الخميس 16 آذار , 2023 05:26

اقتراب سعودي من إيران، دوافع الحدث

إيران والسعودية

يفترض تجنّب تقديم الحدث بوصفه خروج حكام السعودية من العباءة الأمريكية، أو ابتعادهم عنها، لأنّ المسألة ليست على هذا المستوى من التبسيط، فلا السعودي في هذا الوارد، ولا ظروفه الداخلية والخارجية تتيح له التحليق خارج السرب الأمريكي. وفي مسعى الكشف على دوافع هذا الحدث، تطرح فرضيّة تقول، بأنّ هذه الخطوة (بأبعادها الإقليمية) لم تأت خارج التنسيق مع الأمريكي، وإنّما فرضتها تقاطع مصالح أمريكيّة، سعوديّة، إسرائيلية، والتي يمكن استعراضها على الشكل الآتي:

أولاً- أمريكياً: فيما يتعافى الصيني تدريجياً من تداعيات جائحة كورونا، ينحدر الأمريكي وحلفاؤه نحو الغرق في مستنقع حرب أوكرانيا، التي باتت تنذر بتداعيات بالغة الخطورة، قد تأخذ العالم نحو صراع مفتوح ليس من المعلوم خواتيمه، سيّما، في ظل تقارب ينمو بين الصين وروسيا وإيران، والذي سبق لكبار الاستراتيجيين الأمريكيين أن حذّروا منه، وهم الآن يُعلون الصوت بضرورة الإسراع في إيقاف هذه الحرب فوراً، ولو بالمفاوضات. 

إذ تتسارع معطيات الاقتصاد الأمريكي، بوصفه القوة الأفعل في استدامة تحكم إدارته بالعالم، حيث الارتفاع الهائل في المديوينة(31 تريليون دولار) وانعكاساته التي تبرز تباعاً في الداخل الأمريكي، وما يحصل الآن على مستوى انهيار البنوك هو مؤشر لافت، لو استمرت دائرة اتساعه كما تتحدث التقارير لسوف تمتد تأثيراته عالمية. 

أضف إلى ذلك بلوغ إيران مستويات متقدمة من تخصيب اليورانيوم، والتي ما كانت لتحصل لولا الخطوة الغبيّة التي ارتكبها الأمريكي في إلغاء الاتفاق النووي معها، وهذا ما زاد مصداقية الأمريكي افتضاحاً، وأضعف هيبته عالمياً، مقابل صمود إيراني أفشل حصاره اقتصادياً، كما قلّل من فرص الحرب عليه. وبذلك، أصبح العالم أكثر جرأة على تحدّي الغرب الأمريكي.

ثانياً- سعودياً: يجدر التسليم بأنّ حكام السعودية لم ينخرطوا كرهاً في المشروع الأمريكي الذي أدخل المنطقة بصراعات واضطرابات دامية، بل لكونها فرصتهم التاريخية لتحقيق حلم زعامة العالم العربي ثم الإسلامي، التي انتقلت إلى الشام في العهد الأموي، والعراق في العهد العباسي، ومصر في العهد الفاطمي، وإلى تركيا في آخر خلافة عثمانية. ولذلك، أمل السعودي بأن تبلغ تلك الدول حدّ الإنهاك والعجز عن الاستمرار بوصفها الأفعل في التأثير بشؤون المنطقة وأهلها. ولكنّه فشل، حيث يتراجع نفوذه في المنطقة، مقابل تعاظم مضطرد للدور الإيراني.

زاد في ذلك، مآلات الحرب على اليمن، التي كان يراهن عليها بأنّها ستحقق لكل من الأمريكي والسعودي سيطرة على أحد أهم ممرات النفط والطاقة للعالم، فإذ باليمن المستضعف والمنقسم على نفسه يصبح أكثر اقتداراً ويهدد مرتكزات أساسيّة في اقتصاديات دول الحرب الخليجيّة. وهذا ما لا يوفر أرضيّة مناسبة لمحمد بن سلمان بانتقال سلس من ولاية العهد إلى الملكية، كما لا يوفر لآل زايد الحفاظ على تماسك إماراتهم. 

وآخر المحاولات الأمريكية والسعودية لإيقاف الحرب، حصارهم اللبنانيين للضغط على حزب الله، كي يرضخ ويفرض على اليمنيين تقديم التنازلات وكأنّ العدوان لم يحصل. ولأنّهم فشلوا في ذلك، بات سبيلهم الأوحد هو الذهاب نحو المفاوضات. 

ثالثاً- إسرائيلياً: منذ انتصار الثورة، والإيراني واضح في استراتيجياته بوجوب القضاء على الاحتلال الصهيوني لفلسطين، كمقدمة لازمة لتحرر شعوب المنطقة من سطوة الغرب، كما أنّ الأمريكي واضح في استراتيجياته بأن الوسيلة الفضلى للحيلولة دون تحقق هذا الهدف هو في توسيع الهوّة بين السنّة والشيعة، عبر تقديم إيران(الفارسية) الطامع الأكبر بالعالم العربي، كمقدمة لمحاصرتها ثم القضاء عليها. 

يكشف المشهد العام الآن، عن تطورات استراتيجية على الجبهة مع الكيان الإسرائيلي، فخيار التطبيع مع العدو الذي التزمه السعودي وحلفاؤه كمدخليّة لإنهاء القضيّة الفلسطينيّة، بات يعطي نتائج معكوسة، أفصحت عنها دراسات ميدانيّة شملت مجتمعات دول التطبيع، حيث تبيّن أنّ الغالبيّة الساحقة تعارض وبشدّة هذه السياسة. 

بينما بالمقابل، فإنّ الإيراني وحلفاؤه يحرزون تقدماً في خيارهم المقاوم، حيث أثبت هذا الحلف بالوقائع بلوغ الكيان الإسرائيلي مرحلة التهديد الوجودي الجدّي ولأوّل مرة منذ إنشاءه، لأنّه فقد قدرته الردعيّة بوصفها العصب الذي أمدّ كيانه بقابليّة البقاء، فهو المهدّد بالتفكك على جبهته الداخليّة، بعدما ضعف على جبهته الخارجيّة.       

تخلص هذه الفرضية إلى أنّ ترميم نفوذ هذا الحلف الأمريكي في الإقليم، بات يستوجب القيام مسبقاً بخطوتين: 

1- الذهاب نحو التفاوض وعقد التفاهمات لتخفيف مستوى الحرائق في المنطقة( أمنياً- سياسياً- اقتصادياً) وبشراكة صينية، فالمبادرة تتيح للحلف فرصة نيل صفة المنقذ، الحريص على السلم والاستقرار الاقتصادي. 

2- محاصرة الاتجاه اليميني المتصاعد في الكيان الإسرائيلي بوصفه يعطي مشروعيّة أكثر لمحور خيار المقاومة مقابل الحرج الشديد لمحور خيار التطبيع.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع



روزنامة المحور