الخميس 23 شباط , 2023 03:59

هل يستطيع نتنياهو فعلاً تنفيذ تهديداته ضد إيران؟!

نتنياهو

بات هناك قناعة راسخة لدى العديد من المتابعين للشؤون السياسية والعسكرية مفادها: من يريد الحرب لا يهوّل بها بل يبدأ بها. وهذا ما يمكننا استنتاجه، من التهديدات الأخيرة التي وجهها رئيس حكومة الكيان المؤقت بنيامين نتنياهو ضد إيران، سواءً في مناسبات علنية أو عبر تسريبات صحفية.

فبالأمس الأربعاء، تداولت وسائل إعلامية إسرائيلية خبراً مفاده، أن نتنياهو عقد 5 اجتماعات سرية ذات طابع أمني وعسكري، منذ انتخابه رئيساً للحكومة نهاية العام 2022، تقرر خلالها رفع مستوى الاستعداد والجاهزية بشكل كبير للقوات العسكرية للكيان، من أجل شن هجوم على المنشآت النووية في إيران. مضيفةً بأن نتنياهو حرص على إطلاع إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن على تفاصيل المداولات في تلك الاجتماعات، عن طريق كل من وزير خارجيته أنتوني بلينكن، ومستشاره للأمن القومي جيك سوليفان، كما جرى إطلاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وغيره من القادة الأوروبيين عليها، مع تهديد نتنياهو بإنه إذا لم يتمكنوا من التعامل مع التطورات في إيران (مع تحديد مستوى تخصيب اليورانيوم بـ 90 %)، فستضطر إسرائيل حينها إلى التحرك بمفردها.
كما تعهد نتنياهو بالأمس أيضاً خلال ندوة سياسية ضمن مؤتمر "هيرتوغ" للأمن القومي عقدت في القدس المحتلة، بأنه سيفعل كل ما في وسعه لمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، وذلك ليس فقط لمصلحة كيانه، بل لمصلحة العالم كله وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية. لكنه في معرض حواره مع البروفسور الأميركي وولتر راسل، بحضور وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، والسفير الأميركي السابق ديفيد فريدمان قال بأن تجربة التاريخ أثبتت أن السبيل الوحيد لمنع من وصفهم بالدول المارقة من تطوير سلاح نووي، هو في توجيه ضربة عسكرية جدية، أو في توجيه تهديد موثوق بتنفيذ ضربة عسكرية جدية.

واستدل نتنياهو على ذلك من خلال تجارب الكيان ضد العراق وسوريا، وتجربة أمريكا مع ليبيا، وعدم حصول ذلك وما أثره على امتلاك كوريا الشمالية لهذه الأسلحة (وهو ما ينافي الواقع تماماً فالأخيرة تعاني خلال عقود من كل أشكال الحصار والترهيب وصولاً الى عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي جمع أقصى أشكال الترهيب مع أقصى أشكال الترهيب ولم يستطيعوا منع بيونغ يانغ من إيقاف هذا البرنامج). أما بما يتعلق بالبرنامج الإيراني فقد ناقض نتنياهو نفسه بنفسه، حينما ادعى بأنه جرى صد البرنامج في العام 2003 وأوقف عندما أدرك الإيرانيون بأن أمريكا ستتخذ إجراءات صارمة، ليعود ويقول بأنه تبين "أنهم لم يتخلوا عنه، وأنهم قاموا بتطويره سراً تحت لافتة معاهد أبحاث مدنية".

حرب نفسية إعلامية للداخل والخارج لا أكثر

يجمع الخبراء العسكريون على أن إسرائيل لا يمكنها ولا تستطيع بمفردها شن هجوم جوي على المنشآت النووية في إيران، وأنه لو كان باستطاعتها ذلك لفعلته منذ البدايات، وليس الآن بعد كل التقدم والتطورات العسكرية والاستراتيجية التي وصلت إليها الجمهورية الإسلامية خلال السنوات الماضية. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، خلال حرب تموز / يوليو من العام 2006، نفذت ذخيرة جيش الاحتلال خلال 10 أيام من بداية الحرب، ما استدعى منهم طلب الإمداد السريع والعاجل بالذخائر والصواريخ، عبر جسر جوي أمريكي، من مختلف القواعد العسكرية الأمريكية، وإلا لن يستطيعوا استكمال حربهم. فهل تستطيع أمريكا تأمين ذلك اليوم، في ظل ما يجري في أوكرانيا؟!

وهذا ما يمكننا استنتاجه أيضاً، مما جرى مؤخراً خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان المؤقت. فقد كشفت مصادر خاصة للخنادق، بأن الأمور كانت متوجهة نحو الحرب حتماً بين حزب الله والكيان صبيحة أحد الأيام، عندما أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية سماحها لشركة "انرجين" بالبدء بالاستخراج. فكان إيعاز الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الواضح والحاسم للمقاومين، بتنفيذ ما هو مطلوب منهم فور بدء الاستخراج. لكن ما حال دون ذلك، تدخل القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لدى سلطتهم السياسية، لمنع تنفيذ قرار وزارة الطاقة لأنهم مدركين للنتائج الكارثية لأي حرب مع حزب الله، حتى أن الملف برمته بات وقتها بإدارة جيش الاحتلال حينها. وتضيف المصادر بأن الجيش ضغط أيضاً على القضاء في الكيان، لمنع إصدار أي قرار يؤدي الى نقض ما تم الاتفاق اليه، وإلا فليتحملوا مسؤولية وقوع الحرب.

إذا فالكيان العاجز عن مواجهة حزب الله، فكيف له المغامرة بخوض مواجهة عسكرية مع إيران؟!

أما تهديدات نتنياهو، فلا يمكن ردّها سوى لما يعيشه الكيان من مشكلة داخلية خطيرة هذه الأيام، على خلفية تداعيات خطة حكومته للإصلاح القضائي، بحيث يقود معارضيه من القوى السياسية المدعومة أمريكياً، مظاهرات وتحركات جدية ولافتة، استطاعت خلق رأي عام لدى المستوطنين ضده، وأظهرت انقساماً كبيرا في الكيان. لذلك يحاول نتنياهو بشكل ما إنهاء حركة المعارضة ضده، عبر تحذيرهم من العدو الخارجي والوجودي لهم. كما يريد تهديد الإدارة الأمريكية التي لا ترغب حالياً بإشعال الوضع في المنطقة (حرب إقليمية)، لأنها منشغلة بالساحة الأوكرانية وساحة التنافس الاستراتيجي مع الصين، لكي تضغط على حلفائها من القوى السياسية الإسرائيلية لإيقاف تحركاتهم.


الكاتب: علي نور الدين




روزنامة المحور