في ظل استمرار الخرق الإسرائيلي لوقف إطلاق النار والقرار 1701، وفي وقت يتعامل فيه لبنان مع التزام أحادي الجانب بالهدوء دون أي رادع فعلي للعدو، وجّه حزب الله اليوم كتاباً مفتوحاً إلى الرؤساء الثلاثة وإلى الشعب اللبناني. جاء هذا الكتاب في لحظة حساسة يتصاعد فيها الحديث الداخلي والخارجي عن تجريد الحزب من سلاحه، في وقت لا تملك فيه الدولة اللبنانية منظومة دفاع قادرة على حماية أراضيها.
كتاب اليوم يشكّل وثيقة سياسية تحدد موقف الحزب من المرحلة المقبلة، وتعيد تعريف المرحلة ومتطلباتها في لبنان.
لهجة الكتاب ورمزيته
منذ السطر الأول، يتضح أن حزب الله يتحدث من موقع "الشريك في القرار الوطني". فالكتاب يبدأ بالتحية إلى الرؤساء الثلاثة وإلى الشعب اللبناني، في صيغة توحي بأن الحزب يرى نفسه مخاطباً للدولة بقدر ما هو جزء منها. اللهجة هادئة الشكل، لكنها مشحونة بالثقة والإنذار في الوقت نفسه، وتذكّر بلغة بيانات الحزب في مراحل المواجهة الكبرى، حين كان يوازن بين الدعوة للوحدة والتحذير من الانزلاق إلى "أفخاخ العدو".
الكتاب يضع الجميع أمام مسؤولياتهم: الرئاسة، الحكومة، البرلمان، والشعب. كما يؤكد أن الحزب، رغم التزامه بالتهدئة، لا يزال يرى نفسه المعني الأول بالدفاع عن لبنان في ظل غياب البديل الفعلي، والمسؤول عن حماية الأرض والشعب تمامًا كما كان عليه الحال قبل معركة أولي البأس 2024.
مضمون الكتاب وتحليل خطابه
يستند النص إلى سرد دقيق للوقائع القانونية والسياسية المرتبطة بإعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مقدماً قراءة تفصيلية للقرار 1701 وآلية تنفيذه. هنا يذكّر الحزب بأن لبنان التزم بالاتفاق "ضمناً وبصرامة"، بينما واصل العدو خروقاته براً وبحراً وجواً. هذه النقطة تُشكّل العمود الفقري للخطاب أي أنّ "إسرائيل" هي من نسف التفاهم، وبالتالي لا يمكن لأي جهة أن تطالب المقاومة بالتراجع عن سلاحها أو التزاماتها الدفاعية.
يتصاعد الخطاب تدريجياً من التوصيف إلى التحذير، إذ يصف الحزب قرار الحكومة المتسرع حول حصرية السلاح بأنه "خطيئة حكومية"، لأن العدو استثمرها لفرض نزع سلاح المقاومة كشرط لوقف العدوان. وفي هذا السياق، يطرح الحزب معادلة جديدة مفادها أن حصرية السلاح لا تُناقش تحت الضغط الخارجي، بل ضمن "استراتيجية وطنية شاملة للأمن والدفاع". هذه العبارة تختصر الموقف النهائي للحزب من كل المشاريع التي يديرها الأميركي والإسرائيلي في لبنان.
كما يتضمن الكتاب تفنيداً لنية العدو الحقيقية في "جرّ لبنان إلى جولات تفاوضية جديدة" تصب في خدمة مصالحه، مع التأكيد أن أي تفاوض سياسي مع "إسرائيل" لا مصلحة وطنية فيه وينطوي على مخاطر وجودية تهدد الكيان اللبناني. هذا التحذير المباشر يعيد إلى الأذهان موقف الحزب من ترسيم الحدود البحرية في 2022، لكنه هذه المرة أكثر تشدداً، ما يوحي بأن هامش التسوية قد تقلّص.
السيناريوهات المحتملة
الرسالة، بهذا الشكل والمضمون هي بمثابة رسم حدود جديدة. فهي تطلب من الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في حماية القرار الوطني، وإلا فإن الحزب سيستمر في "الدفاع المشروع" باعتباره حقاً طبيعياً لا يخضع لقرار السلم أو الحرب.
على هذا الأساس، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة للفترة المقبلة:
سيناريو التفاهم الداخلي: تنجح الرئاسات الثلاث في تبني مضمون الرسالة كموقف لبناني موحد في وجه الضغوط الأميركية ـ الإسرائيلية، ما يعزز وحدة القرار الداخلي ويعيد صياغة العلاقة بين الجيش والمقاومة ضمن رؤية دفاعية واحدة.
سيناريو التصعيد السياسي: في حال تجاهلت الحكومة الرسالة أو مضت في تطبيق بنود "حصرية السلاح"، فقد يشهد لبنان توتراً متصاعداً، خصوصاً إذا رافق ذلك ضغط خارجي ميداني من العدو -وهذا يجري الآن- أو قرارات جديدة تُفسّر القرار 1701 بشكل مغاير بناءً على المعايير الإسرائيلية.
سيناريو الميدان: إذا واصلت "إسرائيل" الاعتداءات الجوية والبرية، فإن الحزب قد يجد نفسه مضطراً إلى الردّ المحدود لإعادة تثبيت قواعد الاشتباك، ما يضع لبنان مجدداً أمام معادلة الردع لا يحصل إلا عبر الفعل الذي يتمثل بالمواجهة لا عبر التفاوض الذي لن يضمن سلامة لبنان.
الكتاب المفتوح يدعو إلى موقف موحّد يحفظ السيادة ويمنع الانزلاق نحو تنازلات مجانية. ويوجّه رسالة واضحة بأن أي محاولة لفرض نزع سلاح المقاومة أو لتعديل قواعد الاشتباك ستواجه بردّ محسوب.
في المحصلة، أعاد حزب الله عبر هذا البيان رسم خريطة للمرحلة المقبلة، مؤكداً أن معادلة الجيش والشعب والمقاومة لا تزال الضمانة الوحيدة لحماية لبنان.
الكاتب: غرفة التحرير