الأربعاء 15 تشرين أول , 2025 03:32

مصير واحد لعملاء الاحتلال: من لحد إلى أبو شباب

انطوان لحد وياسر أبو شباب مصير واحد

في أيار/ مايو عام 2000، انسحب الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان تاركاً خلفه آلاف العملاء اللبنانيين الذين خدموا في "جيش لحد" أثناء فترة الاحتلال، تم الانسحاب بسرعة ودون تنسيق مع هؤلاء، بعدما تراجع إيهود باراك عن كل التزامات الكيان السابقة تجاه سلامتهم ومستقبلهم. في تلك الليلة سقطت أوهامهم دفعة واحدة لأنهم لم يكونوا على علم بمخطط الانسحاب الذي كان الاحتلال يعد له منذ فترة، ولم تُمنح لهم أي حماية.

ما حدث آنذاك لم يكن يقتصر على الوضع آنذاك، بل سياسة ثابتة يتبعها الاحتلال مع كل من يتعاون معه. فالعملاء بالنسبة له أدوات مؤقتة تُستخدم لتحقيق غاية محددة. وبعد انتهاء دورهم، يُرمى بهم كما تُرمى الأدوات البالية. هذه هي القاعدة التي تتكرر في كل ساحة عمل فيها الاحتلال، من لبنان إلى غزة.

سياسة التخلي الإسرائيلية

منذ احتلالها فلسطين، اعتمدت "إسرائيل" على شبكات محلية لتأمين مصالحها الأمنية والعسكرية في المناطق التي تحتلها. لكنها لم تنظر يوماً إلى هذه الشبكات على أنهم جزء من منظومتها أو عليها الحفاظ على سلامتهم مهما حصل.

في الحالة اللبنانية، يتضح ذلك في العلاقة التي نشأت بين باراك وأنطوان لحد. فبحسب ما يذكره منسق الأنشطة الإسرائيلية أوري لوبراني، فإن باراك في لقائه مع لحد عام 2000 تراجع عن كل وعوده بشأن سلامة عناصر جيشه، وأبلغه بعبارة باردة أن بإمكانه "المغادرة إلى باريس" إن لم يكن يريد تسليم نفسه. وفي 9 أيار عام 2000، عقد أنطوان لحد، مؤتمراً صحافياً دعا فيه الرئيس اللبناني آنذاك إميل لحود إلى إصدار عفو عن العملاء. حينها رفض لحود الطلب، بعد 48 ساعة، وفي نفس التوقيت صدر موقف حزب الله عبر نائب الأمين العام لحزب الله آنذاك الشيخ نعيم قاسم، طالب فيه من عملاء جيش لحد "خلع بزاتهم العسكرية والفرار والنجاة بالنفس". هذا الموقف يعد كافياً ليكشف طبيعة النظرة الإسرائيلية إلى هؤلاء العملاء، حيث يستغلهم العدو بحسب مصلحته الآنية.

غزة تكرار المشهد نفسه

اليوم، بعد وقف إطلاق النار في غزة، يتكرر المشهد نفسه مع العصابات التي تعاونت مع الاحتلال خلال الحرب. مثل عصابة ياسر أبو شباب في رفح، وحسام الأسطل في خان يونس، ورامي حلس في غزة، حيث وجدت هذه العصابات نفسها فجأة في مواجهة المجهول بعد أن تخلّت عنها "إسرائيل" بشكل كامل.

حيث رفض الجيش الإسرائيلي نقلهم خارج غزة أو إنشاء "منطقة آمنة" لهم في غلاف غزة لأنهم "يشكلون خطراً بتواجدهم بين المستوطنين" بحسب التقارير الإسرائيلية، كما صرّح المتحدث السابق باسم الجيش آفي بنياهو بوضوح: "الميليشيات المتعاونة في غزة لن تدخل إلى إسرائيل، وعليهم مواجهة مصيرهم وحدهم". وهذا ما يعكس نهج "إسرائيل" في التعامل مع العملاء بعد انتهاء مهامهم.

بين الانكشاف والملاحقة

مع بدء انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، بدأت حماس تنفيذ خطة لاستعادة السيطرة الأمنية. حيث شكّلت وحدات خاصة لملاحقة العملاء، أبرزها وحدة "رادع" التابعة لجهاز الأمن الداخلي. وتم إصدار أوامر اعتقال بحق قادة المجموعات المسلحة، ومنحتهم الحركة مهلة زمنية محددة لتسليم أنفسهم مقابل الأمان، قبل أن تقوم بدورها بشن عملية لملاحقتهم.

وكانت النتيجة اشتباكات في أكثر من منطقة، ومحاولات فرار جماعية لعناصر هذه العصابات. بعضهم حاول التواصل مع قادة الاحتلال للحصول على ممر آمن، لكن الرد جاء واضحاً: لا ضمانات لأحد من هؤلاء. وترك ياسر أبو شباب مجموعته وقال لهم في رسالة "دبّروا حالكم، بدكم تسلموا حالكم لحماس أنتم أحرار". ورداً على ما سيفعله في المرحلة المقبلة بحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، أجاب: "سنهرب أنا وغسان الدهيني وحميد الصوفي خارج غزة لأي دولة".

نمط ثابت لا يتغير من أنطوان لحد إلى ياسر أبو شباب. كلاهما خدم الاحتلال بطرق مختلفة، وكلاهما انتهى إلى المصير نفسه. "إسرائيل" لن تبدّل سياستها، بل ستكرر ما فعلته دائماً وتتنصّل من أي التزام تجاههم فور انتهاء المعركة. هذه السياسة جزء من العقيدة الأمنية الإسرائيلية القائمة على استخدام الآخرين لتقليل خسائرها المباشرة، بينما لا يستفيد العملاء الذين راهنوا على الكيان من شيء فلا السلطة التي يمنحها الاحتلال تدوم ولا المال ولا حتى الحماية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور