الجمعة 18 حزيران , 2021 11:25

الإخفاقات الأمريكية بعد معركة "سيف القدس"

مظاهرات داعم لفلسطين من داخل أمريكا

تتموضع القضية الفلسطينية كقضية استراتيجية في قلب الصراع مع المخطط الأمريكي في منطقة غرب آسيا. وقد عكست المعركة الأخيرة في فلسطين بمجرياتها وتطورات أحداثها ونتائجها صورة مغايرة عن المشهدية التي كان الاحتلال يسعى لفرضها على العالمين العربي والعالمي، والأهم الفلسطيني، مستعينًا بقيادات الخليج أصحاب المصالح والمطامع. وخلال 11 يومًا من المقاومة الفلسطينية تكشّف أن الصورة يشوبها الخلل وليس كما يحاول الأمريكي تقديمها كحقائق تحاول سياساته النجاح في تكريسها.

وبناءً على ما تقدم، لا بد من تحليل لتأثر مسارات الحركة الأمريكية فيما يخص الملف الفلسطيني خصوصًا بعد هزيمة عملية "حارس الأسوار" والفشل الإسرائيلي الاستراتيجي، والمسارات قيد الدراسة هي: مسار تقسيم الشعب الفلسطيني، ومسار أولوية القضية الفلسطينية، ومسار التطبيع، ومسار دمج فلسطيني 1948، ومسار حصار غزة، ومسار تفكيك الضفة والتنسيق الأمني، ومسار الفتنة السنية الشيعية. هذا الإخفاق في المسارات يُدرس عبر برامج الاحتلال في بنائه، ورؤيته لنجاح المسار، مع مدى تكاليفه والمخاطر المحيطة به أثناء عملية إنضاجه. أما حال الاستشراف فتلحظ درجة التغيير في المسار، ومدى إمكانية الترميم، والمدة المطلوبة له، إضافة إلى التكاليف المتوجبة والمخاطر المتأتية.

تحليل مسارات الإخفاق

1- مسار تقسيم الشعب الفلسطيني

أ- واقع المسار: شعب مشرذم في الخارج وفي الداخل.

- برامجه:

* تقسيم الأرض إلى قطاعات متمايزة ثقافيًا وتنمويًا وحقوقيًا.

* سلطة فلسطينية خاضعة لسقف "اتفاق السلام".

* تكريس واقع الشتات الفلسطيني.

* إشغال الفلسطينيين بالهم المعيشي والأزمات الداخلية السياسية والاقتصادية.

- رؤيته للنجاح:

* الفصل بين القطاعات بما يجعل تحرك أحدها ضعيف التهديد، وتآكله من الداخل على المدى البعيد أقوى.

* صفقات وتسويات داخلية وخارجية على حساب القضية والشعب.

- تكاليفه: منخفضة مع ضعف الإجراءات العملية المضادة سواء الفلسطينية أو العربية.

- المخاطر: معدومة تقريبًا، كرست أمريكا و"إسرائيل" انعدامها بحلقات التطبيع.

ب- استشراف مصير المسار: إسقاط وحدة الشعب الفلسطيني لاتفاقيات "السلام" المزعوم.

- درجة التغيير:

* توحد جهود الشعب الفلسطيني وتكامل فعاليات انتفاضة في غزة والقدس المحتلة والضفة، وتلاحم إمكاناته وقدراته المختلفة.

* توجيه البوصلة باتجاه القضية الفلسطينية وتفعيل الجهود الذاتية وتعزيز المقاومة على تعدد أنماطها.

- إمكانية الترميم: صعبة نتيجة يقظة الشعب الفلسطيني وتحفزه لتحقيق الشعور الهوياتي.

- المدة المطلوبة للترميم: طويل المدى بحسب التوازن بين اليمين واليسار اليهودي الذي يعقّد عمليات الدمج للفلسطينيين.

- تكاليف الترميم مرتفعة

* إعادة ترميم مساري اندماج فلسطيني الداخل والتطبيع.

*تعذّر إمكانية وأد الأمل الفلسطيني بالنصر والقدرة على الانتصار.

- مخاطر الترميم:

* إعادة تجديد مسار استثمار فاشل ومرتفع التكلفة.

* عدم وجود ضمانات وإمكانية الصدام والاحتكاك المتكرر عند الاضطرار لإعطاء اليمين اليهودي مطالبه.

2- مسار أولوية القضية الفلسطينية وحضورها على المستوى العربي والعالمي

أ- واقع المسار: تموضع القضية الفلسطينية في أسفل سلم أولويات السياسة الدولية والإقليمية.

- برامجه:

* التطبيع واتفاقات أبراهام.

* تهويد القدس، وحضار غزة والتهديد بالضم في الضفة الغربية.

* خضوع السلطة الفلسطينية وإضعافها وتجميد الصراع مع الاحتلال.

* إشغال الشعوب وتوجيههًا إعلاميًا وثقافيًا نحو قضاياها المحلية.

* التخفيض المتتابع في ميزانية الأونروا.

- رؤيته للنجاح:

* السعي للقضاء على القضية الفلسطينية وطمس هوية الصراع الأساس بين المسلمين والغرب.

* تراجع تدريجي عن القضية الفلسطينية من قبل الحكومات.

* إهمال للقضية في المحافل العالمية والدولية والأروقة السياسية وعدم اهتمام عربي شعبي ورسمي.

- تكاليفه: مسار طويل منخفض التكاليف؛ استثمر تعزيز السياسات اليمنية المتطرفة في أوروبا، والاصطفاف الجديد للحكومات العرقية القومية الداعمة للاحتلال، ودعم الجناح الجمهوري الأمريكي، وخنوع إرادات بعض الحكومات.

- المخاطر: لم يتم تقديرها جيدًا من قبل كيان الاحتلال وإدارة ترامب، لكنها كانت مخاطر مرتفعة لما خلقت من تقارب غير مسبوق بين كل الفصائل الفلسطينية.

ب- استشراف مصير المسار: عودة أولوية القضية الفلسطينية في مسرح المجتمع الدولي والإقليمي، وحضورها على المستوى الرسمي والشعبي، واستمرارية النبض والصراع.

- درجة التغيير:

* حصول تغير في المزاج العربي والعالمي، والأخطر هو المزاج الأمريكي داخل البيت الأبيض، وتبلور اتجاه أكاديمي ومدني أمريكي مناهض لسياسة خارجية حتمية لدعم كيان الاحتلال" في زيادة تعاطف الشارع الأمريكي مع الفلسطينيين.

* نشوء تحوّل في الرأي العام الأوروبي من "إسرائيل" مع قيام تظاهرات دعم كبيرة للفلسطينيين، والخوف من تفاقم الاحتجاجات وتطور الهجمات ضد الجاليات اليهودية.

* قيام احتجاجات شعبية في دول التطبيع وفي مختلف أنحاء العالم، مناهض للدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي، وتبدل في الرأي العام العالمي لصالح محور المقاومة على حساب "إسرائيل" وأمريكا ودول التطبيع.

- إمكانية الترميم:

* لم يعد بالامكان تجاهل القضية الفلسطينية مع تمسك التحركات الشعبية الأجنبية والعربية برفع العدوان عن غزة.

* الصعوبة بسبب التحولات الديمغرافية والثقافية في الغرب وتأثيرها على الرأي العام.

* تطور وسائل التواصل وتعددها لم يعد يسمح بالضبط والتحكم بالرسائل.

- المدة المطلوبة للترميم: أقله البدء لن يكون قبل فترة طويلة من الوقت، ناهيك عن إمكانية النجاح في تحقيق فعالية.

- تكاليف الترميم مرتفعة

* مرتفعة بالتدرج مع تنامي حالة الاستنهاض للشارع الفلسطيني والعربي والعالمي وإحياء وعي أصحاب القضية بإمكانية زوال الكيان والقدرة على إيصال مظلومية الشعب الفلسطيني وأحقية القضية عالميًا.

