الأربعاء 09 شباط , 2022 11:38

الجيش اليمني 1962-2015: عصابات بإدارة الملحق العسكري السعودي (1)

الجيش اليمني

طيلة السنوات الـ 7 الماضية للحرب على اليمن، تصدّر الجيش اليمني بكافة تشكيلاته وسائل الاعلام العالمية، ولم يكن تسليط الضوء عليه لأجل الحرب فقط، بل باعتباره "معجزة" فريدة أثبت فيها اليمنيون أنهم قادرين على فعل ما أصرّت على عرقلته بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية طيلةَ عقود، وهو بناء قوات مسلحة قوية باتت تقارع بثقلها أعتى الجيوش في العالم.

في 15 كانون الأول/ ديسمبر 1995 احتل الجيش الأريتيري جزر حنيش اليمنية، أسفر النزاع بين الطرفين عن مقتل 12 جندياً إرتيرياً و15 جندياً يمنياً إضافة لأسر 185آخرين.

وقتها، عبّر الرئيس علي عبد الله صالح -وهو القائد العام للقوات المسلحة- في لقاء داخلي عن هواجسه من استعمال الخيار العسكري لتحرير هذه الجزر إذ قال "نحن اليمنيون لا نملك طريقاً آخر سوى الذهاب إلى التحكيم الدولي". ولم يستطع النظام اليمني حينها بما يمتلكه من جيش قوامه أكثر من 600 ألف عنصر أن يحرك ساكناً، وان يستعيد هذه الجزيرة بالقوة العسكرية التي يمتلكها بل سعى لوساطات دولية عبر السمسرة الخارجية، حتى انه تم مساومة قضية هذه الجزيرة بقضايا أخرى خلف الكواليس، حسب تعبير اللواء الركن طيار عبد الله الجفري.

كان صالح يدرك جيداً ان ليس باستطاعته القيام بأي عمل عسكري دون موافقة سعودية-أميركية وانه مجرد قائد شكلي للقوات المسلحة نظراً لعمق النفوذ السعودي في القرار اليمني، وان الرياض هي من يتولى إدارة الجيش.

تشكيل الجيش اليمني... برعاية سعودية-أميركية

أنشئ الجيش اليمني بعد ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962 وكان من أهداف هذه الثورة انشاء جيش قوي استطاع ان يقاوم الملكية حينها، والتي كانت تدعمها بريطانيا والولايات المتحدة السعودية وأعلنت رسمياً أنها ستدعم الامام البدر، وكانت تلك النواة الأولى لتشكيل الجيش اليمني.

في حوار خاص لموقع "الخنـادق" أشار مساعد مدير دائرة التوجيه المعنوي العميد عابد الثور إلى أن "أكثر من 60% من القادة العسكريين في المملكة المتوكلية هم أنفسهم بقوا في جيش الجمهورية، حيث استمرت مقاومة الجيش اليمني لـ 7 سنوات ضد الجيش الملكي الذي كان في الأصل عبارة عن الجيش السعودي والأميركي والبريطاني نتيجة الدعم الذي كان يصلهم من بريطانيا تحديداً التي كانت تحتل عدن. فيما تدخلت مصر حينها برئاسة جمال عبد الناصر لدعم الجيش الجمهوري بحوالي 70 ألف عنصر، ونتيجة افتقار الجيش للتدريب اللازم كان يعتمد على الجيش المصري، الأمر الذي زاد من تعقيد الأمور أكثر فأكثر في الداخل اليمني، إلى ان تم سحب كل القوات الأجنبية من اليمن كمصر والسعودية وبدأت الحرب الأهلية في اليمن".

مع انتهاء الحرب عام 1967 انتقل اليمن لمرحلة أخرى، ومع اعتبار السعودية ان تطور ونمو جيش على حدودها يهدد أمنها القومي بشكل مباشر عملت على شراء ولاءات كبار القادة العسكريين والمشايخ الذين أصبحوا ذراعها الداخلية تحرك بها الوضع السياسي والاقتصادي، وأصبح اليمن تحت الوصاية الفعلية.

