الإثنين 22 آب , 2022 04:23

هزيمة العام 2006 بعيونهم!!

لا شك بأن هزيمة الكيان المؤقت في حرب تموز العام 2006، قد حفرت بعمق في وعي جنوده وضباطه، بل حتى في وعي سياسييه وخبرائه العسكريين واعلامييه. وهذا ما تظهره كتاباتهم حولها، منذ انتهاؤها الى يومنا هذا، بحيث نتلمس منهم كيف أكدّت لهم تلك الحرب، أن جيشهم دخل عصر العجز أمام حركات المقاومة في لبنان وفي فلسطين أيضاً.

لذلك سنستعرض في هذا المقال بعضاً مما تم رصده من شهادات لجنوده وضباطه، الذين شاركوا في تلك الحرب، كما سنورد شهادة لإحدى المستوطنات الناشطات وما استخلصته من هذه التجربة.

الجندي "عمري غينزبرغ - Omri Ginzburg"

عمري غينزبرغ الذي كان نائب قائد سرية في الكتيبة 53، التابعة للواء 188 (لواء "باراك" المدرع)، خلال عدوان تموز 2006 يقول في مذكراته التي نشرت في كتاب تحت عنوان "ذلك الذي هناك في الخارج" ("هَهو شام بَحوتْس"، "ההוא שם בחוץ"):

"خلال حرب لبنان الثانية، دخلت إلى أعماق الأراضي اللبنانية برفقة الدبابة والسرية.

التقطت هذه الصورة في نقطة تجمع للدبابات، فور العودة إلى "إسرائيل"، وإعلان وقف إطلاق النار.

أتذكر جيدًا الشعور الذي رافقني: أنا محظوظ لأنني خرجت من هناك على قيد الحياة.

لدي الكثير من الكوابيس (بسبب الحرب)، تقريبًا كل يوم... أحيانًا أبقى مستيقظًا حتى الصباح. لقد مرت أكثر من خمسة عشر عامًا على الحرب، والآن فقط أستطيع أن أعترف بأنني أبلغ من العمر 37 عامًا وأخشى الظلام. كل ظلام، حتى الظلام الذي ساد منزلي الليلة الماضية وربما الظلام الذي سيخيم مساء اليوم".

أمّا عن مهمته التي كانت في منطقة بنت جبيل فقال:

"كعادتي كل يوم، اطّلعت على حالة الطواقم العسكرية... "أفيعاد" جندي المدفعية لا يبدو جيدًا. بعد اطلاع الطاقم على المهمة التي تنتظرنا الليلة (في منطقة بنت جبيل)، طلب مني "أفيعاد" مغادرة منطقة القتال والعودة إلى "إسرائيل" قائلاً: أريد أن أعود إلى المنزل وألا أعود إلى هنا ثانية"، وبدأت الدموع تتساقط على خديه المغبرين. وتابع بصوت مخنوق: أنا آسف للغاية لأنني أحبطك. لكنني خائف ولا أريد أن أموت.

أجبته بشكل حازم أنني بحاجة إليه ولا يمكنني الاستغناء عنه... حاولت حثه على تنفيذ المهمة، وأخيرًا وعدته بأنني سأخرجه قطعة واحدة. لا أظنه اقتنع، لكنه فهم أنه لا يوجد خيار آخر".

ثم استعرض "عمري" ما جرى معه من لقاء مع أحد الضباط الذي يدعى "جدعون":

حدثته عن الأيام التي تلت الحرب، وكيف ألقونا لعدة أسابيع في بستان بالقرب من "أفيفيم" إلى أن غادر الجيش الإسرائيلي جميع الأراضي اللبنانية وأغلق البوابة خلفه. سألني جدعون عن الحالة المزاجية للجنود في السرية بعد وقف إطلاق النار، وأخبرته أن لا أحد استوعب حقًا ما مررنا به في لبنان.

"وهل استمريتم في القيام بنشاطات عملياتية داخل لبنان حتى بعد الحرب؟" سأل جدعون. "استمر الجنود. أما أنا فبالكاد قمت بذلك"، أجبته وتذكرت كيف تهربت من الدخول المتكرر إلى لبنان. "ألم تقد السرية في هذه المرحلة؟ أخبرتني أن قائد السرية أصيب ونُقل إلى المستشفى". الصور التي كنت قد نسيتها مرت أمامي، لكنني وجدت صعوبة في العثور على الكلمات. أخيرًا أجبته: "لقد قمت بقيادة السرية، لكنني بذلت قصارى جهدي لكيلا أصعد على دبابة وأعبر الحدود". جدعون، الذي كان ضابطًا في سلاح الهندسة القتالي، تفاجأ من الإجابة وواصل طرح تساؤلاته: "وهل نجحت بذلك؟" فأخبرته عن المرة الوحيدة التي دخلت فيها إلى لبنان بعد الحرب وكيف ظلت ساقي ترتجف حتى عبرنا الحدود عائدين إلى "إسرائيل"..."

الجندي الصهيوني "روي غريلاك Roy Grilak"

كان ضمن صفوف الكتيبة 931 التابعة للواء "الناحل" خلال عدوان تموز 2006:

"ما زلت أتذكر كل التفاصيل الصغيرة للحدث، كما لو أنه حصل بالأمس...