* صعوبة استخدام الأساليب الإجرامية الموسعة لإخضاع الفلسطينيين أو تدمير بنيتهم العسكرية.

- مخاطر الترميم:

* الافتقار الى الفعالية مع تغير الوضع الاسلامي تجاه النظر لأفول أمريكا ومشاريعها، والضعف البنيوي الذي يعتريها، وتنامي الوعي الذاتي وروح الاستقلال بين الشعوب.

* مواصلة المقاومة داخل وخارجها.

* الدعم العالمي للمجاهدين الفلسطينيين من الحكومات والشعوب المؤيدة للقضية.

3- مسار التطبيع

أ- واقع المسار: سلسلة من حلقات التطبيع خاضعة للإملاءات الأمريكية والقيادة الاسرائيلية.

- برامجه:

* ضغوط لبناء تحالفات إقليمية متزايدة.

* استثمارات في تأمين التفوق في القوة الاسرائيلية وكبح توازن القوى مع الخصوم.

* إحباط الآمال الفلسطينية بإمكانية التحرر المستقبلي.

- رؤيته للنجاح:

* السعي لتحقيق التطبيع الشعبي إلى جانب التطبيع الرسمي.

* عدم صدور موقف إدانة علنية من المطبعين الجدد مع كيان الاحتلال تجاه جرائمها.

* الشعور بالأمن والأمان مع الظهور بأنها عبر التطبيع تترأس تحالفًا عربيًا لمواجهة الخطر الايراني وتقوض توسعة تشكيل تحالفات إقليمية معادية في المدى المنظور.

- تكاليفه: منخفضة

- المخاطر: منخفضة، بعض الهبات الجماهرية التي لم تهدد وجود الأنظمة الحاكمة المطبعة.

ب- استشراف مصير المسار: كسر سلسلة التطبيع وسقوط صفقة القرن.

- درجة التغيير:

* تعطيل وعرقلة مفاعيل التطبيع العربي الاسرائيلي، وفشل ممارسات كي الوعي في انجاح التطبيع الشعبي الثقافي.

- إمكانية الترميم: ضعيفة؛ هناك عدة معوقات نتيجة للأسباب التالية:

* تسارع مؤشرات انحدار الكيان الاسرائيلي التي ظهرت في نتائج حارس الاسوار أبرزها فقدان قوة الردع أمام العالم العربي وانتصار حماس في معركة الوعي.

* صعوبة استعادة صورة قيادة حلف عربي ضد ايران بعد انكشاف عجزها في العدوان على غزة أو اتخاذ خطوة غزو بري لغزة..

* استعادة سيف القدس مدينة القدس المحتلة من مشروع مؤامرة "صفقة القرن"، وإلغاء مفاعيلها، ومنع استكمال تهويدها.

*اتقاد الوعي الجماهيري الرافض لتجاهل القضة الفلسطينية ومنع حقوقها، لا سيما في الأردن، وانعكاس ردود فعل الشارعين على بقية القواعد الشعبية في الدول غير المطبعة بعد.

* تداعيات تعمق الانقسامات بين دول محور التطبيع قديمها وجديدها، وتحديدًا بين مصر والامارات، على بقية دول محور التطبيع المستقبلية، نتيجة تعزيز كيان الاحتلال لعلاقاتها مع الامارات.

- المدة المطلوبة للترميم: المعركة قضت على مسار طويل من التطبيع بمختلف الأبعاد، الأمر الذي لن يكون معاودة التأثير فيه ممكنًا على المدى القريب أو المتوسط أو حتى البعيد بأولى درجاته.

- تكاليف الترميم مرتفعة

* سيتطلب الأمر ثمنًا باهظًا من أمريكا وكيان الاحتلال لنكويه أو إزالة واقع الهزيمة الإسرائيلية الاستراتيجية الذي صدّع صورة التفوق والقيادة الاسرائيلية، وتاليًا بطلان جدوى التطبيع وتأثيره في حماية الكيان المحتل، حتى في حال استمرار الدول المطبعة في مسارها.

- مخاطر الترميم:

* الاضطرار إلى مواجهة الرأي العام العربي والعالمي وتحركات الشعوب، وتكبد الحكومات خسائر سياسية باهظة.

* الخوف من تصعيد الفعاليات الشبابية والقانونية بالمقابل والنجاح في الضغط على حكوماتها بتجريم التطبيع، كما هو المسعى في تونس والكويت والعراق.

4- مسار دمج فلسطيني أراضي 48

أ- واقع المسار: توترات تاريخية بين المستوطنين والفلسطينيين لا تتجاوز حد الاضطرابات.

- برامجه:

* إعطاء هويات إسرائيلية للفلسطينيين وتسهيلات ومعاملات متبادلة.

* دمج اقتصادي

- رؤيته للنجاح: السير بمشروع تهويد القدس و "توحيدها"، وعدم انخراط الفلسطينيين بأي نشاط احتجاجي خارج أراضي 48.

- تكاليفه: محدودة، بعض البرامج والتقديمات والمشاركة في مجالس المدن المختلطة.

- المخاطر: ضعيفة، تقتصر على بعض الإشكاليات في المسجد الأقصى والمواجهات الفردية لبعض الشبان.

ب- استشراف مصير المسار: نضج وتطور مفهوم المقاومة ورفض تجزئة مصير الشعب الفلسطيني

- درجة التغيير: قوية مع انتشار المقاومة إلى المناطق المحتلة عام 1948 بعد موجات التعبئة ضد عمليات الإخلاء رفضًا لسياسات التهويد والمساس بالمقدسات والرموز الدينية.

- إمكانية الترميم: ضعيفة؛ كشف اندلاع أسوأ حوادث عنف بين اليهود والعرب منذ ثلاثينات القرن الماضي تجذر القضية في الأجيال ومستوى العداء الكامن بين الشعبين، حتى بين سكان الشارع الواحد، إضافة إلى أن فعل الطرد من الممتلكات الفلسطينية أعاد ذكرى النكبة كمسار إسرائيلي مستمر لا كذكرى تاريخية عفا عليها الزمن.

- المدة المطلوبة للترميم: عدة سنوات في حال لم تحصل أحداث تؤدي لاحتجاجات.

- تكاليف الترميم: مرتفعة بالنسبة للحكومة الجديدة، سواء لجهة تقديم تنازلات كاحتمال إلغاء قانون نتنياهو الذي يصنف العرب "مواطنين من الدرجة الثانية" أملًا في أن يخفف غضب الشارع العربي-اليهودي، أو وقف طرد الفلسطينيين من القدس المحتلة، أو على العكس لجهة التصعيد عبر اللجوء إلى استكمال سياسة القضم التدريجي.

- مخاطر الترميم:

* رفض المستوطنين لمفهوم الدمج، وعدم تقبل ذلك بعد الأحداث الأخيرة وعودة ارتفاع التوتر مع فلسطيني 48، والدخول في مشاحنات ومواجهات جديدة.

* عدم القدرة على استعادة السيطرة على فلسطيني 48، وقيام الشباب الفلسطيني بعمليات سرية ضد المستوطنين، لا سيما اليهود المتطرفين.

* انقسام المجتمع الاسرائيلي واحتدام صراع الاحزاب اليمينية فيما بينها وبين أحزاب الوسط واليسار حول مستقبل الحياة في المدن المختلطة مثل يافا واللد وعكا، ومدى إمكانية تحمل الشارع الاسرائيلي الخسائر المادية والبشرية في حال عودة المواجهات والبقاء في الكيان.

* نشوء معادلة سيف القدس وإمكانية تطورها التفاعلي مع احتجاجات فلسطينيي 1948 تضامنًا مع أهالي القدس المحتلة.

5- مسار حصار غزة

أ- واقع المسار: تقويض أشكال المقاومة ومواقفها اجتماعيًا وسياسيًا تحت وطأة الحصار مقابل الغذاء..

