تستعرض الكاتبة كاتلين جونستون في هذا المقال الذي ترجمه موقع الخنادق الالكتروني، واحدة من أهم اللحظات والمفارقات التي شهدتها زيارة دونالد ترامب الى فلسطين المحتلة، وهي اعترافه بشكل واضح وعلني وفاضح، أنه يخضع لنفوذ ملياردير "أجنبي"، وهو ما كان سيؤدي عادة الى حصول زلزال سياسي يهزّ واشنطن والعالم. لكن ما جرى كان العكس تمامًا: صمتٌ مطبق، وتجاهلٌ مريب. فترامب، وقف أمام الكنيست الإسرائيلي ليعلن — وبنبرة فخر لا خجل فيها — أن قراراته المصيرية بشأن القدس والجولان المحتليّن، لم تُتخذ بناء لمصالح بلاده بقدر ما اتخذت بناء على ضغوط آل أديلسون، أغنى العائلات الصهيونية في العالم.
اعتراف كهذا، لو كان يتعلق برجل أعمال روسي أو صيني، لأشعل عواصف سياسية ولجان تحقيق لا تنتهي، لكنه مرّ مرور الكرام لأن "اليد التي تمسك بالخيوط" هذه المرة إسرائيلية. هنا يتكشف جوهر الإمبراطورية المعاصرة: تحالف غير معلن بين المال والإعلام والسياسة، تتصدره واشنطن وتل أبيب معًا، بينما يُطلب من الجميع التصفيق للطاعة لا المساءلة.
وختمت جونستون بالقول إن الشيء الوحيد الذي يعجبها في دونالد ترامب هو "ميله الطفولي إلى قول ما يُفترض أن يُقال بصوتٍ خافت، بصوتٍ عالٍ وواضح".
النص المترجم:
من الغريب حقًّا قلّة الاهتمام الذي تُبديه وسائل الإعلام الرئيسية لحقيقة أنّ رئيس الولايات المتحدة قد اعترف مرارًا وتكرارًا بأنه "مملوك" وممول من أغنى رجلٍ (وامرأة) إسرائيليَّين في العالم، خصوصًا إذا ما أخذنا في الاعتبار مدى انشغال خصومه السياسيين سابقًا باحتمال تعرّضه لاختراق من قِبل حكومةٍ أجنبية خلال ولايته الأولى.
خلال خطابٍ ألقاه أمام البرلمان الإسرائيلي يوم الاثنين، اعترف الرئيس دونالد ترامب علنًا مرّةً أخرى بأنه نفّذ سياساتٍ مؤيّدة لإسرائيل بناءً على طلب المليارديرة الإسرائيلية – الأمريكية ميريام أديلسون وزوجها الراحل شيلدون، مضيفًا هذه المرة أنه يعتقد أنّ أديلسون تُفضّل إسرائيل على الولايات المتحدة.
Speaking in Israel, Trump suggests he moved the embassy to Jerusalem as a promise to the Adelsons, who he says have paid more visits to the White House than anyone he can think of.
— Keith Woods (@KeithWoodsYT) October 13, 2025
He then says he asked Miriam if she loves Israel or America more and she refused to answer. Insane pic.twitter.com/jg9VXciRgg
وفيما يلي نصّ تصريحات ترامب:
"بصفتي رئيسًا، أنهيتُ الاتفاق النووي الكارثي مع إيران، وفي النهاية أنهيتُ البرنامج النووي الإيراني بما يُسمّى قاذفات B-2 كان ذلك سريعًا ودقيقًا، وكان إنجازًا عسكريًا رائعًا. صرّحتُ بإنفاق مليارات الدولارات، التي ذهبت إلى الدفاع عن إسرائيل كما تعلمون. وبعد سنواتٍ من الوعود الكاذبة من رؤساء أمريكيين آخرين — كما تعلمون، ظلّوا يعدون — لم أفهم المسألة إلا بعد أن وصلتُ إلى هناك. كان هناك ضغطٌ كبيرٌ يُمارس على هؤلاء الرؤساء، ووُضع عليّ أيضًا، لكنني لم أستسلم للضغط. غير أن كلّ رئيسٍ لعقودٍ قال: "سنفعلها"، والفرق أنني أنا مَن أوفى بوعده، واعترفتُ رسميًا بعاصمة إسرائيل ونقلتُ السفارة الأمريكية إلى القدس.
أليس كذلك يا مريم؟ انظروا إلى مريم هناك. انهضي. كانت مريم وشيلدون [أديلسون] يأتون إلى المكتب ويتّصلون بي. كانوا يتصلون بي — أعتقد أنهم زاروا البيت الأبيض أكثر من أي شخصٍ آخر، على ما أظن. انظروا إليها جالسة هناك ببراءة — لديها 60 مليار دولار في البنك، 60 مليار دولار. وهي تحب… وأعتقد أنها قالت: "لا، أكثر". إنها تحب إسرائيل، لكنها تحبها فعلاً. وكانا يأتيان دائمًا. وكان زوجها رجلاً عدوانيًا جدًا، لكنني أحببته. كان عدوانيًا جدًا وداعمًا لي بشدة. وكان يتصل بي ويقول: "هل يمكنني زيارتك؟" فأقول له: "شيلدون، أنا رئيس الولايات المتحدة، الأمور لا تسير على هذا النحو". لكنه كان يأتي على أي حال. وكانا مسؤولين إلى حدٍّ كبير عن الكثير، بما في ذلك جعلي أفكّر في مرتفعات الجولان، والتي ربما تكون واحدة من أعظم الأمور التي حدثت على الإطلاق. مريم، انهضي من فضلك. إنها حقًا… أعني، إنها تحب هذا البلد. تحب هذا البلد. هي وزوجها كانا رائعين للغاية. نفتقده كثيرًا. لكنني في الواقع سأُوقِعها في مأزق الآن، فقد سألتها ذات مرة وقلت: "مريم، أعلم أنكِ تحبين إسرائيل، لكن أيّ البلدين تحبين أكثر؟ الولايات المتحدة أم إسرائيل؟" رفضت الإجابة. وهذا يعني — ربما يعني إسرائيل، لا بدّ لي أن أقول. نحن نحبكِ يا عزيزتي. شكرًا لوجودكِ هنا. إنه لشرفٌ عظيم. شرفٌ عظيم. إنها امرأة رائعة، امرأة عظيمة".
أفادت التقارير بأن شيلدون أديلسون قدّم لترامب وللحزب الجمهوري أكثر من 424 مليون دولار كتمويلٍ لحملاتهم الانتخابية منذ عام 2016 وحتى وفاته في عام 2021. وبعد رحيله، واصلت أرملته ميريام أديلسون إرث زوجها، فدفعت100 مليون دولار إضافية لدعم حملة ترامب الرئاسية لعام 2024.
وخلال حملته الانتخابية لعام 2024، اعترف ترامب أيضًا بخضوعه لنفوذ أموال آل أديلسون. وفيما يلي نص تلك التصريحات:
"كما وعدت، اعترفتُ بالقدس عاصمةً أبدية لإسرائيل وافتتحتُ السفارة الأمريكية في القدس. أصبحت القدس العاصمة. كما اعترفتُ بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.
كما تعلمون، كانت مريم وشيلدون يدخلان البيت الأبيض على الأرجح أكثر من أي شخصٍ آخر تقريبًا من خارج العاملين هناك. وكانا دائمًا يسعيان وراء شيءٍ ما — وبمجرّد أن أُعطيهما شيئًا — يكون دائمًا لصالح إسرائيل. وبمجرّد أن أُقدّم لهما شيئًا، يرغبان فورًا في شيءٍ آخر. كنت أقول لهما: "أعطياني أسبوعين فقط، أرجوكما؟" لكنني أعطيتُهما مرتفعات الجولان، رغم أنهما لم يطلباها أصلًا.
كما تعلمون، منذ 72 عامًا وهم يحاولون الحصول على مرتفعات الجولان، أليس كذلك؟ وحتى شيلدون لم تكن لديه الجرأة على ذلك. لكنني قلت: "أتدرون ماذا؟" قلتُ لديفيد فريدمان: "أعطني درسًا سريعًا، خمس دقائق أو أقل، عن مرتفعات الجولان." ففعل. فقلت: "لننفّذها." وقد أنجزنا ذلك في نحو 15 دقيقة، أليس كذلك؟".
Take note of which Trump comments provoke controversy, and which don't. Trump said this week that he "gave" the Golan Heights to Sheldon and Miriam Adelson, his top funders, who came to the White House "almost more than anybody." Not a peep about this brazen admission of graft pic.twitter.com/MaJLFnH7oi
— Michael Tracey (@mtracey) September 22, 2024
إضفاء الشرعية على الضمّ الإسرائيلي غير القانوني لمرتفعات الجولان ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس كانا من أكثر الخطوات المثيرة للجدل التي اتخذها ترامب لصالح إسرائيل خلال ولايته الأولى، وهما اليوم يبدوان باهتين أمام دعمه للإبادة الجماعية في غزة وقصفه لإيران واليمن.
وها هو ذا ترامب، يعترف علنًا بأن كبار مموليه من المليارديرات الصهاينة استغلّوا النفوذ الذي منحتهم إياه تبرعاتهم المالية، لدفعه نحو اتخاذ إجراءات حاسمة تصبّ في مصلحة إسرائيل.
تخيلوا للحظة لو أن أحدهم سرّب وثائق إلى الصحافة تثبت أن ترامب تلقّى دعمًا ماليًا واسعًا من أوليغاركي روسي، مقابل أن يمنحه ترامب امتيازات ذات أهمية جيوسياسية هائلة. كانت تلك ستكون أكبر فضيحة في تاريخ السياسة الأمريكية بلا منازع.
لكن، بما أنّ الأوليغاركي هذه المرة إسرائيلي، يمكن لترامب أن يعترف بذلك جهارًا نهارًا ومرارًا وتكرارًا دون أن يرفّ له جفن أو يثير الأمر ضجّة تُذكر.
خلال الولاية الأولى لترامب، أمضى خصومه السياسيون سنواتٍ في الترويج لنظرية مؤامرة زائفة مفادها أنه خاضع لسيطرة فلاديمير بوتين، رغم أنه قضى تلك الولاية بأكملها في تصعيد العداء والحرب الباردة ضد روسيا. وقد وُلدت مسيراتٌ مهنيةٌ كاملة في مجال التحليل السياسي، في محاولةٍ لاصطناع فضيحةٍ من روايةٍ يمكن تفنيدها ببساطة عبر النظر إلى تحركات آلة الحرب الأمريكية وإجراءات واشنطن العدائية ضد موسكو.
لكن ها هو ترامب يعترف علنًا بانحنائه بكل الوسائل الممكنة لتقديم كل ما تريده أوليغارشية إسرائيلية، فقط لأنها أغرقت حملته الانتخابية بمبالغ طائلة من المال، بينما كان يغرق إسرائيل بالأسلحة لتسهيل فظائعها الجماعية، وينخرط في أعمالٍ حربيةٍ نيابةً عنها. ومع ذلك، فإن هذا لا يكاد يُحدث أدنى أثرٍ في السياسة أو الإعلام الغربي السائد.
ويعود السبب إلى أن السياسة والإعلام الغربي السائد يدركان أننا نعيش داخل إمبراطورية أوليغارشية غير رسمية تنتمي إليها كلٌّ من الولايات المتحدة وإسرائيل. فهم لا يعترفون بذلك علنًا، ولا يتحدثون عنه، لكن جميع السياسيين والمحللين والمسؤولين رفيعي المستوى في العالم الغربي يدركون تمامًا أنهم يخدمون هيكل قوة عالميًا تديره شبكة فضفاضة من الأثرياء ومديري الإمبراطوريات.
يدركون أن دولًا مثل إسرائيل جزءٌ من هذا الهيكل الإمبراطوري، بينما دولًا مثل روسيا والصين وإيران تقع خارجه. ولذلك، فإنهم يقضون وقتهم في تطبيع الفساد والانتهاكات التي ترتكبها الدول الأعضاء في هذه المنظومة الإمبراطورية، بينما يعملون على تسهيل جهود الإمبراطورية لمهاجمة وتقويض الدول التي نجحت في مقاومة الانضواء تحت مظلّة القوة الإمبريالية.
لقد قلتها من قبل وسأقولها مجددًا: الشيء الوحيد الذي يعجبني في دونالد ترامب هو ميله الطفولي إلى قول ما يُفترض أن يُقال همسًا، بصوتٍ عالٍ ومباشر. فهو يُمارس نفس أنواع الانتهاكات التي ارتكبها أسلافه — الذين لم يكونوا أقل فسادًا ولا أقل خضوعًا — لكنه في المقابل يكشف الآليات الخفيّة وراء تلك الانتهاكات بطريقةٍ ما كان ليفعلها رؤساءٌ أكثر تهذيبًا وتكتّمًا.
المصدر: كاتلين جونستون
الكاتب: غرفة التحرير