الثلاثاء 31 آب , 2021 11:30

صحيفة عبرية: "حارس الأسوار" لم تنتهِ وعلى "إسرائيل" ان تستعد لجولة جديدة

لا يزال كيان الاحتلال يحاول إحداث خرق ما، في المعادلة التي فرضتها الفصائل الفلسطينية بعد "سيف القدس". مع حرصه على عدم تطور الأمور أو الوصول لتصعيد من شأنه أن يفتح جولات جديدة من القتال. هذا التردد على مستوى القيادات العسكرية الإسرائيلية والأمنية يقابله نشاط يومي من الشباب الفلسطيني، ينتج عنه يوميًا "اشتباكات مصغرة" تُنذر بأن معركة "حارس الأسوار لم تنتهِ عملياً" حسب ما أشارت الأوساط الإعلامية الإسرائيلية.

معهد السياسة والاستراتيجية "هرتسيليا" أشار إلى ان " تقف إسرائيل في الوقت الحالي في معضلة استراتيجية عويصة في قطاع غزة. وإذا كانت تريد تثبيت هدوء مثلما كان حتى حملة "حارس الأسوار" فعليها قبول شروط السنوار".

النص المترجم:

تقف إسرائيل أمام تناقض حاد وتشويش عميق في ضوء الواقع الحالي السائد في قطاع غزة. فقد أثير في أوساط الكثيرين في إسرائيل إحساس بتحقيق اختراق باتجاه تثبيت تسوية في المنطقة، ولكنه إحساس سرعان ما أخلى مكانه باحتكاكات عنيفة بمبادرة حماس، وفي مركزها استئناف إرهاب البالونات والاضطرابات في مجال الجدار الحدودي. وينطوي هذا التناقض على فجوة عميقة بين رؤية إسرائيل وحماس للواقع، إلى جانب صعوبة متواصلة أمام إسرائيل في حل لغز عالم نوايا كبار رجالات الحركة.

منذ نهاية حملة "حارس الأسوار" يعمل يحيى السنوار في ضوء هدف مركزي: إعادة الواقع الاستراتيجي في القطاع إلى ما كان عليه حتى العاشر من أيار، عندما أطلقت حماس رشقة الصواريخ نحو القدس، مما فتح المعركة العسكرية. خرقت حماس قواعد التسوية التي سادت حتى ذلك الحين في قطاع غزة، وأصابها قلق من أن إسرائيل ألغت قسماً من الإجراءات المدنية التي تم الدفع بها إلى الأمام عشية الحملة، لأنها معنية، كما أسلفنا، بالعودة إلى "التسوية القديمة"، أو -بكلمات أخرى-بإثبات نجاحها في تغيير قواعد اللعب حيال إسرائيل دون أن يجبى منها ثمن باهظ يهدد استقرار حكمها.

يبدو أن السنوار يعمل بقوة المنطق الذي يقول بإمكانية العودة إلى "التسوية القديمة" دون الانجرار إلى معركة واسعة النطاق حماس غير معنية بها في هذه المرحلة. السنوار ليس راضياً عن الإجراءات المدنية التي دفعت بها إسرائيل إلى الأمام حتى الآن، وعلى رأسها تحويل معظم المساعدة المالية القطرية إلى قطاع غزة (باستثناء دفع رواتب موظفي حماس)، وتوسيع الاستيراد إلى المنطقة والتصدير منها والتصريح بخروج تجار غزيين إلى إسرائيل (هذه الإجراءات تساهم عملياً في تعزيز استقرار حكم حماس والإبقاء على نفوذ قطر في قطاع غزة). إن استئناف الاحتكاكات في مجال الحدود وإرهاب البالونات يشكل وسيلة ضغط ناجعة في نظر السنوار ويعتبر مثابة "معركة بين الحروب" لا تنتقل إلا بالضرورة إلى مواجهة واسعة.

قد تعكس خطوات حماس فهماً يقول إن إسرائيل في الوقت الحالي منشغلة في مشاكل أخرى وعلى رأسها كورونا والعقدة السياسية الداخلية وتوتر في الجبهة الشمالية وحيال إيران، تجعل من الصعب عليها توجيه الجهد والاهتمام لمواجهة في قطاع غزة، مما يشجعها على العودة إلى "التسوية القديمة" في المنطقة، ويعزز هذا التقدير تشوش متواصل في الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل مع نهاية حملة "حارس الأسوار"، خصوصاً أن إسرائيل تقدمت في الأشهر الأخيرة بمبادرات مدنية مهمة تجاه قطاع غزة رغم أنه لم يطرأ اختراق في موضوع الأسرى والمفقودين ولا ترد بشدة على كل خرق أمني "حكم البالون كحكم الصاروخ".

