الإثنين 06 آذار , 2023 04:07

الدراما السياسية العربية: عندما يصبح التضليل من شيم المواطنة!

الدراما السياسية السعودية- مسلسل معاوية نموذجاً

الواقع أنّ العلاقة بين الدراما والثقافة حتمية، الكثير مما يجعل الفنون الدرامية مثيرة للاهتمام هو التفاعل بين البشر. تحظى الدراما الرومانسية بشعبية لأن شخصياتها يحاولون ويسعون أفضل ما يمكن. وأفلام الحرب والحركة تربط بين الشخصيات والسياسة كما تربط بين الإعلام والبروباغندا. أما الدراما السياسية فإنها تعكس التفاعلات التي تؤثر على أمة بكاملها، وأحيانًا العالم بأسره. ربما لم تنتشر بعد الدراما السياسية في الدول العربية كما تنتشر بشكل واسع في الدول الغربية. لكن يبدو أنها تفطّنت لها في الفترة الأخيرة.

منذ ما قبل التلفاز، كانت المسارح تشهد على الأزمات السياسية. ويمكن اليوم معرفة لمحات من الحقائق التاريخية السياسية كما لم يذكرها تدوين التاريخ السياسي، بل كما رمّزتها المسرحيات، أو... كما أراد الحاكم أن يفهمها الشعب.

العلاقة بين السياسة والثقافة والمال

العلاقة بين السياسة والثقافة معقدة، تمامًا كما هو تأثير الأزمات السياسية على الدراما الممولة. بالطبع فإن الأطراف المنتجة، لن تقدّم سرديات تعارض ترويجها السياسي، بل ستسعى إلى الترويج السياسي من خلال الدراما، التي يفترض أن تؤدي إلى وعي سياسي راسخ، بشخصية معينة، أو قضية معينة.

 لقد شهدنا مؤخرًا التمويل الخليجي لمسلسلات الدراما السورية الرمضانية التي يفترض أن تكون اجتماعية، كيف تمّ تسييسها من خلال تظهير الوقائع وتفاعلات الناس مع الواقع الاجتماعي الذي تحلّ عليه أزمة سياسية أدت إلى حرب، بحسب البروباغندا التي قدمتها هذه الدول في خطاباتها، والرواية السياسية المضللة التي قدمتها عبر تقاريرها الإعلامية. لقد أبدعت هذه الإنتاجات الفنية في تسليط الضوء على ثغرات في النظام السوري وتضخيمها وجعلها قضايا عامة، كما لم تتمكن مئات المنصات الإعلامية من فعله على مدى سنوات الحرب. لقد تعلّمت الحكومات العربية، ولو مؤخرًا، توظيف الدراما في السياسة، كان مسلسل بيت صدام وهو مسلسل من انتاج MBC السعودية وشركة HBO البريطانية، والذي يتناول سقوط الرئيس العراقي الذي أطاح به الغزو الأمريكي صدام حسين.

كانت تعليقات النقاد أن المسلسل أظهر الرواية كما يريدها الغرب، وأخفى الكثير من الحقائق التي تدين جرائم الاحتلال في أبو غريب وقتل الأطفال وسرقة الآثار واغتصاب النساء. لكن هل تعلم ما كانت ردة فعل المحطة التي عرضت المسلسل على ردود الأفعال؟ لقد دعت إلى "التعوّد على مشاهدة مثل هذه الأعمال الفنية والروائية دون تشنّج أو مغلاة، وبمبدأ النسبية والاعتدال"! واستدلت القناة على ذلك برأي المخرج التونسي "المثقف" شوقي الماجري الذي قال إن هذا المسلسل "عمل لا يقيم الا من حيث مستوى قيمته الفنية". من جهته اعتبر الناقد السينمائي "المثقف" خميس الخياطي أن "المطالبة بحجب ومنع البث مهما كان السبب ليست من شيم المواطنة والتحاور السلمي في شؤون الدين والدنيا"، منتقدًا من وصفهم بجوقة القومية العربية قائلًا أنّ "ما من أحد اعطاهم شرعية السماح بالبث أو منعه"، وهنا يبرز السؤال، هل كمّ الأفواه من شيم المواطنة والتحاور السلمي؟ أم أنّ الأفواه إذا كانت قومية يتمّ سحب الجنسية العالمية منها!

