإرهابيون بإسرائيل". وأضاف: "إذا قررت إسرائيل القضاء على الصحفيين، فخير أن تفعل ذلك الآن ولو متأخراً".

مثل هذا الخطاب ليس رأياً هامشياً في إسرائيل. فقد أظهر استطلاع حديث أن 76% من اليهود الإسرائيليين يوافقون بدرجات متفاوتة على المقولة: "لا يوجد أبرياء في غزة". وهو ما يعكس حجم الشك والعداء الذي يحمله الرأي العام الإسرائيلي تجاه أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، الذين تعرضت أرضهم للتدمير بفعل القصف الإسرائيلي، فيما يعيش كثير منهم تحت وطأة مجاعة أعلنتها الأمم المتحدة نتيجة الحصار المستمر منذ شهور.

ومع ذلك، فإن إدارة نتنياهو للحرب لا تحظى بشعبية، إذ يخرج عشرات الآلاف في تل أبيب في تظاهرات مستمرة يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار وتحرير الرهائن المتبقين. وكتب الصحفي عيناڤ شيف في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن مقتل الصحفيين الاثنين "يجب أن يفتح أعين الناس على أن الحرب المستمرة حفرة بلا قاع، حتى الجيش نفسه يجد صعوبة في تبرير منطقها". وأضاف: "بدلاً من إسقاط حكم حماس، ما انهار فعلياً هو شرعية الحرب (الشرعية الإنسانية، لا الدولية) كفعل دفاعي".


المصدر: واشنطن بوست - Washington post

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور