يحاول رئيس حكومة الكيان المؤقت بنيامين نتنياهو، وفقاً لهذا المقال الذي نشره موقع "worldcrunch" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، دفن فكرة "الدولة الفلسطينية"، من خلال إطلاق مشروع غير واقعي يُسمّى "إمارة الخليل". وبحسب هذا المقال، فإن هذا المشروع الذي بدأت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية بالترويج له مؤخراً، ما هو إلا أداة دعائية ضمن حملة تهدف إلى عرقلة أي تقدّم نحو حلّ الدولتين. مستنتجاً بأنه مرة أخرى، ينجح نتنياهو في تسويق وهم الحلول البديلة لتأجيل تسوية حقيقية.
النص المترجم:
في لحظة شديدة الحساسية، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرًا مقالة رأي بعنوان: "عرض فلسطيني جديد للسلام مع إسرائيل"، وتحته العنوان الفرعي: "شيوخ الخليل يقترحون الانفصال عن السلطة الفلسطينية والانضمام إلى اتفاقيات أبراهام".
تتناول المقالة آراء عدد من "شيوخ الخليل البارزين" الذين يُبدون استعدادهم لتأسيس كيان مستقل أو إمارة، بل وحتى الانضمام إلى مسار التطبيع.
وبحسب المقال، فإن "الشيخ الجعبري وأربعة شيوخ آخرين بارزين في الخليل وقّعوا رسالة يتعهدون فيها بالسلام والاعتراف الكامل بإسرائيل كدولة يهودية. خطتهم تقوم على أن تنفصل الخليل عن السلطة الفلسطينية، وتُقيم إمارة خاصة بها، وتنضم إلى اتفاقيات أبراهام."
للوهلة الأولى، يبدو هذا المقترح كمبادرة محلية ذات طابع قبلي تقليدي في الضفة الغربية. لكن في الخلفية، تقف حملة منظمة ومنسقة تنبع فعليًا من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتستهدف الجمهور الأميركي من الإنجيليين والمحافظين، وقد تزامنت مع زيارته الأخيرة إلى واشنطن.
هذه القصة حول "شيوخ الخليل البارزين" ليست جديدة؛ فقد طُرحت لعقود. لكن إعادة تدويرها الآن، بهذا الشكل، يحمل بعدًا سياسيًا واضحًا: إعادة تشكيل الرواية الفلسطينية لتجريدها من طابعها الوطني الجامع، وتحويلها إلى كتل قبلية قابلة للتفاوض الفردي.
نموذج جديد
هذا السياق لا ينفصل عن واقع ما بعد حرب غزة. نظرية نتنياهو التي تقول إن "حماس ورقة استراتيجية"، كما وصفها بعض الإعلام الإسرائيلي، سقطت. ورهاناته على تقسيم الفلسطينيين سياسيًا وأمنيًا انهارت. ومع تآكل سلطة حماس بعد الحرب، تبقى السلطة الفلسطينية الجهة الرسمية الوحيدة المتبقية.
لكن نتنياهو يرى أن أي مسار يؤدي إلى حل الدولتين يُهدد مشروعه السياسي. لذا يحاول الآن طرح "بدائل اصطناعية" قد تروق للرئيس الأميركي دونالد ترامب واليمين الأميركي. يعلم نتنياهو جيدًا أن ترامب ليس متحمسًا لحل الدولتين، لكنه يحب فكرة "السلام عبر الصفقات"، خاصة مع دول الخليج. ومن هنا تظهر فكرة "إمارة الخليل" كنموذج جديد — خفيف، قابل للهضم، وقابل للتسويق.
زعماء محليون يرتدون العباءات والعمائم، يديرون منطقتهم بترتيبات اقتصادية وأمنية — فكرة تستهوي خيال ترامب — وتقلّص الصراع الفلسطيني إلى إدارة محلية لا تشكل تهديدًا للمصالح الإسرائيلية. يسابق نتنياهو الزمن لإحباط ما قد يتحوّل إلى مبادرة جديدة من ترامب لإحياء حل الدولتين ضمن اتفاق سلام ثلاثي مع السعودية. وهو يعلم أن غياب حماس، وتوحّد الضفة وغزة تحت راية السلطة الفلسطينية، قد يجعل هذا الطرح مقبولًا دوليًا.
فرّق تسد
يعيد نتنياهو تفعيل سياسة التفتيت: طرح بدائل مصطنعة مثل "إمارة الخليل"، وتضخيم ملفات ضعف السلطة واتهامات الفساد ضدها، والتشكيك بقيادتها عبر تسريبات محسوبة التوقيت — كل ذلك بهدف إضعافها أكثر أمام الرأي العام المحلي والدولي. المستوطنون لن يقبلوا بتفكيك الخليل، والفلسطينيون لن يسكتوا عن إخراجها من الجغرافيا السياسية للسلطة. والنتيجة المتوقعة: انفجار داخلي يزيد من هشاشة الضفة الغربية.
"إمارة الخليل" ليست مشروعًا واقعيًا، بل أداة دعائية ضمن حملة لعرقلة أي تقدّم نحو حل الدولتين. والمستفيد هو نتنياهو — الذي ينجح مرة أخرى في تسويق وهم الحلول البديلة لتأجيل تسوية حقيقية. قد ينجذب ترامب إلى هذا المقترح، لكن السعودية لن تقبله دون حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
بعد الحرب، سيواجه العالم فظائع غزة، وستعود قضية الدولة الفلسطينية إلى جدول الأعمال الدولي بقوة أكبر.
صحيح أن السلطة الفلسطينية اليوم ضعيفة ومتهمة بالفساد وسوء الإدارة، لكنها تبقى الكيان الفلسطيني الوحيد المعترف به دوليًا. أما أوهام الدعاية، فستتلاشى سريعًا عند أول اختبار ميداني. لكن التقليل من أهمية هذه الخطوة يعكس عجزًا عن مواجهة الواقع وسياسة الانتظار التي تمارسها القيادة الفلسطينية.
مكونات النظام الفلسطيني شديدة التعقيد — وكأنها تمارس الصمت أمام هذا الفعل — وتتحمل مسؤولية مضاعفة إذا لم تدرك خطورة الخطوة الإسرائيلية والتحرك لمواجهتها.
المصدر: موقع worldcrunch
الكاتب: غرفة التحرير