اغتيال الرئيس الحمدي: ضربة أخرى للجيش

لم يترك للجيش اليمني فرصة حتى يتطور حتى ان هيكليته العسكرية بقيت نفسها خلال الحرب وقبل الثورة، وما بعدها أيضاً ولم يتغير أي شيء إلا بأعداد الجنود والضباط وكان يفتقر للتدريب والتسليح. كان إنشاء الكلية الحربية هو الطارئ الوحيد منذ بعد الثورة، وكان التدريب عند الجيش المصري، واقتصر الجيش على عديد لم يتجاوز في السبعينيات 50 ألف جندي حتى آخر الثمانينات ولم يتجاوز الـ 200 ألف جندي. وفق ما أكد العميد الثور.

ظلت السعودية تشرف مباشرة على تسليح الجيش اليمني ومناوراته وتدريبه، إضافة للمنح العسكرية، وكانت هي من تتحمل مسؤولية البعثات العسكرية بالاتفاق مع القيادة العسكرية اليمنية أكان في فترة الرئيس عبد الرحمن الارياني أو الرئيس إبراهيم الحمدي وهو الرجل الوحيد الذي بدأ يرسل رسائل وطنية علانية وفي القنوات الخاصة مفادها انه لا بد من بناء جيش وطني ونزع الوصاية أياً كانت.

وفي عهد الرئيس الحمدي بدأ الجيش اليمني يتطور بعد إقصاء القادة الذين تربطهم علاقة مع السعودية وعزل المشايخ والزامهم بالبقاء في قراهم وعدم دخولهم إلى العاصمة صنعاء، وتم تحديد تحركات أولئك القادة، وقد شكل هذا التصرف من القائد العام للقوات المسلحة الشهيد المقدم إبراهيم الحمدي خطراً على النظام السعودي في افشال سياسته تجاه اليمن، فلجأوا في أسلوب رخيص لشراء ولاءات جديدة مقربة من الرئيس الحمدي (بعدما حكم لسنتين و7 أشهر)  مثل احمد الغشمي وعلي عبدالله صالح، وتم التخطيط بإشراف الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود على قتل واغتيال الرئيس الحمدي على يد نائبه أحمد الغشمي، والذي تسلم الرئاسة بعده واغتيل بعد ذلك بـ 7 أشهر.

بعد ذلك تولى الحكم في 17 تموز/ يوليو 1978 الرئيس السابق علي عبد الله صالح وكان ذلك بناء على إصرار النظام السعودي رغم معارضة عدد كبير من المشايخ والأعيان في البلاد حتى أولئك الذين كانوا يوالون الرياض حيث أمرت السعودية كل التابعين لها ان يتعاونوا معه ويقدموا له كل الخدمات. وكان لصالح الحظ الأوفر في حكم البلد لأكثر من 33 عاماً بدعم وإسناد مباشر من النظام السعودي.

بدأ صالح ببناء القوات المسلحة لكنه كان بناءً شكلياً ليس جوهرياً، اعتمد على بناء وحدات تضمن بقاءه فقام بإنشاء الحرس الجمهوري، وقوات خاصة، والاهتمام بوحدات التي يسيطر عليها اتباعه مثل المدرعات والمدفعية وتحييد بقية الوحدات. حتى ان الحدود اليمنية كانت خالية من القوات اليمنية الا بعض الوحدات الرمزية كحرس الحدود، ويتولى ادارتها مشايخ، حيث كانت السعودية تتمدد ساعة تشاء داخل الحدود دون رادع.

عام 1994، تلقى الجيش اليمني ضربة ثانية حيث انفصل جزء كبير منه خاصة الضباط والجنود الجنوبيين، وهذا ما أثر على بنية القوات المسلحة لأن بنية الجيش الجنوبي كانت بنية قوية كان أشرف على بنائها الاتحاد السوفياتي وكانت القاعدة العسكرية قوية. ويقول العميد الثور "هنا إذا تكلمنا عن الشأن العسكري كان الجيش الجنوبي يهدد الخليج بأكمله وكانت قاعدة صلاح الدين وقاعدة العند تهدد عمان والامارات والسعودية".