- برامجه: حصار بري وبحري وسياسي إسرائيلي مدعوم مصريًا وفلسطينيًا من جانب السلطة على الصعيد الاقتصادي والسياسي.

- رؤيته للنجاح:

* غزة وإن تمتلك قابلية للانفجار إلا أنها الأقل تهديدًا للأمن الإسرائيلي ومقدورًا عليها.

* حصار إسرائيلي مدعوم من الجار المصري الملتزم بالتضييق، ومن السلطة الفلسطينية المتواطئة في السعي لتقويض سلطة حماس في المجلس النيابي المقبل.

* تهدئة غزة مقابل السماح بتمرير الأموال القطرية وتحسين الوضع الاقتصادي.

- تكاليفه: محدودة ومنخفضة، لا سيما مع انحصار تهديدها جغرافيًا ضمن نطاق غزة.

- المخاطر: مقبولة مع التعاون المصري والمال القطري الداعم للتهدئة وعدم نشوب مواجهات وسياسة فصل الشعب الفلسطيني وتقسيمه داخل الكيان.

ب- استشراف مصير المسار: المقاومة أقوى سياسيًا وعسكريًا وشعبيًا

- درجة التغيير:

* على الصعيد السياسي، لا يزال التحول في المسار ضعيفًا مع بقاء موقف الجانب المصري المعطل لانطلق بعض أدوات الدعم في اليوم التالي لوقف إطلاق النار من قوافل مساعدات ووفود شعبية وحزبية على غرار ما حصل في 2912، مع وجود تحفظات مصرية على إعادة الاعمار باتجاه ضخ الأموال عبر قنوات رسمية.

* على صعيد المسار العسكري، أظهر الوضع الجديد فشل الحصار في خنق تنامي القدرات الصاروخية أو تصاعد التهديدات التي كبحت تأثير القوة الاحتلال الجوية وحالت دون اتخاذ الاحتلال خيار الهجوم البري.

* تحكم قيادة المقاومة الفلسطينية بنقطة بداية الحرب ونهايتها، وارتباط سلاح غزة وإمكانية تفعيله بالقدس المحتلة وقضاياها.

* ارتفاع تأييد نسبة أهل غزة للإجراءات العسكرية للمقاومة عما كانت في المواجهات السابقة.

- إمكانية الترميم: ضعيفة؛ بعد تموضع القطاع الإقليمي بعد المعركة وارتفاع معنويات الجمهور تأييدًا للمواجهة في القطاع على المستوى الشعبي والحزبي، وظهور جهوزية الساحة الشمالية للتحرك في ظروف مناسبة.

- المدة المطلوبة للترميم: عام على أقل تقدير في حال وجود سياسات مجدية في نظرة واقعية.

- تكاليف الترميم:

* سياسيًا على مستوى العلاقات الخارجية منخفضة، في ظل التحكم بقنوات المال القطري عبر السلطة الفلسطينية، وليس مباشرة إلى غزة، واستثمار القنوات الأمريكية المصرية الرسمية وإعادة فتح العلاقات المباشرة مع البيت الأبيض، مع ضغط مصري على قطر لمجاراتها في رؤيتها للتعامل مع الملف الفلسطيني، أما على المستوى الداخلي فالتكلفة مرتفعة وكذلك المخاطر، قد يكون الهدف استدراج حماس إلى الجانب السياسي على حساب العسكري عبر المطالبة بتقديم تنازلات مقابل تسويات باستثمار إعادة إعمار غزة أو تسهيل عودة انخراط حماس بقوة في البرلمان المقبل، أو تحصيل اعتراف دولي بحماس وقيادتها الانتخابات المقبلة أو توفير رفعها من "قوائم الإرهاب"، أو أقله بيئة تمكن الحركة من الانخراط في المجتمع الدولي على المدى الطويل.

