الجمعة 12 أيلول , 2025 01:51

الحفاظ على الهيمنة التصعيدية: ترامب "وأولوية إسرائيل" الغالبة

لعبة التصعيد ونهاية الدور القطري

يمثل الهجوم الإسرائيلي في الدوحة على وفد التفاوض التابع لحماس لحظة مفصلية أنهت مرحلة كاملة من الدور القطري كوسيط إقليمي، وأعادت تأكيد نمط متصاعد من الشراكة بين إدارة ترامب والكيان يقوم على "الهيمنة التصعيدية" كما يرى رئيس منتدى حل النزاعات البريطاني ألاستير كروك في مقاله. ويوضح كيف تُدار الأزمات – من غزة إلى إيران وقطر – بوصفها مشاريع استثمارية وحلقات متصلة في سلسلة استراتيجيات تقوم على الحرب الدائمة، مع تجاهل كامل للقوانين الدولية أو الحدود الأخلاقية. ويتتبع الكاتب انعكاسات هذا النهج على مصداقية واشنطن، وعلى المجتمع الإسرائيلي نفسه الذي يواجه خطر الانهيار الأخلاقي الشامل، في وقت تتراجع فيه الولايات المتحدة عن عقيدة التفوق المطلق وتبحث عن بدائل استراتيجية.

النص المترجم:

الضربة ضد فريق التفاوض التابع لحماس، الذي كان مجتمعاً في الدوحة لمناقشة "مقترح غزة ويتكوف"، ليست مجرد "عملية أخرى للجيش الإسرائيلي" يمكن التغاضي عنها بصمت (كما حدث مع تصفية معظم أعضاء الحكومة المدنية في اليمن). بل تمثل نهاية حقبة كاملة "وواقعاً جديداً" بالنسبة لقطر. إنها حدث مفصلي. لعقود، لعبت قطر فيه لعبة مربحة للغاية – دعمت الجهاديين الراديكاليين من جبهة النصرة في سوريا كورقة ضغط ضد إيران، بينما احتضنت القواعد العسكرية الأمريكية وحافظت على شراكة استراتيجية مع واشنطن. وقدمت الدوحة نفسها كوسيط – تجلس مع الجهاديين على المائدة، بينما تعمل في الوقت ذاته كمسهل للموساد.

هذا النهج المتعدد الاتجاهات هو ما منح قطر سمعة "المستفيد الأبدي" من أزمات الشرق الأوسط وأفغانستان. حتى عندما كانت "إسرائيل" أو إيران أو السعوديإية تحت الهجوم، كانت الدوحة تخرج رابحة. القطريون عدّوا بهدوء أرباح الغاز وتمتعوا بدور الوسيط الذي لا غنى عنه.

الآن انتهت هذه الحكاية: لم يعد هناك "مناطق آمنة". والأكثر دلالة أن الولايات المتحدة (بحسب القناة 11 الإسرائيلية) قد وافقت على العملية التي أُبلغ ترامب بها لاحقاً. ورغم تساؤله حول الضربة، قال ترامب إنه يصفق لأي قتلٍ لأعضاء حماس.

كان يجب أن نرى ذلك قادماً. هجوم الدوحة كان هجوماً مباغتاً جديداً ضمن نمط "ترامب – إسرائيل"، بدأ بالضربة المفاجئة ضد قيادة حزب الله التي كانت تجتمع لمناقشة "مبادرة سلام أمريكية"، وهو الأسلوب نفسه الذي استُنسخ لاحقاً في عملية تصفية القيادة الإيرانية في 13 حزيران، بينما كان ترامب يروّج لبدء محادثات الاتفاق النووي مع فريق ويتكوف خلال الأيام المقبلة.

والآن، مع تقديم "مقترح غزة" من ويتكوف كطُعم لجمع قادة حماس في مكان واحد بالدوحة، ضربت "إسرائيل". بدا مقترح غزة لويتكوف مهزلة؛ أو خدعة متعمدة. ف "إسرائيل" كانت قد قررت مسبقاً إنهاء الدور القطري.

المنطق الإسرائيلي بسيط وساخر بغض النظر عن عدد القواعد الأمريكية التي لديك أو أهمية غازك للاقتصاد العالمي. استهداف رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران، الضربات على سوريا ولبنان، العملية في قطر كلها حلقات في سلسلة واحدة: نتنياهو (وبأغلبية إسرائيلية خلفه) يبرهن بشكل منهجي أنه لا توجد أراضٍ محرمة؛ ولا قوانين دولية؛ ولا اتفاقيات فيينا بالنسبة له في الشرق الأوسط.

دعم إسرائيل في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي؛ الفشل في بذل أي جهد جدي لتمهيد طريق سياسي لتسوية في أوكرانيا؛ الاعتماد بدلاً من ذلك على صناعة الحروب، بينما يتم إعلان السلام كل هذا يمثل جوهر نهج ترامب: ممارسة الهيمنة التصعيدية، داخلياً وخارجياً.

إن مفهوم "إعادة أمريكا عظيمة مجدداً" يبدو وكأنه قائم على الاستخدام المدروس للعدائية، أو الرسوم الجمركية، أو القوة العسكرية للحفاظ على إمكانية مستمرة للهيمنة التصعيدية على المدى الطويل. ترامب يبدو مقتنعاً أن تحقيق السيطرة في الداخل والخارج هو جوهر. وأن ذلك يمكن تحقيقه عبر هيمنة مدروسة تُباع لقاعدته الانتخابية بالقول إنها تهدف إلى "جلب السلام" أو "التفاوض على وقف إطلاق النار".

التركيز على الهيمنة التصعيدية يرتبط أيضاً بتحويل الحروب – في ذهن ترامب – إلى مشاريع أمريكية ضخمة لجني الأرباح. فكرة تحويل غزة إلى مشروع استثماري مربح تؤكد الارتباط الوثيق بين الحرب وكسب المال. وكذلك أوكرانيا، التي أصبحت أداة لغسيل الأموال الأمريكية.

لا تصدق أن الولايات المتحدة لن تعود إلى أي حرب بعينها في الوقت المناسب. لهذا السبب لا يتم أبداً التنازل عن "سلم التصعيد" أو إزالته بالكامل، إذ إن بقاءه مسنوداً على جدار صراع يتيح العودة إلى شكلٍ آخر من التصعيد لاحقاً (كما في أوكرانيا).

كل هذه الإشارات دقت أجراس الإنذار في موسكو. رحلة ترامب إلى أنكوراج – من المنظور الروسي – كانت لمعرفة (إن أمكن) مدى القيود التي تكبّله؛ إلى أي مدى يتمتع بحرية التصرف؛ ماذا يريد؛ وما قد يفعله لاحقاً.

بالنسبة للروس، الزيارة أظهرت حدود الأمور. فقد أوضح يوري أوشاكوف، المستشار الرئيسي لبوتين في السياسة الخارجية، أن هناك في تيانجين على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون، نقاشات مع جميع حلفاء روسيا الاستراتيجيين؛ وقد فُهم أن ترامب عرض تأخير الضغط بالعقوبات على روسيا، لكن دون تنفيذ أي هياكل لمتابعة التفاوض. لا هياكل، لا مجموعات عمل، ولا تبادل إضافي للتحضير لما سُمّي اجتماعاً ثلاثياً بين ترامب وزيلينسكي وبوتين. لا تحضير لجدول أعمال؛ ولا تحضير لشروط.

هذا أشار إلى نوايا ترامب المستقبلية – لا هياكل، لا إشارات، لا التزام حقيقي بالسلام. بل يرى الروس أن إدارة ترامب تميل إلى العكس – أي مع الخطط الأوروبية لإعادة تسليح أوكرانيا.

العدوان المشترك من "إسرائيل" والولايات المتحدة ضد إيران – وضربة قطر – هي أحداث من الجوهر الأيديولوجي نفسه، تؤكد السطوة الغالبة لـ "أصحاب أولوية إسرائيل"، ولأولئك المحيطين بترامب – الذين يغذون أحقاداً قديمة ضد روسيا ذات جذور دينية مشابهة.

هيمنة هذه السياسة المتمحورة حول "إسرائيل" قد شطرت قاعدة ترامب الشعبية. وعلى نطاق أوسع، ألحقت ضرراً دائماً بالقوة الناعمة الأمريكية ومصداقيتها الدبلوماسية. ومع ذلك، فإن ترامب، الأسير في قبضتها، لا يجرؤ على التخلي عنها فذلك قد يهدد بتدميره الذاتي.

"إسرائيل" تنفذ نكبة ثانية (تطهيراً عرقياً وإبادة جماعية) في غزة والضفة الغربية، بينما "يبقى المجتمع اليهودي محاصراً إلى حد كبير في القمع والإنكار" تماماً كما كان في عام 1948.

الفيلم الوثائقي المثير للجدل للمخرجة الإسرائيلية نيتا شوشاني عن حرب 1948 مُنع في "إسرائيل" لأنه كشف العديد من العيوب في الأساس الأخلاقي الذي قامت عليه هوية الدولة الوليدة.

كتبت شوشاني مؤخراً عن فيلمها: "أدركت فجأة أنه خلال العامين الفظيعين الماضيين تحطم بالكامل موضوع الأساس الأخلاقي الإسرائيلي. فهمت أن للأساس الأخلاقي قوة كبيرة، فهو يضع المجتمع ضمن حدود معينة. وحتى لو تم اختراق هذه الحدود – وقد اختُرقت بالفعل منذ 1948 – كان هناك شيء في القواعد الأخلاقية للمجتمع على الأقل يجعله يشعر بالخجل. لذا، لعدة عقود، حافظ هذا الأساس الأخلاقي على المجتمع الإسرائيلي والجيش، وأجبرهما على الالتزام بحدود معينة".

إذا كانت حرب 1948 حرب الاستقلال، فالحرب الحالية قد تكون الحرب التي تنهي "إسرائيل".

تحذير شوشاني بأن انهيار الحدود الأخلاقية للمجتمع في دوامة من سفك الدماء (كما حدث عام 1948)، يمكن أن يهدد شرعية المشروع كله ويؤدي إلى تدميره الذاتي مع تجاوز الدولة لكل حدود إنسانية.

هذا الإدراك المظلم – المرتبط جداً باليوم – قد يكون بالضبط أحد الخيوط التي تربط ترامب بشكل غير مشروط ببقاء "إسرائيل" النهائي. وربما هناك "قيود أخرى قوية غير مرئية" أيضاً.

ويأتي هذا في وقت تبتعد فيه الولايات المتحدة أكثر فأكثر عن "توجيهات التخطيط الدفاعي" لعام 1992– المعروفة بـ "عقيدة وولفويتز" – التي دعت إلى الحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي المطلق لمنع ظهور منافسين، وإذا لزم الأمر، التحرك بشكل أحادي لحماية المصالح وردع أي منافسين محتملين.

المسودة الحالية لاستراتيجية الدفاع الوطني تتجه بعيداً عن الصين، نحو "تأمين الوطن" ونصف الكرة الغربي. سيتم إعادة الجنود، بدايةً لتأمين الحدود. يكتب ويل شرايفر: "يبدو أن إلبريدج كولبي قد فتح عينيه على حقيقة أنه فات الأوان لإيقاف هيمنة الصين على المحيط الهادئ الغربي. لقد كان يعرف بالفعل أن الحرب ضد روسيا غير واردة. الخيار الاستراتيجي الوحيد المتبقي هو إيران".

وربما يدرك كولبي أيضاً أن أي فشل عسكري أمريكي إضافي سيفضح تماماً تهويل ترامب الجيو-استراتيجي باعتباره مجرد خدعة.

قد نشهد إذن جولة جديدة من التحولات الجيوسياسية الكبرى مع تخلي ترامب عن مساعيه ليُنظر إليه كـ "صانع سلام عالمي". ترامب نفسه ربما لا يعرف ما يريد أن يفعل ومع تعدد الفصائل التي تحاول شغل الفراغ الاستراتيجي، من المرجح أن يلجأ إلى تلك التكتيكات الحربية الإسرائيلية التي يُبدي لها إعجاباً كبيراً.

تم النشر بإذن من الكاتب 


الكاتب: رئيس منتدى حل النزاعات البريطاني ألاستير كروك




روزنامة المحور