تزوير الوعي السياسي بقالب من الترفيه

في التحليل النفسي، يحصل الناس في الدراما السياسية على حقيقة أن مصيرهم يمكن أن يحدّده أشخاص لديهم نفس الشياطين مثلهم، مما يعني أن حكامهم غير معصومين من الخطأ كما تحاول المغالطات المنطقية أن تقنعهم. باختصار، هذا هو المزيج الذي يجذب الانتباه تمامًا. فمن خلال هذه الأعمال الدرامية، نرى أن السياسيين يمرون بنفس مجموعة المشاعر مثل أي شخص آخر. في الواقع، الأمر متروك للكاتب لتحديد نطاق العاطفة، هذا المزيج من المشاعر الإنسانية والقوة العظمى في الواقع يصنع مزيجا آسرًا، ويمكن أن يقنع الناس أن شخصية سياسية معينة، وهي في الواقع شخصية ماكرة، بأنها شخصية براغماتية لامعة وذكية مثلًا، ويتمّ تبرير أفعالها وتصرفاتها من خلال تحليل الوقائع وإبرازها بشكل عاطفي، تمامًا كما يتمّ تبرير الخيانات الزوجية، ويتحوّل الجاني إلى ضحية في الدراما الاجتماعية. وهنا تكمن خطورة أن تزوّر الوعي السياسي بقالب من الترفيه. إذ لم يُذكر عن أداة يمكنها أن تجذّر فكرة ما في العقل الجمعي أكثر من الدراما. لقد استطاعت هوليوود أن تجذّر فكرة أمريكا العظمى في العقول الجمعية تقريبًا لكافة الأمم. ولم يتمكن أحد من نزعها من الوجدان الشعبي لحدّ الآن.

من يملك الإنتاج تدور معه الحقائق التاريخية كيفما دار

تخيّل أن المسلسل المرتقب والذي أثار الجدل مؤخرًا على مواقع التواصل، وهو مسلسل معاوية، وهو شخصية تاريخية سياسية، قد تمّ انتاجه في فترة تاريخية، لم تنفتح فيها الناس على بعضها، ولم تكن تملك الثقافة التاريخية والدينية التي تملكها الآن، ألم تكن لتصدّق سرديّات هذا المسلسل وعنوانها بحسب الإعلان "صحابيّ جليل"؟ الواقع أنه ليس في التاريخ الإسلامي السني والشيعي، من يقول إنّ معاوية كان صحابيًا جليلًا، إنه لم يكن صحابيًا حتى. لقد كان ملكًا مريدًا للسلطة، وتمكّن من التوسّع من خلال ما يسمى "الفتوحات الإسلامية".

إذًا ما الذي يمكن أن نتكهّنه عن هذا المسلسل الذي لم تعلن بعد الـ MBC رسميًا بأنها ستعرضه؟ وما الذي تريد أن تقوله مملكة آل سعود للناس من خلال إعادة طرح شخصية تاريخية إشكالية بهذا الحجم، في الوقت الذي تتجه فيه نحو الليبرالية؟ أتوقّع أن يتم تزوير الوعي السياسي بقالب من الدراما العاطفية، وأن تكون ثيمته عن الواقعية السياسية لدى معاوية الذي كان حاكمًا مكيافيليًا قبل أن يخلق مكيافيلي، وتحليل التاريخ على أنّ من تحلى بالواقعية السياسية فقط هو من تمكّن من الفتوحات الإسلامية وأدخل الإسلام إلى أوروبا، وكل ذلك بهدف إيجاد شبيه لمحمد بن سلمان في التاريخ الإسلامي، الذي على الرغم من فسقه ومكره وتعذيبه للمؤمنين، قدّم خدمات كبرى للإسلام، وبالتالي فإن الجمهور السعودي الذي طالما كان ملتزمًا دينيًا، سيفهم أن الواقعية السياسية تستدعي ما يفعله بن سلمان في السعودية، والجماهير العربية، ستُعجب بمحمد بن سلمان الفاتح أميرًا عليها. وهو الأمر الذي تسعى إليه السياسة السعودية الخارجية في الفترة الأخيرة، وهو أن تلعب السعودية دور مفتاح الإقليم والدول العربية كلها.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور