السبت 12 شباط , 2022 07:54

الأزمة اللبنانية.. ما هي خيارات واشنطن المعلنة والخفية؟

السفيرة الأميركية دوروثي شيا

تستمر الأزمة اللبنانية بكل تشعباتها السياسية والاقتصاية والحياتية مع ما يرافقها من ضغوط خارجية لا سيما الحصار الاميركي السعودي على لبنان ومحاولات الضغط على بعض الاطراف لا سيما حزب الله للاستثمار في الانتخابات النيابية المقبلة، وذلك بالاستعانة بزيادة التجييش ومحاولات خلق فتن متنقلة واستغلال اوضاع الناس المعيشية الصعبة والتلاعب بأسعار الدولار ورفع أسعار السلع المختلفة وخلق ازمات شبه يومية للمواطن اللبناني.

في ظل كل هذه الظروف الضاغطة تطرح التساؤلات عن السبل الممكنة والمتاحة للخروج من الازمة، هل الأمر يتعلق فقط بالانتخابات وما قد تفرزه من نتائج؟ هل الامر يتعلق بعهد الرئيس ميشال عون ومحاولات إفشاله، ام ان الامر أبعد من ذلك ويتعلق بمجمل النظام القائم في لبنان؟ 

حرب اقتصادية بامتياز
لا شك ان الجهات الخارجية وعلى رأسها الادارة الاميركية والنظامين السعودي والاماراتي تلعب دورا كبيرا في كل ما يجري اليوم في لبنان، حتى ان البعض يصف ما يحصل بأنه حرب اقتصادية بامتياز، وان لبنان اليوم بات مشمولا بشكل او بآخر بـ"قانون قيصر"، والطبيعي ان كل ما يجري هدفه الاستثمار السياسي في اللحظة المناسبة، كمن يرفع سقفه لتحقيق أهداف معينة عندما تحين لحظة الحل او التسوية او فرض الشروط، وهنا لا بد من الاشارة الى ان من عادة الاميركيين ان يرسلوا برسائل ويطرحوا عروضهم للتفاوض بالتزامن مع الضغوطات التي يجرونها.

الاميركيون وطرح المداورة
وانطلاقا من ذلك يرسل الاميركي اليوم رسائل عديدة الى الداخل اللبناني والى بعض الجهات الاساسية على الساحة الداخلية عبر قنوات غير مباشرة، تتضمن طروحات مختلفة وتصورات قد تساعد بتحريك المياه الراكدة للخروج من الوضع القائم، بينها ما يتعلق بإجراء "مداورة" في الرئاسات الثلاث وبعض المراكز الاساسية في مؤسسات الدولة كقيادة الجيش ورئاسة المجلس النيابي والمؤسسات الامنية الاخرى، ويجري الحديث "غير المنطقي" عن المداورة مثلا بإعطاء قيادة الجيش للطائفة الشيعية مقابل إعطاء منصب رئيس مجلس النواب للموارنة وهكذا، ولا يخفى ان هدف مثل هذه الطروحات هو إحداث شرخ بين المقاومة وحلفائها، والاصطياد بالماء العكر في الساحة الشيعية، والدفع بالجيش مع كل ما يعانيه من ضغوط ،وتحميل الثقل في هذه المرحلة للثنائي الشيعي مع ما يحمله هذا الامر من مخاطر حيث يمكن ملاحظة استمرار استهداف الرئيس  نبيه بري (الى جانب استهداف حزب الله) سواء عبر عقوبات فرضت على معاونه السياسي النائب علي حسن خليل او العمل بشكل كبير على التصويب عليه وتشويه صورته وصورة حركة امل، ويبدو ان الاميركيين في مرحلة ما بعد الاستحقاق الانتخابي عينهم على رئاسة المجلس النيابي في محاولة لإبعاد الرئيس بري عنها، وهو الذي يرتبط بحلف استراتيجي صلب مع حزب الله.

السفيرة شيا مكّلفة رسميا بإدارة ملف الانتخابات النيابية!
ومن الطروحات والخطط البديلة للأميركيين هو التعويل على الانتخابات النيابية المقبلة والعمل على تحقيق نتائج لصالحهم عبر السعي لايصال جهات تعمل لصالحهم سواء ما يسمى "جمعيات المجتمع المدني" NGOs  او بعض الجهات الاخرى كبقايا حزب الكتائب اللبنانية، وايضا عبر القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع وغيرهم من "ثوار" 17 تشرين، والرهان على إحداث خروقات في الساحة المسيحية لاخذ مقاعد نيابية من رصيد التيار الوطني الحر، والهدف هو الحصول على الاغلبية النيابية في محاولة لمحاصرة المقاومة داخل البرلمان، فالاميركي يسعى للحصول من جهة على رئاسة المجلس ومن جهة ثانية على الاغلبية(تابعة له) داخله، وبذلك يعتقد انه قادر على فرض قوانين وتشريعات تحاصر المقاومة وتضعف حلفاءها بما يساعده على تغيير الواقع بالتعويل على أدواته في الداخل عبر تشيكل حكومة ضد المقاومة مع ما يمكن ان تتخذه مثل هذه الحكومة من قرارات شبيهة ربما بما فعلته حكومتي فؤاد السنيورة في الـ2006 و2008. وبالطبع تبقى عين الاميركي على منصب الرئاسة اللبنانية، من هنا نلمس اهمية ما نقل عن السفيرة الاميركية دوروثي شيا في احد اللقاءات قيل ايام قليلة بانها مكّلفة رسمياً من قبل الادارة الاميركية لادارة الانتخابات اللبنانية، وهي بهذا تكشف عن حجم التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبنانيين بما يخالف الدستور فضلاً عن انتهاك القوانين والاعراف الدولية. 

حزب الله وحلفاؤه سيحافظون على الاكثرية النيابية!
لكن الاكيد ان المقاومة وحلفاءها وجمهورها يتمتعون بالوعي والتقدير الكافي للموضوع وللأفخاخ الاميركية التي تنصب، حتى ان إمكانية فوز حلفاء وأدوات اميركا في الداخل اللبناني بالاغلبية النيابية غير محسوم  ويحتاج الى بحث لا سيما مع قرار سعد الحريري بعدم الترشح ومنعه اي ترشيح باسم "تيار المستقبل"، وهذا القرار ورقة رابحة منحت مجاناً للحزب وحلفائه اذا احسنوا استخدامها، وما تبعه من توتر بالعلاقة مع جعجع والقوات اللبنانية، فمثل هذه الامور ستؤدي الى خسائر اضافية في صفوف "الفريق الاميركي" بالانتخابات، حيث بدأت استطلاعات الرأي تشير الى امكانية تراجع حجم كتلة "القوات اللبنانية" النيابية من 15 الى 12 أو 11 مقعدا كما تظهر الى صعوبات فعلية يعانيها الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط في العديد من الدوائر بما فيه معقله التاريخي في الشوف وعاليه، كل ذلك قد يساهم بإبقاء الاغلبية مع فريق المقاومة وحلفائها، خاصة مع الاعلان عن تحالف انتخابي بين التيار الوطني الحر وحركة امل وحزب الله في الانتخابات المقبلة الامر الذي لم يكن موجودا في الانتخابات الماضية.

تدويل الأزمة: آخر أسلحة الأميركيين!
ان الاميركي الذي يحسب حساب لامكانية خسارة "فريقه" للانتخابات، يسعى لتقديم طروحات قد تجعله يفرض شروطه في لبنان بطريقة اخرى، وذلك عبر الحديث في الكواليس عن امكانية إقامة مؤتمر دولي للازمة اللبنانية، يعمل الاميركي من خلاله على تدويل الازمة وفتح الباب امام تدخلات غربية اكثر ما يسمح له بفرض ما يريد سواء بشكل مباشر او غير مباشر، وهذا الامر له صدى لدى شخصيات روحية وسياسية لبنانية على رأسهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وايضا عبر سمير جعجع ووليد جنبلاط وغيرهم ممن لا يفوتوا اي فرصة إلا ويطرحوا تدويل الأزمة اللبنانية، وقد برز هذا الامر بمجرد حصول انفجار مرفأ بيروت ووصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت، ومن ثم اتصاله بالرئيس الايراني هاتفياً وطلب مساعدة الجمهورية الاسلامية في ايجاد حل للواقع اللبناني، ملمحاً الى مؤتمر دولي بهذا الشان وان ايران ستكون مدعوة للمشاركة فيه، كذلك عبر طرح حياد وتحييد لبنان، ومؤخراً عبر التهليل لما يسمى "مبادرة" خليجية للازمة، وغيرها من الافكار التي تصب في نفس الخانة الاميركية والغربية علما ان هذه الخيارات (أيا كانت التسميات والعناوين التي تعطى لها) هدفها في الجوهر محاصرة حزب الله ونزع سلاح المقاومة أي أنها تخدم بشكل واضح ومباشر كيان العدو الاسرائيلي.

الاكيد ان مختلف الطروحات الاميركية التي يجري التسويق لها لا تهدف إلا لزيادة الضغط على لبنان وعلى الاطراف الوطنية فيه وعلى رأسهم المقاومة، وإعطاء "صك براءة" لحلفاء الغرب والانظمة الخليجية من الفاسدين الذين تلوثت صفحاتهم وأيديهم عبر عشرات السنوات بالجرائم المالية وغير المالية، وصولا لتحقيق الاهداف الاميركية بفرض الشروط على لبنان سواء من بوابة صندوق النقد او القروض التي قد تمنح له، والخدمات الوهمية التي تحاول سفيرة واشنطن في لبنان دوروثي شيا وغيرها من المسؤولين الاميركيين التسويق لها او من بوابة ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة وغيرها من الاوراق الاميركية المكشوفة للبنان وقياداته الوطنية وشعبه والتي سيتم تعطيلها عاجلا ام آجلا.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور