الخميس 03 تموز , 2025 03:48

التحول الأميركي العميق: "إسرائيل" تفقد الغطاء السياسي التقليدي

الوجوه الجديدة في أميركا تنأى بنفسها عن دعم الكيان

في الوقت الذي تشهد فيه "إسرائيل" تصاعداً غير مسبوق في اعتمادها على الدعم العسكري والسياسي الأميركي، تتنامى في ذات الوقت أزمة استراتيجية: التراجع التدريجي في الإجماع السياسي الأميركي التقليدي المؤيد للكيان، داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حدّ سواء.

يعرض المقال الذي نشره موقع "ذا ناشيونال انترست" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، كيف أن التحولات الديمغرافية والسياسية في الولايات المتحدة من صعود -جيل جديد أقل ارتباطاً بإرث مثل "الهولوكوست"، بالإضافة إلى تنامي نفوذ الناشطين والمجموعات غير البيضاء داخل الحزب الديمقراطي- بدأت تُضعف من مركزية "إسرائيل" في الخطاب السياسي الأميركي.

كما يتوقف المقال عند تغيّر المزاج داخل الحزب الجمهوري، حيث يزداد تأثير التيار الشعبوي والانعزالي الذي يرى في التدخل الأميركي دفاعاً عن الكيان عبئاً لا يخدم المصلحة القومية المباشرة. في خضم هذه التبدلات، يرى المقال أن النخب السياسية التي لطالما كانت "صمّام أمان" لعلاقات واشنطن بتل أبيب، بدأت تنسحب من المشهد، في لحظة تبدو فيها "إسرائيل" في أشدّ الحاجة إلى تلك العلاقة.

المقال المترجم:

الإجماع الحزبي التقليدي المؤيد ل "إسرائيل" في السياسة الأميركية بدأ يتلاشى تماماً في اللحظة التي تحتاج فيها "إسرائيل" إليه بشدّة. ولطالما كرّر بعض المعلّقين السياسيين مقولة مستهلكة مفادها أن "الولايات المتحدة ترسل جنودها ليُقتلوا من أجل إسرائيل".

وفي ولايته الأولى كرئيس للوزراء في سبعينيات القرن الماضي، كان إسحاق رابين أول زعيم إسرائيلي يعلن صراحة سياسة تقضي بعدم طلب قوات قتالية من الولايات المتحدة وهي مقاربة حافظ عليها جميع من خلفوه في المنصب.

أجرت الولايات المتحدة و"إسرائيل" تدريبات عسكرية مشتركة، وتعاونتا بشكل وثيق في مجال الدفاع الصاروخي، وطوّرتا واختبرتا معاً أنظمة أسلحة جديدة، وتبادلت أجهزة الاستخبارات المعلومات، وتشاورتا بشأن الاستراتيجيات. ومع ذلك لم تكن "إسرائيل" قد طلبت بعد وجود قوات أميركية على الأرض، باستثناء المستشارين والوحدات المساندة. وبدلاً من ذلك، قدّمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية واسعة لجيش "الدفاع" الإسرائيلي، مبررة ذلك بالحجة القائلة إن الجيش الإسرائيلي يُمثّل بمثابة "حاملة طائرات أميركية لا تغرق" في الشرق الأوسط بديلاً عن نشر دائم لقوات عسكرية كما هو الحال في ألمانيا أو كوريا الجنوبية أو اليابان أو قطر.

غير أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفي وقت سابق من يونيو، ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك: فكسر التابو القديم الذي أسسه رابين، وطلب ليس فقط دعماً دفاعياً من الولايات المتحدة، بل أن يقوم الطيارون والطائرات الأميركيون بقصف المواقع النووية الإيرانية.

وكما قال ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة هآرتس: "للمرة الأولى، تطلب إسرائيل من أميركا أن تقاتل إلى جانبها، أو نيابةً عنها". ويرى بن أن هذه المهمة كانت أكبر من أن يتولاها الجيش الإسرائيلي وحده.

لكن ما يثير قلق بعض الأوساط الإسرائيلية، هو أن اعتماد "إسرائيل" على الولايات المتحدة يزداد في الوقت نفسه الذي تؤدي فيه التحولات الديمغرافية والسياسية داخل أميركا إلى ضغوط متزايدة لتخفيف الروابط بين البلدين.

الجيل القديم بدأ ينسحب من المشهد، ويحلّ محله جيل جديد، علاقته بالجالية اليهودية ونظرته إلى "إسرائيل" أكثر تردداً وغموضاً بكثير.

لقد شكّل التيار التقليدي المتقدّم في السن داخل الحزب الديمقراطي، والذي كان بمثابة الحاضنة السياسية لليهود الأميركيين منذ أوائل القرن العشرين، داعماً للقيم الليبرالية التي مكّنت اليهود من الوصول إلى مواقع النفوذ والسلطة داخل النظام السياسي.

لكن في الوقت نفسه، أصبح الحزب الديمقراطي يحتضن عدداً متزايداً من الناشطين السود، واللاتينيين، والمسلمين، الذين بدأوا يُشكّلون تدريجياً القاعدة الانتخابية الأهم داخل الحزب، مما جعله أقل اعتماداً على دعم اليهود الليبراليين، الذين تتناقص أعدادهم.

وترى هذه المجموعات وخاصة التيار التقدمي اليساري أن "إسرائيل" تمثّل موطئ قدم غربي في العالم الثالث، وينظرون إليها بريبة، انطلاقاً من قناعة بأنها تمارس القمع بحق الفلسطينيين الأصليين.

في الوقت نفسه، فإن الحزب الجمهوري، رغم تعاطفه المعلن مع "إسرائيل"، بدأ يكتسب طابعاً شعبوياً وانعزالياً بشكل متزايد، حيث يفقد الصقور المؤيدون ل "إسرائيل" والمفكرون المحافظون الجدد قدرتهم على رسم أجندة السياسة الخارجية للحزب كما في السابق.

ولا يزال الإنجيليون المسيحيون المؤيدون ل "إسرائيل" يشكلون جزءاً من القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري، لكن الجدل الحاد داخل حركة "ماغا" حول جدوى التدخل الأميركي في الحرب الأخيرة بين إيران و"إسرائيل" أظهر تنامي نفوذ التيار الداعم لنهج عدم التدخل، وهو تيار يشمل شخصيات بارزة مثل نائب الرئيس جي دي فانس، الذين يؤكدون أن المصالح الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية ليست دائماً متطابقة.

ويذهب التيار الانعزالي داخل الحزب الجمهوري إلى أن واشنطن بحاجة إلى اتباع سياسة "الإهمال الحميد" تجاه "إسرائيل" أي دعمها من حيث الخطاب أو التصويت في الأمم المتحدة، لكن مع تقليص كبير في الدعم الأمني الفعلي وتوجيه الأموال المُوفَّرة لصالح مشاريع تخدم الشعب الأميركي بشكل مباشر.

باختصار، فإن النخب السياسية التقليدية المؤيدة ل "إسرائيل" في الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة بدأت تخرج من المشهد.

وهذه الحقيقة ستنعكس عاجلاً أم آجلاً على سياسة واشنطن تجاه "إسرائيل"، في الوقت نفسه الذي تبلغ فيه حاجة "الدولة اليهودية" إلى الدعم الأميركي، واعتمادها عليه، مستويات غير مسبوقة.


المصدر: The National Interest

الكاتب: Leon Hadar




روزنامة المحور