* أما عسكريًا وأمنيًا، فالتكلفة مرتفعة لأن المطلوب إعادة ترميم صورة القبة الحديدية عسكريًا واستعادة تفعيل السلاح على المستوى السياسي، وقد ترتأي قيادة الاحتلال القيام بعملية عسكرية برية محدودة وخاطفة تحاول من خلالها كسر صورة الذعر الإسرائيلي من المناورة البرية وتأمن فيها مخاطرة الاستدراج إلى حرب، لكن كل ذلك سيصطدم بواقع الاضطرار إلى إعادة الحسابات بعد نتائج المعركة الأخيرة وتبلور معالم تلاحم الجبهات الفلسطينية وجهوزية جبهات المحور لتطوير معادلة القدس-فلسطين إلى معادلة القدس-الإقليم.

* اللجوء إلى تصفية حسابات مع أهالي غزة بما قد يؤدي إلى استئناف القتال وفقًا لإعلام الاحتلال.

- مخاطر الترميم: الدخول في مغامرة عسكرية جديدة فاشلة نتيجة ارتفاع مستوى تهديد غزة في سلم تهديدات الأمن الإسرائيلي والتدحرج لمواجهة جبهة جديدة بناء على تلاحم الجبهات.

6- مسار تفكيك الضفة والتنسيق الأمني

أ- واقع المسار: نطاق معزول بمخاطر وتكلفة منخفضة.

- برامجه:

* زرع قوات أمنية سرية وخاصة، "مستعربين" بين الفلسطينيين، للقضاء على أي بوادر انتفاضة، والقيام بمهام تخريبية.

* مداهمات واقتحامات واعتقالات أمنية وتوسعة استيطانية وجدار عزل وفصل عن غزة.

* تعاون أمني بين كيان الاحتلال والسلطة الفلسطينية.

- رؤيته للنجاح:

* سلطة ضعيفة وتابعة، موافقة على مسار سياسي قوامه "حل الدولتين"، وشعب مغلوب ومعزول لا يشكل تهديدًا يعتد به.

* التنسيق الأمني للأجهزة الأمنية الفلسطينية لجهة القيام باعتقالات والسيطرة على الأرض.

- تكاليفه: منخفضة

- المخاطر: منخفضة

ب- استشراف مصير المسار: فشل سياسة الفصل الإسرائيلية بين قطاعي غزة والضفة وترسيخ المقاومة معادلة ارتباط قد يشكل عبئًا مستقبليًا.

- درجة التغيير:

* دخول سكان الضفة الانتفاضة بأدواتهم وإمكانياتهم المتوفرة.

* المقاومة خارج إطار المقاومة الشعبية السلمية التي يتبناها عباس لفظيًا.

* استشعار أهل الضفة القوة بعد مواجهات غزة واستعادة الوعي بأهمية الدور النضالي مقابل ضعف سياسة السلطة الفلسطينية.

* التشكيك بقدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية السيطرة على توسع التظاهرات الاحتجاجية الواسعة.

- إمكانية الترميم: البدء فيه مباشرة بعد وقف القتال عبر إعادة تعويم السلطة لكن الشرخ الموجود بين السلطة وشعب الضفة الذي انعكس في الانتفاضة والتأييد لغزة ومقاومتها قد يكون مؤشرًا على أن الشرخ سيمتد على إعادة أيضًا. وبالمقابل، قد يكون في الانتفاضة مؤشرًا واضحًا على إمكانية استثمار المقاومة الحس المقاوم في شباب الضفة وإعادة تنظيم قواهم.

- المدة المطلوبة للترميم: عامين على أقل تقدير في حال حصول توافق يهودي على وقف الاستيطان والضم.

- تكاليف الترميم:

* قد يكون أبو مازن أمام تهويل إسرائيلي كبير بنهاية مسيرته نتيجة ضعفه في مقابل تنامي دور المقاومة؛ وذلك في خطوة تحريض لجهة تقديم أوراق اعتماد جديدة لدى الإسرائيلي قد تكون على حساب أمن قيادات في الصف الأول لحماس والجهاد، أو مقدمة إشعال نار فتنة في الشارع الفلسطيني بين السلطة وفصائل المقاومة.

