الجمعة 24 آذار , 2023 03:27

لماذا تتأخر الاستثمارات الصينية في سوريا؟

الرئيسان الصيني والسوري

في وقت وصلت فيه الصين في استثماراتها إلى المحيط الهندي وأفريقيا وانتشرت في شرق آسيا وغربها ووصلت بحر الشمال وتوسعت في علاقاتها الإقتصادية مع روسيا وإيران والسعودية، فمن المحق التساؤل حول أسباب تأجيل هذه الإستثمارات في سوريا، وهي الطريق الجيوسياسي الأهم والواصل من غرب الصين عبر إيران وصولاً إلى العراق ومنها إلى البحر المتوسط فأوروبا، فما الذي يؤجل وصول الإستثمارات إلى سوريا على الرغم من العلاقة المتميزة بين البلدين؟

في قراءة لتقرير حول الإستثمارات الصينية في سوريا، كتبه كل من تشانغ شين بينغ، وداي جياو من جامعة لانتشو الصينية في العام 2019، والذي تضمن معطيات في أغلبها تعدد أسباب تردد الصين للتوجه للاستثمار في هذا البلد. أحد المعوقات الهامة التي تحدث عنها التقرير، انعدام الأمن ووجود قوى مسلحة على الأرض، والحديث عن تنفيذ القرار 2254، وإيجاد نوع من التوافق السياسي ما بين الحكومة والمعارضة، والقلق حول فرض عقوبات اقتصادية أميركية. ولكن الظروف منذ نشر التقرير تغيرت وخاصة، بعد الحرب الأميركية الروسية في اوكرانيا، وتغير نظام التبادل المالي ما بين الدول التي دخلت على خط الإستثمارت الصينية مما سهل حركة التجارة الصينية وحررها بنسبة كبيرة، إلا أن الواقع الأمني في سوريا لم يتغير منذ 2018 وحتى اليوم.

فهل سيكون هناك استثمارات صينية في سوريا في المرحلة القادمة؟

بالطبع، ستكون هناك استثمارات صينية في سوريا والتحضير لها لم يبدأ من اليوم، بل قبل العام 2012، أي قبل توجه الدولة السورية لشراء السلاح الصيني الذي حاربت به الإرهابيين، أحد العوائق التي تشكل أزمة في طريق الاستثمارات الصينية؟ إنهم مقاتلو الإيغور القادمين من تركستان الشرقية، أو مقاطعة زينغ يانغ الصينية، وهم على علاقة سيئة مع الدولة الصينية وترفض بكين أي نوع من التعامل مع أزمتهم.

استُقدم الإيغور إلى سوريا للقتال ضد الدولة، وقُدمت لهم التسهيلات من قبل التحالف الدولي وبخاصة من قبل الرئيس التركي، حيث حمل قدومهم حلماً أردوغانياً ببناء نوع من التحالف ما بين الشعوب الطورانية. ويتجمع هؤلاء اليوم في مدينة جسر الشغور حيث يشكلون الخطر الأكبر على أي خط من خطوط النقل من العراق وحتى البحر المتوسط. وما يزال هؤلاء يتمتعون إلى جانب المقاتلين التركمان بحماية خاصة من أردوغان، ووجودهم يعد أحد أهم أسباب تأخير العمل على اللإستثمارات في سوريا، بما تسببه هؤلاء من حالة من الفوضى السائدة في الشمال الغربي من سوريا.

بدأنا بالإيغور كي نؤكد أن معوقات الاستثمار الصيني، لم تعد تتعلق بأي حل سياسي في سوريا، إلا إذا تضمن هذا الحل خروج الإحتلالين الأميركي والتركي من الشمال السوري. كلا الإحتلالين في المرحلة الحالية باتا حالة مقلقة ومضنية للأفرقاء الإقليميين والدوليين وللسوريين بالتأكيد. لأن سوريا بعد هذا الصمود فرضت واقعاً جيوسياسياً ثابتاً للمرحلة القادمة، والذي يقول إن الدولة السورية موجودة، وأن أي مرور للمشاريع فوق أراضيها لن يكون إلا بموافقتها، وما غير ذلك فهو مخالف للقوانين والأعراف الدولية، وهذا ما لن تخالفه الصين. ما يعني أنه لا يمكن للصين أن تبدأ بأية مشاريع في شمال الأراضي السورية حيث يحكم الإحتلال التركي، ويخالف القوانين الدولية بانتهاك سيادة الدولة السورية في داخل أراضيها. كما لا تستطيع الصين أيضاً البدء بتنفيذ الاستثمارات المرتبطة بمشروع "حزام وطريق" في الوسط السوري حيث يرتع الإحتلال الأميركي ويعربد في البادية بواسطة أدواته من تنظيم داعش الإرهابي أو جيش مغاوير الثورة، أو أي كانت تسمية الإرهابيين الذين يديرهم.