السنوار يعمل في ضوء اعتبارات واعية ومن خلال "التجربة والخطأ على نحو متواصل، ومستعد لدفع ثمن معين لقاء تحقيق الأهداف الأيديولوجية الموجودة في مركز تجربته. بعد أن اتخذ خطوة جريئة أدت إلى حملة "حارس الأسوار"، بدأ لأول مرة في تاريخ حماس معركة ضد إسرائيل – في أعقاب الأحداث التي جرت في القدس ودون احتكاك مسبق في قطاع غزة – وهو الآن يفحص إمكانية تغيير قواعد اللعب تجاه إسرائيل.

تقف إسرائيل في الوقت الحالي في معضلة استراتيجية عويصة في قطاع غزة. وإذا كانت تريد تثبيت هدوء مثلما كان حتى حملة "حارس الأسوار" فعليها قبول شروط السنوار والعودة إلى "التسوية القديمة" التي تعني الموافقة على نقل عموم المساعدة القطرية وتوسيع كبير لتصاريح الحركة والتجارة من وإلى قطاع غزة. كل هذا، بالطبع دون التقدم بمفاوضات حول موضوع الأسرى والمفقودين، الذي تقرر بعد حملة "حارس الأسوار" كشرط أساس للتقدم في إجراءات مدنية واسعة النطاق.

معنى العودة إلى "التسوية القديمة" هو المس بقوة الردع الإسرائيلية. والإثبات لحماس بثمار العودة لاتخاذ خطوات استفزازية أخرى في المستقبل، خصوصاً ما يتعلق بأحداث خارج قطاع غزة، سواء في القدس أو الضفة أو حتى في المجتمع العربي داخل إسرائيل  دون أن يجبى من الحركة ثمناً باهظاً.

أما البديل الثاني الذي تقف أمامه إسرائيل، فهو معركة واسعة أخرى من خلالها يمكن لها أن تعيد تصميم قواعد اللعب مع حماس. إذا ما استنتجت إسرائيل بأنها خطوة ضرورية، فمن الموصى به أن تتضمن المعركة المقبلة جواباً على ثلاث ثغرات استراتيجية نشأت في أثناء "حارس الأسوار": أخذ المبادرة الهجومية؛ وإيقاع ضرر شديد بمستوى قيادة حماس؛ وتصميم متصلب لشروط التسوية في اليوم التالي، دون انسحابات ومرونات مثلما اتخذت في الأشهر الأخيرة، ومع التمسك بشرط التقدم في الخطوات المدنية المهمة مقابل التنازلات في موضوع الأسرى والمفقودين. لا يبدو أن هناك بدائل وسطى قابلة للتحقق بين البديلين القطريين. استمرار الوضع القائم معناه الاحتكاك المتوسط من شأن حماس في أثنائه أن تفاجئ مرة أخرى وتبادل إلى معركة ضد إسرائيل. أما احتمال أن تقرر حماس المرونة في مواقفها – وبالأساس المنع التام للاحتكاكات العنيفة وقبول الواقع المدني القائم في ظل الاستجابة للضغط المصري والقطري عليها – فهو احتمال متدنٍ. صحيح أن مصر أغلقت معبر رفح كخطوة عقاب ضد سلوك حماس، ولكن ليس واضحاً ما إذا كان الأمر سينجح في إلزام حماس لمنع الاحتكاكات العنيفة بشكل مطلق ومتواصل في قطاع غزة.

يثبت الواقع المعقد في قطاع غزة مرة أخرى بأن حملة "حارس الأسوار" لم تنته عملياً، بل بقيت قصة مفتوحة ولم تغير قواعد اللعب بين إسرائيل وحماس من الأساس. وكونها كذلك، فعلى إسرائيل أن تستعد لمعركة إضافية، ويحتمل أن تكون في المدى القريب. إذا دققت إسرائيل في قراءة نوايا حماس، وامتنعت عن إسقاط منطقها على منطق العدو واتخذت مبادرة هجومية بدلاً من الانجرار إلى تبادل الضربات المنهكة، فإنه قد يتعزز الاحتمال لتصميم "تسوية جديدة" مع نهاية المعركة المستقبلية.


المصدر: معهد السياسة والاستراتيجية "هرتسيليا"

الكاتب: ميخائيل ميلشتاين




روزنامة المحور