الإثنين 12 أيار , 2025 03:12

مفاوضات مسقط صعبة لكن إيجابية ومشجعة.. إسرائيل وأوروبا الخاسر الأكبر

ستيفن ويتكوف وعباس عراقجي

ثلاث ساعات من مفاوضات نووية وُصفت بأنها صعبة ومشجعة في آن معاً، خاضها الوفد الإيراني المفاوض مع نظيره الأميركي بصورة غير مباشرة في مسقط، خلافاً لما نشره موقع اكسيوس نقلاُ عن مسؤول أميركي بأنها كانت مباشرة وغير مباشرة، فطهران ما تزال لديها شكوك في نوايا الأمريكيين، وسياساتهم بفرض المزيد من العقوبات على الجمهورية الإسلامية، وتتريث في الذهاب الى التفاوض المباشر.

هي إذن الجولة الرابعة من المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية الإيجابية وفق مسؤول أميركي حيث قال: إن الولايات المتحدة متفائلة بنتائجها، وتتطلع الى الاجتماع القادم"، فيما وصفها المتحدث باسم الخارجية الإيراني إسماعيل بقائي بانها "صعبة، ولكن مفيدة لفهم الطرفين بشكل أفضل"، على ان التفاؤل المشوب بالحذر ما يزال سيد الموقف لدى المسؤولين الإيرانيين.
تصفير التخصيب

ورغم  أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أظهر رغبة شديدة في التوصل الى اتفاق نووي مع إيران، وقد أطاح بمستشار الأمن القومي مايكل والتز على خلفية اتصالاته مع قادة إسرائيليين ناقش معهم الخيار العسكري وتنفيذ ضربات عسكرية ضد منشآت إيران النووية، إلا ان المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف أطلق تصريحات متناقضة وخطيرة وفق طهران قبيل انعقاد الجولة الرابعة من المفاوضات وأشار فيها الى ان واشنطن تريد من طهران تصفير تخصيب اليورانيوم ما أثار موجة استياء لدى الإيرانيين عبر عنها الوزير عراقجي"دماء علمائنا النوويين أريقت من أجل التخصيب ولا يمكن التفاوض عليه"، مضيفاً "ان التخصيب هو احد أهم إنجازات وافتخارات الشعب الإيراني، وقد تم دفع ثمن باهظ لهذا التخصيب".

عقدة التخصيب هي اكبر نقاط الخلاف الراهنة بين الإيرانيين والأميركيين وألقت بثقلها على الجولة الرابعة من المفاوضات، وقد أظهر الموفد الإيراني مرونة واضحة بإعلان استعداده للتراجع من مستوى التخصيب الحالي 60% الى نسبة نقاء 3.67% أي الى نفس المستوى المنصوص عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، و"كبادرة حسن نية" يقول عراقجي  وهو المفوض بصلاحيات واسعة فان "إيران مستعدة لتقديم ضمانات لفترة زمنية مؤقتة" في قضية التخصيب، ما يعني أن إيران يمكن ان تقوم بتجميد التخصيب لفترة محددة زمنيا، ومن ثم تعود الى مستوى التخصيب المتفق عليه لكن ضمن آلية واضحة وتضمن التزام أميركي بالاتفاق وبنوده.
الضغوط الأميركية في المفاوضات النووية لوقف التخصيب في ايران يقول ويتكوف ان الهدف منها ضمان عدم امتلاك إيران للقنبلة الذرية، مع انه بات معلوماً للجميع بما فيهم الأميركيين بان الجمهورية الإسلامية تمتلك تكنولوجيا تصنيع السلاح الذري لكنها ملتزمة بفتوى دينية للإمام السيد علي الخامنئي تُحرّم تصنيع او امتلاك او استخدام السلاح النووي، وإذا كانت الذريعة للأميركيين هو القنبلة الذرية وتشكل مفتاح الحل "فالأمر ممكن ويسير" حسب عراقجي لان قرار ايران الحاسم هو عدم امتلاك القنبلة الذرية.

سفير عربي في واشنطن رأى في تصريحات ويتكوف حول قضية تصفير تخصيب اليورانيوم وتعطيل كافة أجهزة الطرد المركزي في مفاعلات إيران النووية في نطنز وفوردو ( وهي عشرات الآلاف) هي للاستهلاك الداخلي الأمريكي ولن تؤثر على المفاوضات، لان ويتكوف يعرف أنها من ثوابت طهران التي لا يمكن المساومة عليها.
وفي المقابل، أبلغ عراقجي الذي رافقه وفد من الخبراء الفنيين الإيرانيين الى مسقط، الموفد الأمريكي بان طهران تريد ضمانات جدية وملموسة للالتزام برفع الحصار والعقوبات على إيران ذات الصلة بالبرنامج النووي، ومن هذه الضمانات مصادقة الكونغرس الأميركي على الاتفاق المنشود، والتقدم في تطبيقه خطوة خطوة.
عراقجي محذراً الأوربيين
منذ لحظة اعلان ترامب عودته الى طاولة التفاوض مع إيران وانطلاق المفاوضات النووية برعاية سلطنة عُمان سعى ترامب لاستبعاد كل من الصين والأوربيين عنها، وأبقى على الدور الروسي عله يساعد في تذليل بعض العقبات، وما حرص ترامب على إبقاء الأوربيين بعيداً عن المفاوضات النووية إلا لمعاقبتهم على خلفية الرسوم الجمركية، والاستئثار بالعوائد التجارية والاقتصادية الناتجة عن الاتفاق لا سيما ان ايران أعلنت انها مستعدة لمناقشة القضايا التجارية المشتركة مع الولايات المتحدة، وقيل انها ستفتح المجال لتوقيع عقود بمليارات الدولارات مع شركات أميركية لشراء طائرات ركاب مدنية، وأجهزة وتكنولوجيا، وصولاً الى الاستثمار في مجالات النفط والغاز والليثيوم. هذا الامر بالطبع أزعج الاوربيين كثيراً - وهم الذين أرسلوا مئات الشركات لديهم لتوقيع اتفاقية تجارية مع إيران بعد الاتفاق النووي عام 2015- فهددوا بتفعيل "آلية الزناد" Snapback أي "عودة العقوبات التلقائية" على إيران، ورغم تطمينات طهران وزيارة عراقجي الى أوروبا للتأكيد ان استبعادهم هو قرار أميركي وليس إيرانيا، إلا ان الاوربيين عادوا وهددوا بتفعيل آلية الزناد، هذا الموقف استدعى تحذيراً شديد اللهجة من الوزير عراقجي للأوربيين قائلاً: "لقد أعلنت إيران موقفها بوضوح. وقد وجّهنا تحذيراً رسمياً إلى جميع الدول الموقعة على الاتفاق النووي مفاده أن أي استغلال لآلية "عودة العقوبات التلقائية (Snapback)" ستكون له تبعات جدية؛ ليس فقط أنه سينهي دور أوروبا في هذا الاتفاق، بل قد يؤدي إلى تصعيد للتوترات لا يمكن تصور عواقبه أو الرجوع عنه".

الاتفاق النووي ما يزال مرجحا
أمام تشابك الملفات الإقليمية والدولية، وبروز العقد الخلافية في المفاوضات النووية لا تزال المؤشرات العلنية وغير المعلنة التي تخرج من عواصم القرار المعنية طهران وواشنطن تتحدث بتفاؤل وإيجابية وإمكانية التوصل الى اتفاق على قاعدة رابح رابح يجنب المنطقة حرباً ضروساً شاملة سيدفع ثمنها الخليجيون والأميركيون والإسرائيليون، لهذا يبدو ان إمكانية نجاح المفاوضات ما تزال مرجحة اللهم إلا إذا حصلت مفاجآت إسرائيلية أو أميركية، فثمة انقسام داخل الإدارة الأميركية حول كيفية مقاربة القضية النووية الإيرانية، وهناك لوبي صهيوني غاضب ونشط يريد إفشال المفاوضات بأي ثمن، كما ظهر الى العلن الخلاف والتوتر بين ترمب ونتنياهو على خلفية المفاوضات وقضايا أخرى في المنطقة على غير صعيد. لكن الأهم من ذلك كله أن تلتزم أمريكا بالاتفاق إذا حصل ولا تبيع الأوهام، فايران لن تلدغ من الجحر مرتين، لهذا تؤكد انها مستعدة لكافة الخيارات.


الكاتب:

د. محمد شمص

-إعلامي وباحث سياسي.

- استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.

-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.

- مدير ورئيس تحرير موقع الخنادق الالكتروني. 

[email protected]




روزنامة المحور