في 12 آب 2006، في الليلة الواقعة بين الجمعة والسبت، وصلنا إلى أطراف قرية الغندورية في الساعة الثالثة صباحًا، حيث نصب حزب الله لنا كمينًا محكمًا وهاجمنا من أربعة اتجاهات مختلفة... الشيء المؤكد أنهم لو أنتجوا فيلمًا هوليووديًا حول ما حدث، فإنه سيفوز بجائزة الأوسكار... كانت المعركة شاقة ودموية... استمرت لساعات طويلة وغيرت حياة الكثيرين... كان لي 'الشرف' أن أشتبك وجهًا لوجه مع 'مخربين' اثنين، وأصبت بخمسة رصاصات في جسدي... أثناء المعركة قتل جنديان وأصيب خمسة وأربعون آخرون... لن أنسى أبدًا صراخ الجنود عندما أصيبوا..."

الناشطة الصهيونية "عيريت شمير Orit shamir"

في مثل هذا اليوم قبل 16 عامًا، في 12 تموز 2006، اندلعت حرب لبنان الثانية...

كان من الممكن أن تكون عمليات اتخاذ القرارات وتسلسل الأحداث قبل وأثناء هذه الحرب مضحكة، لو أنها حدثت في بلد آخر.

بدأت الحرب بقصف، وفي نفس الوقت بهجوم بقيادة عماد مغنية، قتل فيه 3 جنود وخطف "غولدفاسر" و"ريغيف".

بعد مرور 45 دقيقة عَلِم الجيش "الإسرائيلي" بالهجوم، وصل إلى المكان وأعلن عن توجيه "حنبعل". وعندما وصل الجيش، أُدخلت دبابة "ميركافا" إلى الأراضي اللبنانية في محاولة لتحديد مسار الاختطاف ومنعه. وسرعان ما داست الدبابة على لغم، كما لو كان مغنية جالسًا داخل رأس قائد اللواء، وقتل 4 جنود آخرين.

عُرف لاحقًا أن الجيش "الإسرائيلي" قدّر بعد وقت قصير جدًا من الاختطاف أن "ريغيف" و"غولدفاسر" لم يعودا على قيد الحياة. تقرير الجيش "الإسرائيلي" حول هذا الأمر تم إخفاؤه عن رئيس الوزراء "أولمرت" لمدة شهر على الأقل...

الحكومة "الإسرائيلية" من جهتها اجتمعت في نهاية ذلك اليوم، وبعد ساعتين خرجت بقرار، كتبت عنه لجنة التحقيق التابعة للقاضي "فينوغراد" الكلمات التالية التي لا تصدق ولا تنسى:

"في الساعة 10:30 من مساء تلك الليلة، وبعد اجتماع استمر لمدة ساعتين، قررت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع الشروع في حرب لبنان الثانية. الحكومة لم تكن تريد الحرب، ولم تكن تنوي خوضها، ولم تكن تعلم أنها كانت في طريقها إلى الحرب. فقط في آذار 2007 قررت الحكومة رسميًا أن تلك العملية كانت حربًا".

فيما بعد قال "يوسي سريد" عن "أولمرت": إنه الشخص الوحيد في التاريخ الذي فوجئ بالحرب التي بدأها بنفسه...

في اليوم الخامس للحرب، عرض "أولمرت" في الكنيست الأهداف الرئيسية للعملية: إطلاق سراح "ريغيف" و"غولدفاسر" كهدف مركزي، بالإضافة إلى نزع سلاح حزب الله وإبعاده عن الحدود.

ممم... نعم... كما تعلمون، تم تحقيق جميع الأهداف. حسنًا، الأهداف لم تتحقق. ما المشكلة؟

ستذكر حرب لبنان الثانية كحرب فن شعر ("بويطيقا") "غال هيرش" الذي قال ذات مرة:

"أتخيل كل ألوية الفرق تدخل بهدوء إلى لبنان ليلاً، وعندما يستيقظ حزب الله في الصباح... هم محاطون بمقاتلين من الجيش الإسرائيلي". كيف سيتم هذا؟ أوه، الأمر بسيط: بهدوء. إمدادات المشاة، على سبيل المثال، سيتم نقلها على ظهر الألبكة (الحيوان من جبال الأنديز، وليس مركبة قتالية مدرعة تابعة للجيش "الإسرائيلي")...

اعترف "هيرش" أنه في مرحلة معينة من الحرب شعر هو أيضًا بالارتباك بسبب الاستخدام المتكرر لمفاهيم غامضة، وفي شهادته أمام لجنة "فينوغراد"، تحدث كيف أعرب عن إحباطه للرتب الأعلى منه: "ماذا تريدون مني أن أفعل؟ أن أحتل؟ أن أقتحم؟ أن أخرج، أن أدخل؟"...

جندي الاحتياط "آفي ليفشيتز - Avi Lifshitz "

نختتم بكلمات جندي الاحتياط "آفي ليفشيتز"، في الفيلم "لتعرف كل أم" (تيدع كول إيم/תדע כל אם) للمخرج "نير تويف"، حول اجتماع الجيش مع جنود الاحتياط:

"وقفت على قدمي وقلت أريد أن أعرف من يكذب عليّ هنا. قالوا لي ليفشيتز ليس من الجيد قول من يكذب، يجب أن تقول من هنا لا يقول الحقيقة. قلت لا يهمني، هناك شخص ما يكذب هنا وأريد أن أعرف من يكذب علي".

عزيزي "ليفشيتز": الجميع، الجميع يكذب!!


الكاتب: علي نور الدين




روزنامة المحور