أما بالنسبة للعامل الإقتصادي المتعلق بالموقف الأميركي، والذي تحدث عنه تقرير العام 2019، فهو يفترض تعرض الصين لعقوبات إقتصادية أميركية عليها إذا ما بدأت بالاستثمار في سوريا قبل إنجاز "التسوية" السياسية فيها. هذا العامل لم يعد بذي أهمية تذكر، منذ أن قررت الدول التي انفتحت على الصين بالتعامل بعملاتها المحلية، وهذا ما حدث مع إيران وروسيا والسعودية، وأما بالنسبة لسوريا فسوف يسير في طريق الحلحلة مع استمرار توافد العرب باتجاه دمشق بعد كارثة الزلزال.

وهنا نعود للتأكيد، إن الحلحلة العربية والدولية التي شهدتها سوريا منذ السادس من كانون الثاني/يناير وحتى اليوم لم تكن نتيجة مباشرة لنتائج الكارثة الإنسانية بعد الزلزال المدمر الذي ضرب شمالها وغربها، ولكن جاء كنتيجة غير مباشرة، والدليل على ذلك هو دخول الصين على خط التسويات والمصالحات من بين إيران والسعودية، وبالتالي ما بين اليمن والسعودية في المرحلة القادمة، وما بين السعودية وسوريا بالتأكيد وخاصة بعد تصريحات وزير الخارجية السعودي خلال الأسابيع الماضية، وهذه التسويات يجري العمل عليها منذ زيارة الرئيس الصيني للسعودية في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي.

هذا العامل سيكون له دور مؤثر وفاعل في إتمام عملية إنجاز مشروع "حزام وطريق" عبر سوريا، والذي باتت الصين في المراحل الأخيرة من إنجازه بعد تحقيقه بالفعل في المحيطين الهادئ والهندي، وإقامة المشاريع المشتركة مع دول المنطقتين، والوصول من مضيق ملقا ما بين المحيط الهندي وبحر الصين إلى مضيق باب المندب وبكل سهولة، وإقامة قاعدة للحماية من القرصنات البحرية في جيبوتي. ومن هنا يمكننا فهم أساس بناء العلاقات السعودية الصينية، التي يجب ان تكون مبنية على أساس الأمن والسلم وليس على أساس الحرب والفوضى. وبعد أن وصل المشروع الصيني عبر روسيا إلى بحر الشمال، فإن الصين بحاجة إلى إكمال دورة طريقها للوصول إلى البحر المتوسط عبر سوريا في آسيا ومصر في أفريقيا. وهنا يجب التأكيد أن هناك حاجة صينية لتمرير المشروع عبر الأراضي السورية قادماً من العراق وإيران، أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد أن ثبت للصين استحالة القيام بإنجازه عبر لبنان، وعبر مرفأ طرابلس بالتحديد. لكن هذا الخط يصطدم بالتواجد العسكري الأميركي في التنف، وفي مناطق شرق الجزيرة السورية.

بالتأكيد هناك حاجة ملحة في دمشق باتجاه بدء الإستثمارات الصينية فيها، وخاصة فيما يتعلق بإعادة بناء وتطوير خط القطار من الحدود السورية العراقية باتجاه حلب وصولاً إلى اللاذقية. ويمكن للمتابع ان يفهم أهمية طريق الـ M4، وأسباب تحرك الجيش العربي السوري في العام الماضي من أجل تحريره من الإرهاب ثم توقف بعد إشارات أرسلتها انقرة حول استعدادها للعمل بشكل جدي مع الدولة السورية، ولكن عادت فتراجعت عن مواقفها مؤخراً. في كل مرة بعد كل اجتماع في أستانة، كانت تتعهد أنقرة بالانسحاب وتسليم الحدود لسوريا، مستغلة الاتفاق للحصول على المزيد من الإستثمارات التجارية مع كل من إيران وروسيا، في الحقيقة أن ما كانت تفعله أنقرة ومازالت تفعله يشبه الإبتزاز.

ويبدو أن خط العمل على أنقرة غير سالك هذه الأيام، خاصة بعد الموافقه على انضمام فنلندا إلى الإتحاد الأوروبي، موجهة طعنة خطيرة لروسيا عبر الموقف الذي اتخذته، والسبب أن أردوغان لم يعط الضوء الأخضر الأميركي للخروج بعد، لأن الإحتلال التركي مرتبط بشكل عضوي بالإحتلال الأميركي. وأردوغان لا يريد مغادرة الشمال السوري وهو ما يزال يناور ويحاول ان يظهر بمظهر الرئيس القوي. وتلعب أنقرة دوراً معيقاً في وجه البدء بالإستثمارات عبر مواصلة دعم المجموعات المسلحة والإرهابية، والتي لا يستطيع أردوغان التخلي عنها في المرحلة الحالية أو حتى التوقف عن دعمها، لأنه ما يزال يعتبرها ورقة مفاوضات ستمكنه من الإحتفاظ بقليل من ماء الوجه، والخروج من سوريا بأقل الخسائر المعنوية. وفي انتظار الخروج ستبقى الإستثمارات الصينية في وضعية الانتظار والتأهب.

ولعل زيارة للرئيس بشار الأسد الى الصين تحسم القرار في بكين، او ربما تطلق عجلة بعض المشاريع والاستثمارات الصينية على نحو تدريجي.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور