الإثنين 13 حزيران , 2022 02:54

مواجهة روسيا للعقوبات: إيران نموذج يحتذى به

عبداللهيان ولافروف

خلال الأيام الـ5 الأولى للعملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة حزمة من العقوبات طالت البنك المركزي وشركات استثمارية وتجارية ضخمة وشخصيات مهمة في الدولة وعلى رأسها فلاديمير بوتين. وبما أن هناك من سبق روسيا على خوض هذه التجربة منذ أكثر من 40 عاماً وقد نجح في الالتفاف على العقوبات والحفاظ على تحقيق نموه وتقدمه وفي مجالات شتى خاصة العسكرية منها، بدا خيار الاستفادة من هذه التجربة هو الأكثر واقعية والأكثر جدوى خاصة وأن إيران معادية تماماً لكل أشكال الهيمنة الأميركية.

وكالة بلومبرغ للأنباء أشارت في مقال لها إلى نصيحة للشركات الروسية حول التكيف مع العقوبات والنجاة منها. حيث يقدم هذه النصيحة مؤسس واحدة من أولى الوكالات الإعلانية في إيران، التي تركز على العمل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يضيف أن "الأمر سيكون قاسياً".

الرئيس التنفيذي لوكالة "كليك للتصميمات والابتكار" أحمد نوروز، قال إن "الأمر استغرق بعض الوقت لتقبل فكرة أن عملاء الوكالة من الشركات متعددة الجنسيات ذهبوا إلى غير رجعة، ولكن وكالته سرعان ما عثرت على بدائل محليين، ورغم ذلك ظلت المعضلة: تدهور العائدات السنوية من 2.3 مليون دولار قبل إعادة فرض العقوبات على إيران في 2018، إلى 285 ألف دولار حالياً".

وتشير بلومبرغ إلى أن "حجم الاقتصاد الروسي هو سبعة أمثال نظيره الإيراني. ومع ذلك، تقدم إيران التي يبلغ عدد سكانها 84 مليون نسمة، لروسيا أقرب دراسة حالة لما يمكن أن يحدث مستقبلا في ظل العقوبات التي فرضت على موسكو إثر غزوها لأوكرانيا".

وتعرضت طهران لحظر وعقوبات اقتصادية منذ أزمة الرهائن الأمريكيين في عام 1979، وزادت هذه العقوبات شدة منذ الكشف عن البرنامج النووي، السري لطهران حسب بلومبرغ وأدت العقوبات مرتين إلى انفصال شبه كامل لاقتصاد إيران عن الاقتصاد العالمي، وكان ذلك في عامي 2012 و2018، وكلفها ذلك خسارة 5% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في العامين التاليين.

والدرس الرئيسي الذي استوعبه مسؤولو روسيا بشغف، -حسب الوكالة- هو بقاء الدولة والنظام، دون الإذعان فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وربما تقدم التجربة الإيرانية مزيداً من النصح لروسيا، من تهريب التقنيات الصناعية على نطاق واسع، إلى استغلال ثغرات العقوبات.

وقال مسؤول روسي كبير إن زملاءه يعقدون مقارنات بشكل متزايد مع تجربة إيران كمنتج رئيسي للنفط يخضع لعقوبات. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته بسبب حساسية الموضوع، أن الحياة ستكون صعبة في بداية الأمر، ولكن الاقتصاد سيأخذ في النمو لاحقا، كما حدث في تسعينات القرن العشرين عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، مؤكداً أن "العقوبات ليست مخيفة إلى هذا الحد".

وهذا صحيح إذا تعلق الأمر بالتجربة الإيرانية، فلقد تكيف الاقتصاد مع العقوبات، واستمرت الحياة. ولكن التكلفة كانت باهظة فيما يتعلق بالظروف المعيشية، وإمكانات تحقيق النمو.

ونجحت جهود تعويض الواردات في ظل العقوبات ولكن بشكل جزئي. ولم تستطع إيران، على سبيل المثال، شراء طائرات حديثة، ووقفت تشاهد في حسد روسيا، وجارتها تركيا، وهما تقومان بشراء أو تأجير أساطيل من الطائرات لتطوير النقل الجوي الوطني لديهما، وتوسيع تجارتهما الخارجية وتعزيز نفوذهما.

وتتابع الوكالة أنه على "إثر توقيع الاتفاق النووي عام 2015 بين إيران والقوى الغربية، أعلنت طهران عن مشروع بقيمة 40 مليار دولار لشراء أسطول خاص من طائرات البوينغ وإيرباص. ولكن المشروع ذهب أدراج الرياح، مع ما أصاب الاتفاق لاحقا، عقب انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه في 2018، وأعاد فرض العقوبات على إيران".

وبنهاية عام 2019، كان تأثير العقوبات على إنتاج وتصدير النفط قوياً، ولكنه بدأ في التعافي خلال العام الجاري، حيث تحوّل انتباه أمريكا إلى روسيا. وقامت روسيا بتعديلات نتيجة لأنها كانت هدفا للعقوبات الأمريكية والأوروبية منذ قامت موسكو بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، رغم أن هذه العقوبات وصلت هذا العام لمستوى تلك التي كانت فُرضت على إيران. وإلى جانب ذلك، هناك بالطبع اختلافات شاسعة بين إيران وروسيا، فالأخيرة دولة أكبر بكثير من حيث المساحة، وهي مسلحة نووياً ويبلغ عدد سكانها أكثر من 144 مليون نسمة.

وتقول الوكالة أن "روسيا أكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي، وهو ما يعني أن خسائرها ستكون أكبر من خسائر إيران، حال انفصالها عن العالم. وقد انهارت بالفعل صناعة السيارات القوية في روسيا نتيجة الاضطراب القوي في سلاسل الإمدادات المتعلقة بالصناعة". ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل الاقتصاد الروسي انكماشا بنسبة 8.5 في المئة هذا العام.

وفي ظل العقوبات على إيران، كانت الصين عاملا رئيسيا لاستمرار صادرات طهران من النفط، بحسب ما نقلته بلومبرغ عن همايون فلك شاهي، المحلل البارز في مجال النفط والغاز الإيرانيين بشركة "كبلير" لبيانات السلع والتحليلات، والذي يرى أن ذلك درساً قد استخلصته روسيا بالفعل لنفسها.

ورغم ذلك، هناك بعض المجالات التي يمكن لخبرة إيران في مجال العقوبات أن تقدم درسا أو اثنين لروسيا.

والدرس الأول هو أنه بينما يمكن للإعفاء من العقوبات وارتفاع أسعار النفط تحييد التداعيات على إيرادات الموازنة، ستتفكك هذه الدفاعات بمجرد انخفاض الأسعار. أما الدرس الثاني، فهو يتعلق بالشبكة المعقدة التي أقامتها إيران للتحايل على العقوبات.

ومن المهم أيضا الخبرة التي اكتسبتها إيران في تناوب إغلاق آبار النفط لديها، حيث يمكن حدوث أضرار دائمة للآبار حال استمر الإغلاق عدة أشهر.

وفي ظل وجود عمليات إنتاج النفط الروسي شمالي الأورال، حيث الشتاء القارص، تصبح المشكلة أكثر حدة من صحاري إيران الساخنة، حيث يظل النفط الخام أقل لزوجة. وقال فلك شاهي، إن “مثل هذا الخفض الكبير في الإنتاج لم يحدث مطلقا في روسيا.” ومن شأن درجات الحرارة المنخفضة، وتعرض روسيا لمزيد من اضطرابات سلاسل التوريد العالمية، خلق تحديات أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم تشهدها إيران.


المصدر: بلومبرغ




روزنامة المحور