* العمل اليائس لأجل تسليم السلطة مسؤوليات التسوية السياسية وإعادة إعمار غزة، وعودة خطاب "حل الدولتين"، إذا ما تم الإذعان لتوجه إدارة بايدن، إضافة إلى إعادة تمويل الأونروا وفتح القنصلية الأمريكية في القدس المحتلة، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، مع تعويم للحكومة باتجاه استلام السلطة المدنية في غزة.

* ترحيل رموز أو قادة جماعات "الفوضى" وفق تعبير نتنياهو خارج فلسطين، وحملة اعتقالات واسعة لتضييق أطر أي توسعة في ساحات الصراع مستقبليا.

* تعزيز نزعة حصر التمثيل الشعبي الفلسطيني بالسلطة و"فتح" والتيار الوطني الفلسطيني باللعب على وتر العلمانية-الدينية لمنع صعود تأثير حماس في القطاع في المواجهات القادمة.

- مخاطر الترميم:

* استفادة حماس مجددًا من الزمن لبناء المزيد من القدرات.

* الانقسام داخل حكومة الاحتلال حول تقييم سياستها من السلطة الفلسطينية.

* عجز السلطة الفلسطينية بانقساماتها وتآكل مكانتها شعبيًا وسياسيًا عن الحفاظ على موقع الممثل الحصري والموجه للشأن الفلسطيني، وبالتالي فشل الأهداف الإسرائيلية.

7- مسار الفتنة السنية الشيعية

أ- واقع المسار: انقسام العالم الإسلامي على أساس مذهبي وانشغاله بالصراعات الداخلية.

- برامجه:

* برامج إعلامية ودعائية ضد سياسات ايران "الشيعية" وتهديدها لدول الخليج وتصديرها للثورة وحكم ولاية الفقيه.

* دعم حركات وهابية متطرفة.

* تنفيذ أجندات إثارة فتن وأزمات سياسية.

- رؤيته للنجاح:

* الاقتراب من تشكيل تكتل أو حلف عربي لمواجهة إيران.

* انشغال المسلمين والعرب عن القضية الفلسطينية.

- تكاليفه: كبيرة، دعم مالي وسياسي وصفقات تسليح مدفوع ثمنها.

- المخاطر: متوسطة، وفي المقابل ترتد تداعيات المسار خطورة عالية على محور المقاومة، لكن من ناحية أخرى استفادت المقاومة على صعيد بناء القدرة والخبرات وإتاحة الحركة في مساحات متعددة عند مواجهة التكفيريين.

ب- استشراف مصير المسار: معركة غزة فوضت أحد أعمدة الفتنة السنية الشيعية.

- درجة التغيير:

* مقبولة لدرجة تسييلها على المستوى الشعبي في استعادة خطاب تمحور اصطفاف الصراع ضمن الإطار الطبيعي (السياسي: مقاومة-إسرائيل) وليس المفروض في المشروع الأمريكي الإسرائيلي (المذهبي: إيران-سنة الخليج).

* استعادة العلاقات بين النظام السوري وحركة حماس ما يشكل التئامًا لصدع مؤثر في محور المقاومة.

- إمكانية الترميم: قوية نسبة لقدرة توفير أدوات الفتنة وإمكانياتها.

- المدة المطلوبة للترميم: أشهر إلى عام في حال وجود قرار وقناعة بالجدوى وعدم وجود مخاطر كبيرة، إلى جانب توفر الموارد المالية والبشرية الكافية.

- تكاليف الترميم: متوسطة نظرًا لوجود بيئة خصبة خصوصًا في المجتمعات التي شهدت صراعات مذهبية حادة في العقد الماضي.

- مخاطر الترميم:

* استفادة قوي المقاومة لفتح ساحات جديدة وإثبات حضورها.

* إمكانية قيام المقاومة باستهداف القوات الأمريكية والكيان المحتل ردًا على إثارة الفتن.


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا




روزنامة المحور