الأربعاء 19 تشرين أول , 2022 02:56

كيف تهيمن الولايات المتحدة على العالم -هندوراس مثالًا-

النفوذ الأمريكي السام

تنتهج الولايات المتحدة سياسة مناطق النفوذ منذ ما يقرب من 200 عام، بدأت هذه السياسة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية عندما أعلن الرئيس جيمس مونرو في خطابه السنوي السابع أمام الكونغرس عام 1823، بأنه "يجب على الولايات المتحدة أن تعتبر أي محاولة من قبل الدول الأجنبية، لبسط نفوذها على أي جزء من هذا النصف من الكرة الأرضية بمثابة تطاول وتعدٍّ خطير على سلامنا وأمننا".

كانت علامة أو وصم "الأخ الأكبر" في الواقع، امتداد لمبدأ مونرو، الذي تمت صياغته في عهد الرئيس جيمس غارفيلد عام 1880. هدفت سياسة الأخ الأكبر إلى حشد دول أميركا اللاتينية خلف القيادة الأمريكية وفتح أسواقها أمام التجار الأمريكيين. وكانت قد بدأت منذ العام 1833 بغزو نيكاراغوا وبعدها احتلت أراضي مكسيكية وغزت البيرو والأوروغواي وكولومبيا.

وفي عام 1904، أعلن الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت أن "التزام الولايات المتحدة بعقيدة مونرو ربما يضطرها إلى أن تقوم بدور الشرطة الدولية في الحالات السافرة التي تحدث فيها مثل هذه الممارسات". عُرف ذلك بـ "لازمة روزفيلت" وسياسة "العصا الغليظة"، والتي كانت تعني امتلاك القوة العسكرية والاستعداد لاستخدامها لفرض الهيمنة الأمريكية، والتي صاغت رسميًا "حق" الولايات المتحدة في حكم الكاريبي.

تعتبر هندوراس من دول الكاريبي التي عاشت في الصراعات الاستعمارية للقوى الأوروبية منذ القرن الخامس عشر، وبعد الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين، خاضت حروب الاستقلال وشكلت منطقة التوتر الدائر بين الشيوعية والولايات المتحدة، خاصة أن الأخيرة تعتبر أنّ هذه الدول ضمن حديقتها الخلفية، ولا يصحّ أن تحكمها أنظمة يسارية.

هندوراس: جمهورية الموز الأمريكية

الزراعة هي حرفة سكان هندوراس، أو كما تسمى "جمهورية الموز". يعمل بها حوالي 56.2%، وقد سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على اقتصاد البلاد وسياسته من خلال شركات الفاكهة. حيث حولتها إلى مزرعة موز ضخمة في بداية القرن العشرين.

بدأ التدخل الأمريكي في هندوراس سياسيًا لأول مرة عام 1902، وفي العام 1905 قامت بالتدخل العسكري، وفي العام 1907 استولت على ست مدن فيها. وتكرر الهجوم في الأعوام 1912 و1920و 1925 و1988، حيث كانت ترسل سفنًا حربية بشكل دوري إما لقمع النشاط الثوري ضدها، أو للتدخل في الانقلابات العسكرية لحماية مصالحها التجارية ووكلائها من النخب. وقد استمرت المنافسات التقليدية بين الأحزاب الليبرالية والمحافظة، طوال القرن العشرين، واستقرت السلطة في أيدي تحالف ثلاثي مكون من: ملاك الأراضي، والمستثمرين الأجانب الذين تمثلوا بشكل رئيسي بشركة الفواكه المتحدة، والجيش.

 بعد فترة وجيزة من دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وقعت اتفاقية إيجار مع هندوراس، واتفاقية الإيجار هي سياسة أمريكية خارجية، تسمح لحكومة الولايات المتحدة بتسليف حكومات الدول الحليفة، الغذاء والوقود والمواد والعتاد، في مقابل قواعد عسكرية وبحرية. فقامت بتشغيل قاعدة تروخيو على البحر الكاريبي، وخاضت من هناك صراعًا مع الدول اليسارية المجاورة. وفي أوائل الثمانينيات انخرطت هندوراس بشدة في حرب الكونترا ضد الساندينيستا، وهو حزب اشتراكي ديموقراطي كان يحكم نيكاراغوا. فتحولت هندوراس إلى أرض مليئة بالمطارات، ومعسكرات قواعد الكونترا، تناوبت فيها الآلاف من وحدات الجيش والحرس الوطني النظاميين. وأغرِق الاقتصاد بسبب تدفق مئات الملايين من الدولارات لتعزيز قوة الجيش الهندوراسي.

شهدت هندوراس سنوات طويلة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويعيش ثلثي مواطنيها تحت خط الفقر، كما تبلغ نسبة البطالة 28% تقريبًا. وتُعتبر هندوراس واحدةً من أسوأ دول أمريكا اللاتينية من حيث توزيع الثروة غير العادل. إذ تحصل نسبة 10% الأفقر من السكان على 1.2% فقط من ثروات البلاد، في حين تحصل 10% من الشريحة السكانية الأغنى في البلاد وهي النخب الأمريكية على 42% من ثرواتها. وتأتي نسبة تقارب الـ 20% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة من تحويلات العمال خارج البلاد.

الإدارة الأمريكية تدعم الانقلابات

تسلم مانويل زيلايا ذا التوجه اليساري الحكم في هندوراس عام 2006 وعقد استفتاءً عامًا على الجمعية التأسيسية لتغيير الدستور، بدأت الولايات المتحدة بالتحريض من خلال نخبها ضد الاستفتاء، وقد صرّح وزير الداخلية في حكومته، فيكتور ميزا قائلًا: "إن الانطباع الذي ظل عالقًا في ذهن الطبقة السياسية التقليدية ومع كبار رجال الأعمال من ذوي الميول المحافظة أكثر أن زيلايا قد اتخذ تحولًا خطيرًا نحو اليسار، وبالتالي فإن مصالحهم قد تعرّضت للخطر". قام الجيش الهندوراسي بانقلاب عسكري أدى إلى إقالة الرئيس ونفيه عام 2009 في عهد باراك أوباما الذي أدان إعلاميًا الانقلاب، إلا أن الكونغرس اعترف بعد فترة وجيزة بحكومة الانقلاب.

ذكر جون دوناغي من منظمة كاريتاز أن الصراع الحقيقي الذي دار حينها هو بين الفقراء والأثرياء: "نحن أمام نظام أبقى الفقراء في ظروف مُزرية طوال سنوات". ورأى أنه بالنسبة لبعض أفراد الطبقة العليا الأقلية في هندوراس، فقد أُطيح بزيلايا بسبب تحالفه اليساري النامي مع الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، وهو ما رأوا فيه تهديدًا لمصالحهم. أما بالنسبة للطبقة العاملة، فتعتبر أن زيلايا قد عُزل من منصبه انطلاقًا من شعور النخبة بالتهديد بسبب جهوده لتحسين ظروف حياتها -لا سيّما بعد زيادة 60% في الحد الأدنى للأجور.

إلى ذلك، في مقال رأي نُشر عام 2014 في صحيفة واشنطن بوست، استخدمت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون مراجعة لكتاب هنري كيسنجر "النظام العالمي"، لتوضيح رؤيتها لـ "الحفاظ على القيادة الأمريكية في العالم". دعت إلى العودة إلى السياسة الخارجية الهادفة والاستراتيجية والبراغماتية وسلطت الضوء على بعض هذه الخيارات السياسية في مذكراتها "الخيارات الصعبة". في الفصل الخاص بأمريكا اللاتينية، ولا سيما القسم الخاص بهندوراس، أوردت كلينتون اعترافًا بأنها استخدمت سلطة مكتبها للتأكد من أن زيلايا لن يعود إلى المنصب: "في الأيام اللاحقة [بعد الانقلاب] تحدثت مع نظرائي حول نصف الكرة الأرضية، بمن فيهم الوزيرة [باتريشيا] إسبينوزا في المكسيك". "لقد وضعنا استراتيجية بشأن خطة لاستعادة النظام في هندوراس والتأكد من إجراء انتخابات حرة ونزيهة بسرعة وبشكل شرعي، مما يجعل مسألة زيلايا موضع نقاش".

وقد أشارت الباحثة الهندوراسية دانا فرانك في مجلة الشؤون الخارجية ، إلى أنّ حكومة ما بعد الانقلاب المدعومة من الولايات المتحدة "كافأت الموالين للانقلاب بوزارات عليا، وفتحت الباب لمزيد من العنف والفوضى".

النفوذ الأمريكي السام

وعلى الرغم من أن هندوراس هي دولة تابعة تخضع لتوقعات الولايات المتحدة اليوم، وتتمتع بدعمها ورعايتها كما تزعم، إلا أنه تحالف سام قائم على سيطرة الرأسمالية التي تطلق العنان للشركات الخاصة والشركات متعددة الجنسيات، والاستثمار الأجنبي الكبير، والسلع التصديرية منخفضة التكلفة، والأجور المنخفضة، وحصول الأجانب على حيازات الأراضي والموارد تحت التربة، وهو الأمر الذي جعلها دولة من دون سيادة، تجد نفسها دائمًا على حافة الهاوية، حيث يتم استنزافها وإفقارها وتفكيك المؤسسات فيها وتدمير اقتصاداتها.

وبحسب المقال في واشنطن بوست المذكور أعلاه، ارتفع معدل جرائم القتل في هندوراس، وهو الأعلى في العالم، بنسبة 50% منذ العام 2008، وتزايد القمع السياسي، من خلال قتل مرشحي المعارضة السياسيين، ومنظمي الفلاحين، ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا. تفاقم العنف المرتبط بالمخدرات وسط مزاعم بتفشي الفساد في الشرطة والحكومة. كما شاركت قوات الأمن في موجة من عمليات القتل وغيرها من جرائم حقوق الإنسان بدون عقاب، كل ذلك يحصل من خلال منظومة تقوها النخب الفاسدة التي توصلها الإدارة الأمريكية إلى المناصب النافذة وصولًا إلى رئيس البلاد، ففي شباط 2022 صدرت مذكرة توقيف أمريكية بحق الرئيس الموالي لها خوان أورلاندو هرنانديز بتهمة تهريب المخدرات.


المصدر: غرفة التحرير




روزنامة المحور