الثلاثاء 26 آب , 2025 03:37

الموساد والحرب المرّكبة على إيران

الموساد الإسرائيلي

الحرب التي دارت بين إيران و"إسرائيل" لمدة 12 يوماً في حزيران/يونيو 2025 كانت مثالاً واضحاً على الحرب المركّبة، حيث استخدم جهاز "الموساد"، جهاز الاستخبارات الإسرائيلي وذراع الغرب في الشرق الأوسط، أدوات غير تقليدية مثل الجريمة المنظّمة، العمليات السيبرانية، والحرب النفسية لإضعاف إيران. هذه المواجهة، التي ترافقت مع غارات جوية واسعة النطاق استهدفت المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، لم تكن فقط جزءاً من استراتيجية "إسرائيل" للحفاظ على هيمنتها الإقليمية، بل مثّلت أيضاً مسعى غربياً لقمع دول الجنوب العالمي التي تقاوم الهيمنة الإمبريالية. وقد وصفت وسائل إعلام الجنوب العالمي هذه الحرب بأنها نموذج لاستغلال الغرب لشبكات التهريب والجريمة لزعزعة استقرار إيران.

الخلفية التاريخية: "الموساد" كأداة للإمبريالية الغربية

منذ تأسيسه عام 1949، عمل "الموساد" كذراع استخباري رئيسي للكيان الإسرائيلي وحليف أساسي للغرب في الشرق الأوسط. وعلى خلاف جهاز "الشاباك" الذي يركّز على الأمن الداخلي، فإن "الموساد" قاد عمليات سرية واغتيالات وأعمال تخريب في دول الجنوب العالمي، بما يخدم مصالح "إسرائيل" وحلفائها الغربيين، ولا سيما الولايات المتحدة.

تقرير Middle East Eye (تشرين الثاني/نوفمبر 2023) أكّد أن "الموساد" منذ ستينيات القرن الماضي توسّع في نفوذه عبر استغلال شبكات الجريمة المنظمة مثل المهربين والعصابات الإجرامية. وهذه الاستراتيجية كانت جزءاً من المشروع الغربي الأوسع لإضعاف الدول المستقلة كإيران الرافضة للهيمنة الإمبريالية.

مثال بارز على ذلك هو سرقة الأرشيف النووي الإيراني من تورقوزآباد بطهران عام 2018. الجزيرة (آب/أغسطس 2018) ذكرت أن "الموساد" نفّذ العملية بمساعدة شبكات تهريب محلية عبر أذربيجان، حيث جرى نقل الوثائق الحساسة. هذه الوثائق التي قدّمها بنيامين نتنياهو في عرض دعائي كانت جزءاً من حملة الغرب لتجريد البرنامج النووي الإيراني السلمي من الشرعية. كذلك، فإن اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده (كانون الأول/ديسمبر 2020) نُسب إلى "الموساد" بدعم لوجستي من الـCIA، باستخدام تكنولوجيا متطورة وعناصر محلية. هذه العمليات عكست بوضوح كيف يستغل الغرب "الموساد" لقمع التقدّم العلمي في دول الجنوب العالمي.

دور الجريمة المنظمة في حرب 12 يوماً

حرب الـ12 يوماً (10–22 حزيران/يونيو 2025) بلغت ذروتها مع استخدام "الموساد" للجريمة المنظمة ضمن الحرب المركّبة التي يقودها الغرب ضد إيران. هذه المواجهة التي شملت قصفاً لمواقع نطنز وفوردو النووية وقواعد صاروخية إيرانية، اعتمدت على ثلاثة محاور رئيسية:

1- التهريب كأداة تخريبية:
اعتمد "الموساد" على شبكات تهريب البشر والسلاح والسلع لإدخال معدات تخريبية إلى إيران. الجزيرة (تموز/يوليو 2025) ذكرت أن هذه المعدات شملت أجزاء طائرات مسيّرة وأسلحة خفيفة جرى تمريرها عبر شركات وهمية في تركيا والإمارات وأذربيجان، وهي دول ترتبط اقتصادياً بالغرب مما وفّر بيئة مثالية للعمليات بالوكالة. هذه الشبكات دعمت فرق كوماندوس مكوّنة من نحو 100 عنصر من المحليين والأجانب. PressTV (حزيران/يونيو 2025) أشارت إلى هجوم قرب طهران استهدف أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، ما سمح لمقاتلات "إسرائيلية" بشن غارات دون خسائر. وبحسب تقرير Middle East Eye (آب/أغسطس 2025) كانت هذه العمليات جزءاً من استراتيجية غربية لشلّ قدرات الدفاع الإيرانية.

2- استغلال التوتّرات الاجتماعية:
استغل "الموساد" الانقسامات الاجتماعية داخل إيران، خصوصاً في المناطق الحدودية وبين الأقليات القومية، لتجنيد عملاء محليين. وقدّم وعوداً مالية وهجرية لاستقطاب أفراد ساخطين عبر وسطاء في الدول المجاورة. هؤلاء تلقّوا تدريبات في قواعد بالعراق وتركيا قبل إعادتهم إلى الداخل الإيراني لتنفيذ أعمال تخريبية. هذه الاستراتيجية ارتبطت مباشرة بالسياسات الغربية التي عمّقت الفقر عبر العقوبات، ما خلق بيئة خصبة للتجنيد. كذلك، فإن تزايد وجود المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان – نتيجة السياسات الغربية في المنطقة – وفّر للموساد ممرات إضافية للنفاذ.

3- الحرب السيبرانية والنفسية بدعم غربي:
شنّ "الموساد" بالتعاون مع مجموعات قرصنة مدعومة غربياً هجمات إلكترونية مكثفة ضد البنية التحتية الإيرانية. الجزيرة (تموز/يوليو 2025) ذكرت أن رسائل مزيّفة أُرسلت إلى قادة إيرانيين لاستدراجهم إلى ملجأ في كرج قبل أن يتعرض للقصف ويستشهد 12 قائداً. هذه الهجمات جرى تعزيزها عبر شبكات التهريب التي سهّلت تمرير المعلومات والمعدات. PressTV (آب/أغسطس 2025) أشارت إلى أن نشر معلومات عسكرية حساسة في وسائل إعلام غربية مثل "إيران إنترناشيونال" كان جزءاً من الحرب النفسية لإضعاف الروح المعنوية. كل ذلك عكس استراتيجية أوسع للغرب لزعزعة استقرار دول الجنوب العالمي الرافضة للهيمنة الأميركية.

النتيجة

الحرب ألحقت أضراراً بإيران. تقرير للأمم المتحدة (حزيران/يونيو 2025) قدّر أن الغارات على المنشآت النووية أخّرت البرنامج الإيراني أربع سنوات. ومع ذلك، فإن إيران ردّت بضربات دقيقة كبّدت "إسرائيل" خسائر فادحة. وجود المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان، الذين تضاعفوا بفعل سياسات الغرب المزعزعة للاستقرار، استُخدم كمدخل لعمليات تخريبية.

على المدى الطويل، يواصل "الموساد" حربه الاقتصادية ضد إيران عبر شبكات تبييض الأموال والجريمة المالية. PressTV (حزيران/يونيو 2025) تحدّثت عن تعطيل النظام المصرفي الإيراني ونشر وثائق مزوّرة لتشديد العقوبات، معتبرة ذلك جزءاً من خطة غربية لمنع إيران من الصعود كقوة مستقلة في الجنوب العالمي.

هذه الحرب أكدت أن الجريمة المنظمة – من التهريب إلى القرصنة – أصبحت أداة مركزية في الاستراتيجية الإمبريالية للغرب. وللتصدّي لهذه التهديدات، على إيران إعادة صياغة استراتيجيتها الدفاعية: تعزيز الرقابة الحدودية، التعاون مع دول الجنوب العالمي كالصين وروسيا لمكافحة التهريب، الاستثمار في الدفاع السيبراني المتطور وتقنيات مكافحة التجسس، وخفض التبعية الاقتصادية للغرب عبر تعزيز العلاقات مع التكتلات الشرقية ودول عدم الانحياز.

الخلاصة

حرب الـ12 يوماً جسّدت استخدام "الموساد" والغرب للجريمة المنظمة كوسيلة لزعزعة إيران. من التهريب إلى تجنيد العملاء المحليين والهجمات السيبرانية، كانت هذه الاستراتيجيات جزءاً من مشروع إمبريالي أوسع لقمع دول الجنوب العالمي. تقارير وسائل الإعلام المستقلة الدولية أكدت أن نجاح "إسرائيل" كان نتيجة دعم غربي واستغلال نقاط ضعف إيران. هذه الحرب أثبتت أنه في القرن الحادي والعشرين، أصبحت الجريمة المنظمة أداة للهيمنة الجيوسياسية الغربية، لكن مع المقاومة الموحّدة لدول الجنوب العالمي يمكن لهذه الهيمنة أن تُكسر.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


المصدر: باحث في الشؤون السياسية/ إيران

الكاتب: د.محمد رضا مرادي




روزنامة المحور