تبنت السعودية تسليح الجيش اليمني في الشمال بمجموعة من الصواريخ من طراز فولغا وسام 5 ومجموعة من عربات الـBMP  وطائرات الـ F5 الأمريكية، وبمجموعة من الأسلحة ثمناً لاغتيال الرئيس الحمدي نهاية السبعينيات، بعدها لم يحصل أي تطور كشراء دبابات وأسلحة برية ليس لها أي أثر على الصعيد الاستراتيجي للمعركة، وهو ما كان نتيجة إصرار السعودية على إبقاء الجيش اليمني تحت سيطرتها بما لا يشكل خطراً على أمن السعودية وأمن "إسرائيل" والتي استهدفت اليمن بطائراتها في منطقة باب المندب  بعلم من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية التي أرسلت مندوباً للعمل على تطوير المنشآت العسكرية لباب المندب، وتم إيجاد مجموعة من الكتائب والأسلحة للحفاظ على باب المندب عام 1972 وفي 1976 بعد الضربة الأخيرة.

الصناعات العسكرية اليمنية تقتصر على الرصاص

يقول العميد الثور أنه "حتى العام2000 في العيد العاشر للوحدة اليمنية عرض فيه صالح القوة العسكرية، وفي كلمة خرجت من فمه وهو يقول "ان هذا الجيش الذي يحرر الأمة العربية ويحرر فلسطين" بعدها مباشرة دخلت اليمن في قائمة التآمر وبدأت السعودية تتولى مهمة الجيش الذي كان هو حصيلة جيشين في الشمال والجنوب بإدخال أولى العمليات العسكرية التي تقوم بها الجماعات الإرهابية في اليمن (القاعدة). ومنذ العام 2000 دخل الجيش في صراع مع القاعدة، وقد تبنت السعودية بدعم من الولايات المتحدة بناء هذه التنظيمات الإرهابية في أبين وغيرها، حتى أصبحت قوة لا يستهان بها. وأصبح الجيش اليمني متناثراً لا يستطيع المحافظة على مكوناته، حدود اليمن كبيرة ولم يسمح للجيش بالتمدد، كما وضعت واشنطن قيوداً على التسلح، ولم يسمح له بالإنتاج الحربي، وكان مقتصراً على صناعة الرصاص والذخيرة للبندقية الآلية فقط، واشياء صغيرة لا تذكر في المجال العسكري.

جيش عصابات يقوده الملحق العسكري السعودي

أكد الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء الركن طيار عبد الله الجفري في حديثه للخنادق أن "الرياض كانت تتحكم ببناء القوات المسلحة عبر السفير السعودي والملحق العسكري في السفارة السعودية الذي قام باغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وهو صالح الهديان الذي كان يتولى مهمة تشكيل تلك الوحدات العسكرية ويعيّن القادة العسكريين".

كانت مهمة الجيش رغم كثافته وعديده الضخم حماية مصالح النظام، وهو أقرب للعصابات حيث كان أغلب الضباط يحصلون على امتيازات كبيرة جداً من السيارات والقصور والأموال وما خفي كان أعظم. البعض من القادة العسكريين لم يكن متواجداً أصلاً في اليمن كانوا يقيمون في الدول الخليجية والدول الأوروبية ومختلف دول العالم، وبعض الآخر مرافقين مع المشايخ والعصابات الذين يدينون بولائهم لنظام علي عبد الله صالح، والبعض الآخر يحصل على المرتب فقط، أي جيش وهمي لا يأتي إلى الخدمة العسكرية... لم يعرفوا عن الحركة العسكرية أي شيء.

يتبع...

في الجزء الثاني كيف أعادت حكومة صنعاء بناء جيش يمني سيادي قوي يواجه تحالفاً دولياً وينتصر عليه؟


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور