الثلاثاء 22 شباط , 2022 01:42

أمريكا: استهداف سوريا من بوابة الوضع المعيشي

أمريكا والوضع المعيشي في سوريا

تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي بأخبار سوء الأوضاع المعيشية والإعتراضات على قرار الدولة السورية من كل حدب وصوب. وحين انطلقت، منذ أسبوع تقريباً، مظاهرة في السويداء مع إعلان الحكومة قرار رفع الدعم عن بعض المستفيدين من مختلف البطاقات التموينية وبنسب مختلفة، وخاصة بعد شيوع خبر تخفيض عدد ربطات الخبز المدعومة من قبل الدولة، ساد على الفيسبوك الهرج والمرج.

خلال مكالمة هاتفية، أفاد أحد أهالي السويداء، أن ما حدث هناك منذ أيام كان تظاهرة مكّونة عن "100- 200 شخص لا يمثلون محافظة" يتجاوز عدد سكانها 650 ألف نسمة. ويتابع المصدر، 100 شخص ممن تجمعوا أمام "مقام عين الزمان"، مقام الرئاسة الروحية في المدينة، والباقون إما مارة وإما متفرجين، لأن موقع المقام يقع قرب تقاطع محوري في المدينة. ويستغرب ابن السويداء أن يتجمع الناس أمام "مقام عين الزمان" من أجل المطالب المعيشية في حين أنهم يستطيعون التظاهر امام المحافظة، و"يعني ذلك أن هناك من يلعب طائفياً"!

هذا الكلام مرتبط بأمرين إثنين: الأول له علاقة بما كشفته هيئة المخابرات الروسية في 8 شباط/ فبراير من هذا العام، ومفاده أن الإستخبارت الأميركية تنوي دفع "المتطرفين أو الإرهابيين" لمهاجمة القوات السورية والروسية والإيرانية في دمشق واللاذقية، وذلك بهدف المحافظة على الوجود الأميركي على الأراضي السورية. كما أن المخابرات الأميركية ستستغل الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية الصعبة في سوريا من أجل الدفع نحو تجديد المظاهرات المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، وتأجيج المعارضات عبر وسائل التواصل الإجتماعي. وأنه من أجل تحقيق أهداف الإستخبارات الأميركية في إعادة الفوضى فإنها: "تقوم باستخدام اتصالاتها الوثيقة مع ما يسمى بالمعارضة المسلحة، أو عملياً مع الجماعات المتطرفة إسلامياً". فالمطلوب إعادة سيناريو 2011 من جديد.

ويؤكد المصدر أن في المحافظة "خلايا نائمة" وقد تحدث مطولاً عن نشوء جماعات مرتبطة بموفق طريف في شمال فلسطين، وهو ابن أخت أحد مشايخ العقل في شمال فلسطين المحتلة، الذي يستغل مقام خاله الديني لصالح العمالة مع الكيان، التي يحمل جنسيتها. وهذا الكلام يحذر منه اليوم كثافة الآلاف من وطنيي السويداء عبر وسائل التواصل الإجتماعي.

ارتبط اسم "موفق" بالعمل ضد الدولة السورية، منذ العام 2018، وامتد التنسيق للعمل مع مجموعات في لبنان معادية لسوريا. ومنذ حزيران/ مايو في العام 2015، كانت هناك محاولات لجر السويداء للوقوف ضد الدولة، وأهمها محاولة ما سمي "بالثورة" استغلال أهالي السويداء وزجهم في الهجوم على مطار الثعلة في المحافظة. فكانت المفاجأة بوقوف وقتال الأهالي إلى جانب الجيش العربي السوري، ومنع وصول الإرهابيين القادمين من درعا من احتلال المطار. ثم جرت محاولات عدة لخلق بيئة معادية للدولة وذات نزعة طائفية إنقسامية فيها، حتى بات المطلوب خلق شرخ ما بين السويداء وباقي أهالي سوريا، والإدعاء أن أبناء السويداء يتهربون من خدمة العلم.

بدأت المجموعات المرتبطة بموفق طريف بالتسلل عبر مغتربين من السويداء تحت مسمى حزب اللواء السوري ومؤسسه مالك أبو الخير المقيم في فرنسا. الأمر لم يتوقف فقط عند تدخل "اسرئيلي" لتجنيد مجموعات مسلحة، بل تعدى ذلك إلى استقدام مجموعات من قوات سوريا الديمقراطية [قسد] لتجنيد هؤلاء وتسليحهم. وصل مقاتلو قسد من شرق الفرات عبر قاعدة التنف المكتظة بمقاتلي داعش، والتي تبعد عن المحافظة 23 دقيقة فقط، ولهذا بالتأكيد دلالاته.

لم يرى المشروع الصهيوني النور، وتم طرد الذين جاؤوا قبل أن يأتي الصباح عليهم. تأتي أهمية هذا الحديث اليوم لسببين، الأول ارتباط ما يحدث في السويداء من خطوات جاء بها تقرير المخابرات الروسية والذي يتحدث عن إحياء خلايا نائمة. ويبدو أن الأميركيين يعتقدون أن الأمر يجب أن يبدأ من السويداء لأنه إذا ما أرادت نقل التحركات إلى المناطق حول الشام، فذلك سيكون له صداه في صحنايا وجديدة عرطوز وجرمانا. والمعروف أن البلدات الثلاث التابعة لريف دمشق لم تدخل ابداً في الحرب على سوريا بعكس باقي مناطق متعددة في ريف دمشق، بل كانت ملجأً للمواطنين الهاربين من الجماعات الإرهابية، وخاصة من درعا والغوطة.

اذاً الإعتماد على الجماعات المسلحة بحسب التقرير المسرّب هو أحد أهم الإستراتيجيات التي ستعتمدها الولايات المتحدة من أجل إعادة الفوضى إلى سوريا والإبقاء على الأزمة مفتوحة. وعليه فإن التصريحات الأميركية التي أطلقها الرئيس الأميركي شخصياً حول الحاجة الأميركية لإبقاء قواتها في سوريا والعراق من أجل محاربة داعش باتت مفهومة الدوافع. وبات واضحاً أسباب المسرحية التي قدمت فصولها في سجن غويران في الشهر الماضي، وهروب المساجين والإرهابيين فيه من أجل إعادة لم شمل داعش في سوريا. ولكن ما اتضح بعد هذه المسرحية هو عمل المنظمات والقيادات الكردية في شمال شرق سوريا جنباً إلى جنب مع داعش.

أما الأمر الثاني المتعلق بأهداف الإستخبارات الأميركية يتمحور حول سوء الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية في سوريا. لا يمكن لأحد أن ينكر أهم عاملين ههنا، أولهما احتلال شرق الفرات، والذي حرم سوريا من خزانها الغذائي الأهم، والذي كان يطعم سوريا والعراق ولبنان والأردن معاً، والثاني هو النفط السوري الذي تقوم بسرقته كل من الأكراد والشركات الأميركية في آن، والثالث هو القطن السوري.

سوريا اليوم تضطر لإستيراد القطن من مصر وغيرها من أماكن في العالم من أجل تشغيل معامل حلج القطن ونسيجه في محافظات حمص وحلب ودمشق، ومن أجل إبقائها تعمل دون توقف، مما قد يتسبب بأعطال كبيرة فيها.

وأما الخزان الغذائي المحتل، ترتبط به أزمة غلاء اسعار الخضار واللحوم، فالجزيرة السورية كانت أكبر منتج للحوم، والألبان والأجبان، وقد حرم أهل الجزيرة وحتى محافظتي حمص وحماة اللتين كانتا من أهم منتجي هذه المواد الغذائية. هذا إلى جانب القمح الضروري في صناعة الخبز. إضافة إلى ما تعانيه سوريا من ارتفاع في أسعار المحروقات وخاصة مع انخفاض سعر الليرة مقابل الدولار وتأثيرات هذا الأمر في ارتفاع أسعار جميع المنتجات بسبب ارتفاع سعر النقل.

المظاهرة التي بدأت في السويداء، كان سببها الرئيسي قرار الحكومة رفع الدعم. أمر تسبب بتململ كبير من القرار ولكن الحكومة السورية بررت ذلك بإعطاء أرقام تطال شريحة كبيرة من المواطنين الذين يتلقون الدعم وهم يعيشون في خارج القطر، أو ممن هم متوفون، أو ممن يعدون من الأشخاص الذين يمتلكون حداً أدنى من الثروة. وقد استثني الكثيرون، ولكن فتح المجال للإعتراض في حال أن هناك من طاله القرار ظلماً وهو من المؤهلين لتلقي الدعم.

هذا القرار لم يطل إلا بشكل محدود الموظفين والعسكريين في الدولة السورية، واعفي منه جميع الموظفين والعسكريين الجرحى والمتقاعدين. وهو ما أثار استياء الذين يعملون في القطاع الخاص. أو لديهم مكاتب خاصة مثل المحامين والمهندسين والأطباء وغيرهم من أصحاب الأعمال الخاصة، والذي يبدو أن الدولة تضعهم في خانة أصحاب الدخل المرتفع نسبياً. ولكن القرار بحسب مصدر مطلع جاء تحديداً من أجل رفع أجور ورواتب المدنيين والعسكريين العاملين في الدولة السورية. إذ أن الدولة تنفق الكثير من الأموال على بطاقات الدعم، التي تذهب أحياناً إلى جيوب المقتدرين خلال هذه الأزمة العصيبة، وبالتالي فمن الصعب رفع رواتب موظفي الدولة بما يتناسب والأوضاع الراهنة، وبالتالي فهم أكثر من غيرهم يرزخون تحت ثقل ارتفاع الأسعار دون القدرة على تصحيح الرواتب والأجور.

إن رفع الدعم خطوة جبارة، يقول المصدر المطلع، وهي لم تطل الشرائح الأكثر فقراً، وهي بذلك استطاعت رفع رواتب الموظفين بنسبة 150%، هذا العام عما كانت عليه في الأعوام الماضية، وهي زيادة لم تحاكي بعد انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية. كما ان الدولة اليوم تطالب الذين استفادوا من القروض المصرفية الميسرة من أجل فتح أعمال خاصة والنهوض بأوضاعهم الإقتصادية بسداد ديون المصارف، فهي اموال تتبع للدولة.

بعملية حسابية بسيطة فإن رفع الدعم عن 550 ألف بطاقة تقريباً تستفيد كل منها من ربطتي خبز، فإن ذلك سيؤمن تقريباً 33 مليار ل.س شهرياً، ستذهب لتمويل رفع رواتب الموظفين والعسكريين.

الجدير ذكره، أنه ثمة مشاريع تنوي سوريا القيام بها لكن تحتاج لبضع سنوات قبل أن تأتي أكلها. ومنها: مشاريع معامل الكهرباء، ربط الكهرباء مع الأردن، الإستثمارات التي ستبدأ بها الصين في إطار مشروع حزام وطريق، المشاريع التي يقوم بها كل من الروسي والإيراني، ومؤخراً تأهيل سكة الحديد ما بين سوريا والعراق وغيرها.

إن مآلات الوضع الحالي لن تعجب الكثيرين، لكن هذا من تبعات وآثار سنين الحرب العشرة. كما أن الأزمة نتيجة رفع الدعم تزامنت مع نية واشنطن لبعث الأزمة السورية من جديد، فهل الخيار الوحيد للخروج من الأزمة هو طرد الاحتلال الأميركي وبشكل نهائي من منبع الخيرات في شرق الفرات!

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور