الأربعاء 23 تموز , 2025 04:36

الاستراتيجية الجديدة للجيش الإسرائيلي: الهجوم بدل الدفاع!!

إيال زامير

عقدت هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ أيام، جلسة خاصة برئاسة رئيسها الجنرال إيال زامير، خصصتها من أجل إجراء مراجعة استراتيجية شاملة للتحديات الأمنية التي تواجه الكيان المؤقت، مع الإشارة إلى أن هذه الجلسة لم تُعقد بهذا العمق منذ نحو عامين، أي منذ عملية طوفان الأقصى. ما يدلّ على أن إسرائيل لا تزال تشعر بالمخاطر الوجودية، بل وبناءً على ما تم تسريبه إعلامياً من خلاصات لهذه الجلسة، فإن مخاطر كيان الاحتلال الإسرائيلي زادت مع تزايد ساحات التهديد العملية في محور المقاومة.

ووفقاً لما تم نشره في وسائل الإعلام الإسرائيلي، فإن هيئة الأركان العامة الإسرائيلية توصلت الى النتائج التالية:

_ يجب أن تتضمن جميع "حدود إسرائيل" منطقة عازلة مدمجة بشكل دائم، من الآن فصاعدًا. معتبرين بأنه حتى الآن، نجحت إسرائيل في إنشاء هذه المناطق العازلة على حدود قطاع غزة، وسوريا ولبنان. أما على الحدود مع مصر والأردن، فلا تزال المناطق العازلة غير واضحة بشكل كافٍ، رغم أن الكيان تربطه "اتفاقيات سلام" مع هذين البلدين.

فبالنسبة لمصر، فإن بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1978 بينها وبين إسرائيل، لا تزال تقيد الانتشار العسكري المصري بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة، وبالتالي يفترض عسكريو الاحتلال بأن لا مخاطر عليهم من هذه الجهة. وأما بالنسبة للأردن، فهم يعتبرون بأن جيشه أصغر بكثير وأقل تهديدًا محتملًا، كما أن وجود وادي الأردن يوفر نوعًا من المنطقة العازلة لمعظم أراضي الكيان، رغم أنه لا يحمي القرى الإسرائيلية الصغيرة في المنطقة. وأشاروا الى ما شهدته الحدود مع مصر والأردن من حالات تسلل محدودة لـ"مهربين أو عناصر مسلحة".

_التأكيد على أنه بخلاف ما كان قبل عملية طوفان الأقصى، فإن معظم احتياجات الكيان الدفاعية ستحقق عبر الهجوم الاستباقي. وأنه حاليًا، تنفذ قوات الجيش الإسرائيلي في غزة وسوريا ولبنان هجمات دورية، لمنع القوى المعادية للكيان من إعادة تشكيل التهديدات الكبيرة التي كانت تمثلها قبل اندلاع الحرب.

_قرر الجيش أن يتم وضع تعريفات مختلفة للنجاح في المستقبل، تختلف باختلاف الجبهات والعدو المواجه، واستبدال جولات القتال محدودة لإعادة ضبط الردع، بالقتال الضاري، ولكن بدرجات متفاوتة ومن دون هدف موحد.

ففي غزة، يتمثل هدف جيش الاحتلال الحالي بمنع أي عملية إعادة تأهيل عسكري لفصائل المقاومة بشكل كامل.

أما في لبنان، فلا يسعى الجيش الإسرائيلي إلى "القضاء الكامل على حزب الله كقوة عسكرية، بل يهدف إلى منعه من التمركز في جنوب لبنان، وإبقاء الضغط عليه حتى لا يتمكن من تنظيم عمليات عسكرية واسعة النطاق أو أكثر تهديدًا حتى في عمق الأراضي اللبنانية".

وفي سوريا، سيُبقي الجيش الإسرائيلي القوات العسكرية السورية خارج المنطقة العازلة، ويتدخل في لحظات مختارة داخل الأراضي السورية بشأن قضايا عسكرية، كما حصل في السويداء مؤخراً.

_التشديد على ضرورة قيام الجيش بوضع سياسات طويلة الأمد للتعامل مع القوات المسلحة اليمنية، إلى جانب وضع تصور للتعامل مع إيران في مرحلة ما بعد العدوان الذي حصل بين 13 و24 حزيران / يونيو.

وسيُوكل جزء كبير من هذه السياسات إلى القائد الجديد لقيادة العمق في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال دان غولدفوس، الذي تولى قيادة العمليات الميدانية في خان يونس خلال عامي 2023-2024.

نقاط لا بُد منها حول الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة

وبناء على ما تم تسريبه من عناوين عامة لجلسة هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يمكن اكتشاف عدة مؤشرات استراتيجية بالغة الأهمية يمكن استثمارها في تقييم نوايا الاحتلال الإسرائيلي، وتحسين التموضع الدفاعي والهجومي لمحور المقاومة.

وأبرز هذه النقاط:

1)التحوّل الاستراتيجي الكبير في خطط الكيان من "الدفاع" الى "الهجوم"، وبالتالي يجب توقع العدوان منه بشكل مستمر، وعدم أي أهمية لأي اتفاق وقف إطلاق النار أو أي وضع سياسي أو عسكري أو أمني مستقر، بل يجب رفع مستوى الحذر في جبهات المقاومة الى حدودها المعقولة، بما يتيح امتصاص تداعيات أي عدوان مفاجئ والتقليل من نتائجه.

ومن جانب آخر، يعكس هذا الأمر حالة الهلع الاستراتيجي لدى الكيان، بعد فشل أجهزته العسكرية والأمنية الاستخباراتية في منع حصول عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر، وأنه بات يعتبر أي "هدوء" هو خطر استراتيجي عليه.

2)الإقرار الضمني بالعجز عن الحسم (برياً وجوياً) أمام حركات المقاومة خاصة في قطاع غزة وفي لبنان، فلم يعد هدفهم "القضاء على حزب الله" بل فقط منعه من التمركز في جنوبي لبنان أو منعه من شن هجمات كبيرة، ولم يعد هدفهم "تدمير حماس وفصائل المقاومة في غزة" بل "منع إعادة تأهيل قدرات هذه الفصائل بشكل كامل"، وهي التي حققت ولا تزال عمليات نوعية وجريئة (أي الفصائل)، تُثبت فشل الهمجية الجوية والقوات البرية الإسرائيلية من تحقيق أي إنجاز استراتيجي (إخضاع المقاومات).

3)مفهوم "المناطق العازلة" وخيار الهجمات الاستباقية، يؤكّد بأن الكيان لم يعد يثق بقدرته على ردع حركات المقاومة عن شن هجمات مفاجئة وبالعمق أيضاً.

هذا يفتح الباب أمام تصعيد تكتيكي محسوب لقوى المقاومة، لتحدي هذه الاستراتيجية وفرض معادلات ردع جديدة.

4)ضرورة وضع خطط طويلة الأمد ضد اليمن وإيران، تؤكّد فشل اعتداءات إسرائيل عليهما، وبأنها مهما حققت من "إنجازات" فهي ذات مدى زمني قصير، ولذلك فهي بحاجة الى خطط ذات مدى زمني طويل. كما يؤكّد على أهمية ونجاح معادلة "وحدة الساحات".

وهذا ما يثير أهمية تطوير وتعزيز معادلة "وحدة الساحات" في المستقبل، من خلال إيجاد وسائل ووضع برامج عمل تُقوي مجالات التنسيق الميداني، وتُفعّل الجبهات المتعددة لتشتيت الجهد الإسرائيلي.

5)إسرائيل تعطي أهمية متزايدة للعمليات خلف الخطوط، وهذا يعني أن محور المقاومة بكل مكوناته يجب أن يترقب حصول عمليات التسلل والكوماندوس من قبل الوحدات الخاصة الإسرائيلية، التي ربما تُحاول زرع العبوات الناسفة واختراق منشآت ومواقع مهمة (تعجز عن فعل ذلك عبر القصف الجوي) أو تنفيذ اغتيالات. وبالتالي من الواجب رفع الاستعداد الميداني والاستخباري ضد هذا النوع من التهديد.


الكاتب:

علي نور الدين

-كاتب في موقع الخنادق.

- بكالوريوس علوم سياسية.

 




روزنامة المحور