انقسام عميق داخل الإدارة الأميركية وبين أوساط الجمهوريين في واشنطن بشأن مستقبل الدور الأميركي في الحرب بين إيران وكيان الاحتلال. فبينما يدفع الجناح الجمهوري التقليدي – ممثلاً بشخصيات مثل توم كوتون والجنرال كوريلّا – نحو تدخل عسكري أميركي مباشر، بما في ذلك توجيه ضربات إلى منشآت نووية إيرانية كـ "فوردو"، يبرز تيار آخر، ينتمي إلى مدرسة "أميركا أولاً" التي يمثلها دونالد ترامب، يعارض أي تورط جديد في حروب خارجية، ويضع مصلحة الداخل الأميركي فوق الاعتبارات الدولية.
يكشف المقال الذي نشرته صحيفة "ذا غارديان" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني عن أن ترامب ورغم خطابه الظاهري، يعمل على تجهيز البنية العسكرية اللازمة لتوجيه ضربة محتملة لإيران، من خلال تحريك حاملات الطائرات، ونقل طائرات التزود بالوقود، وبحث خيارات تشمل قنابل خارقة للتحصينات. في الوقت نفسه، يحاول الضغط على إيران لعقد اتفاق جديد. في العمق، يرصد المقال هذا المعركة داخل الحزب الجمهوري نفسه: بين من يعتبر "إسرائيل" قضية أميركية داخلية تستحق القتال من أجلها، ومن يرى أن الحروب التي تخوضها أميركا بالوكالة عن حلفائها تُنهك مواردها وتُضعف موقعها الاستراتيجي في مواجهة الصين.
ويلفت أيضاً إلى أن التحولات داخل البنتاغون، والإعلام الأميركي، وحتى في أوساط ترامب نفسه (مع انقسام بينه وبين شخصيات كتاكر كارلسون)، تنذر بأن قرار الحرب لم يُحسم بعد، لكنه مطروح بقوة على الطاولة. هذه القراءة تتيح فهم أعمق لميزان القوى داخل الإدارة الأميركية، وتُظهر أن أي عدوان واسع على إيران لن يكون محل إجماع داخل واشنطن، بل هو خيار محفوف بالمخاطر السياسية والعسكرية وقد يفتح باب مواجهة غير مضبوطة.
النص المترجم:
بينما يدرس دونالد ترامب خيار التدخل المباشر في الحرب بين "إسرائيل" وإيران، تندلع في واشنطن حرب من نوع آخر، بين "صقور" المحافظين الذين يطالبون بتنفيذ ضربات أميركية فورية على منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية، وبين التيار الانعزالي داخل حركة "ماغا"، الذي يصرّ على التزام ترامب بتعهده الانتخابي بعدم إدخال الولايات المتحدة في حروب خارجية جديدة. النقطة المحورية في هذا الجدل تكمن فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستُقدم على استهداف المنشأة النووية المحصّنة داخل جبل "فوردو"، وهي محطة رئيسية لتخصيب اليورانيوم تقع على عمق يتراوح بين 80 و90 متراً تحت الأرض، ولا يمكن للطائرات الإسرائيلية الوصول إليها مباشرة رغم قدرتها على "ضرب بعض البنى التحتية الداعمة لتشغيلها". مثل هذا الهجوم يتطلب استخدام قنابل أميركية خارقة للتحصينات من طراز "جي بي يو 57"، والتي تزن نحو 30,000 رطل، إلى جانب طائرات "بي 2" الشبحية القادرة على حملها. ولهذا، فإن الحصول على دعم واشنطن يُشكّل هدفاً استراتيجياً ملحاً بالنسبة للإسرائيليين.
ورد في أحد افتتاحيات صحيفة "وول ستريت جورنال" هذا الأسبوع: نشر ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد أنه "يمكننا بسهولة إنجاز صفقة لإنهاء الحرب"، لكن هذه الإمكانية ستكون أكثر ترجيحاً إذا ساعد "إسرائيل" في إنجاز المهمة العسكرية. وتابعت الصحيفة: "إذا لم يساعد السيد ترامب في استهداف منشأة فوردو، فستحتاج إسرائيل إلى مزيد من الوقت لتحقيق أهدافها الاستراتيجية". موقف أميركي محايد يعني حرب أطول. وفي نهاية الأسبوع، بدأت الولايات المتحدة بنقل طائرات تزويد الوقود جواً إلى أوروبا، وأمرت بإرسال مجموعة حاملة طائرات ثانية، وهي "يو إس إس نيميتز" إلى الشرق الأوسط وذلك ضمن استعدادات يقول خبراء إنها ضرورية لتنفيذ الضربة.
وتجدر الإشارة إلى أن القاذفات الشبحية للولايات المتحدة ليست متمركزة في المنطقة، إذ كانت مجموعة مكونة من ست قاذفات قد عادت من قاعدة دييغو غارسيا الجوية في المحيط الهندي إلى الولايات المتحدة في شهر أيار/مايو.
كتب سفير أميركا السابق في "إسرائيل" دانيال شابيرو: "ترامب يقوم بتجميع القوات اللازمة لتنفيذ ضربة على منشأة فوردو من حاملات طائرات وما شاكل" هذا لا يعني أنه اتخذ القرار بتنفيذ الضربة، لكنه يمنح نفسه هذا الخيار. فهل يمكن استخدام ذلك كورقة ضغط؟
وقد نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين كبار في البيت الأبيض قولهم إن طائرات التزود بالوقود وغيرها من الأصول نُقلت إلى أوروبا لتكون أقرب إلى الشرق الأوسط، ولتمنح ترامب "خيارات أوسع".
قال ترامب عبر منصاته: "على الجميع إخلاء طهران فوراً" في إشارة إلى مدينة يقطنها نحو 10 ملايين نسمة. رغم هذه التصريحات التصعيدية، حاول بعض المسؤولين الأميركيين تهدئة التكهنات حول نية الولايات المتحدة تنفيذ هجوم عسكري على إيران. فقد صرّح وزير الدفاع بيت هغسث، بالقول: "خلال عطلة نهاية الأسبوع، أمرتُ بنشر قدرات إضافية في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية وحماية القوات الأميركية هي أولويتنا القصوى". لكن تصاعد التوتر وطرح إمكانية تورط أميركي مباشر في الحرب، سبّبا انقساماً واضحاً داخل معسكر أنصار ترامب. فمن جهة، طالب بعض أبرز حلفاء ترامب – من بينهم نائبه جي دي فانس – بالامتناع عن إرسال القوات الأميركية للمشاركة في حروب خارجية. كما عبّر إعلاميون نافذون مثل تاكر كارلسون عن رفضهم الشديد لأي تورط عسكري في إيران، واصفاً المطالبين بذلك بأنهم "دعاة حرب". وأضاف "مصطلح دعاة الحرب يشمل أي شخص يتصل بدونالد ترامب اليوم مطالباً بضربات جوية وتدخل عسكري مباشر في حرب مع إيران".
لم يقتصر الانقسام داخل إدارة ترامب على الإعلام والسياسيين، بل امتد إلى وزارة الدفاع نفسها، حيث برز إلبريدج كولبي وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات، كأحد أبرز أقطاب تيار "الأولويات الجديدة" الذي يسعى إلى توجيه الموارد الأميركية بعيداً عن الشرق الأوسط وأوروبا، وتركيزها على مواجهة التهديد الصيني المتصاعد. ورغم نفي البنتاغون لوجود خلافات داخلية في السياسات، فإن مصادر مقرّبة من هذا التيار أشارت إلى أن الجمهوريين التقليديين – من أمثال السيناتور توم كوتون – إضافة إلى جنرالات مثل قائد القيادة المركزية مايكل إريك كوريلا، يواصلون الضغط على ترامب لتبنّي سياسة أكثر تشدداً تجاه إيران. يُذكر أن كوريلا كان له دور بارز في إطلاق عملية "الفارس الخشن"، الحملة الأميركية على الحوثيين التي استمرت سبعة أسابيع، وانتهت فجأة بعد استنزاف أكثر من مليار دولار، وآلاف القنابل والصواريخ، وخسارة سبع طائرات مسيرة وطائرتي مقاتلة سقطتا عن متن حاملات الطائرات. وعندما سُئل كوريلا مؤخراً من قبل رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، مايك روجرز، عمّا إذا كانت القيادة المركزية مستعدة للرد "بقوة ساحقة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي"، أجاب بثقة: "نعم، لقد قدمت لوزير الدفاع والرئيس مجموعة واسعة من الخيارات". في هذا السياق، وبينما كان ترامب عائداً من اجتماع مجموعة السبع في كندا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي، بدت احتمالات شنّ ضربة أميركية ضد إيران في ذروتها منذ اندلاع الأزمة. غير أن ترامب لم يتردد في الرد بقوة على كارلسون، فكتب على وسائل التواصل الاجتماعي "هل من أحد يشرح لتاكر كارلسون المجنون أن إيران لا يمكن أبداً أن تمتلك سلاحاً نووياً".
المصدر: The Guardian
الكاتب: Andrew Roth