الثلاثاء 03 حزيران , 2025 04:15

تداعيات "شبكة العنكبوت" الأوكرانية: الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات

طائرات دون طيار انتحارية اوكرانية

عشية مفاوضات حاسمة في إسطنبول، في الأول من حزيران / يونيو 2025، شنت أوكرانيا ما قد يكون إحدى أكثر عملياتها الهجومية ضد روسيا، جرأةً وتعقيدًا من الناحية التقنية، منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في شباط / فبراير 2022. وأفادت التقارير بأن القوات الأوكرانية استخدمت 117 طائرة بدون طيار في ضربة هجومية عميقة، استهدفت قواعد جوية روسية تقع على بُعد حوالي 4500 كيلومتر من الحدود الأوكرانية - وهي مسافة غير مسبوقة لمثل هذا الهجوم. وقد حملت هذه الضربة أبعادًا تكتيكية ورمزية وسياسية خطيرة، من شأنها أن تُعيد تشكيل أجواء المفاوضات الروسية الأوكرانية، وتُنذر بظهور تكتيكات جديدة في الصراع، خاصةً ما بعد حصول الردّ الروسي عليها.

تفاصيل العملية

ووفقًا للمصادر الأوكرانية، فإن العملية انطلقت من داخل الأراضي الروسية، لتجنب منظومات الاعتراض والدفاع الجوي، وعلى بُعد أمتار قليلة من منشأة تابعة لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB). أمّا الجانب الأخطر والأهم فهو في كيفية تهريب الطائرات دون طيار FPV، التي اتضح بأنها كانت مُخبأة داخل منازل خشبية وهمية تم تركيبها على شاحنات، وعبرت الأراضي الروسية الشاسعة. وعند الوصول إلى منطقة التجمع، فُتحت أسقف الشاحنات عن بُعد، مطلقةً سربًا من الطائرات المسيرة نحو أهدافها: مطارات عسكرية روسية تستضيف قاذفات بعيدة المدى (مخصّصة لحمل الأسلحة النووية)، وبنية تحتية للإمدادات، وأصولًا جوية استراتيجية.

ويشير اختيار الأهداف وطريقة نشر الدرونات الانتحارية، على مستوى عالٍ من التخطيط والتنسيق، ربما لا يكون أوكرانياً فقط، بل من المرجّح جداً وقوف العديد من الدول الغربية ورائه. كما يشير إطلاق عملية واسعة النطاق كهذه من داخل "أراضي العدو" إلى قدرات استخباراتية كبيرة ولحظوية، وإلى وجود تواطؤ محلي - سواء من عملاء أوكرانيين أو متعاطفين مع أوكرانيا داخل روسية روسيا، أو ربما شبكات مرتزقة.

لكن المستغرب الذي يثير تساؤلات عميقة، هو حجم الخلل الذي أصاب الأمن الداخلي لروسيا، وحجم إخفاقات أجهزتها المخابراتية التي لم تستطع ردع أو إحباط أو تقديم الإنذار المبكر لحصول هذه العملية. كما بيّنت العملية مدى هشاشة البنية التحتية العسكرية الخلفية لروسيا، بحيث لم تستطع منظوماتها (المفترض وجودها في المطارات العسكرية أو المنشآت الاستراتيجية)، من رصد وصدّ هذه الطائرات الانتحارية.

خطورة الضربة والخسائر الروسية

تزعم أوكرانيا أن العملية أسفرت عن أضرار جسيمة، بما في ذلك تدمير أو تعطيل ما يصل إلى 40 طائرة روسية بينها قاذفات نووية. وفي حين أن هذه الأرقام لا تزال غير مؤكدة، فإن أي نجاح جزئي سيُمثل ضربة موجعة للطيران الاستراتيجي الروسي. فهذه القاذفات بعيدة المدى والطائرات الحاملة للصواريخ المتمركزة في عمق روسيا لها دور أساسي لحملة موسكو الصاروخية على البنية التحتية الأوكرانية. وقد يؤدي تعطيل هذه الأصول أو إضعافها إلى تأخير أو تقليص الحملات الجوية الروسية المستقبلية ضد أوكرانيا، كما يؤدي حتماً الى تعطيل بعض قدرات الردع النووي الروسية.

التوقيت والسياق السياسي: مفاوضات إسطنبول

ولم يكن توقيت العملية صدفة. فقد وقعت الضربة قبيل بدء المفاوضات في إسطنبول، وهي محادثات تُعتبر إحدى القنوات القليلة المتبقية لحل النزاع المحتمل أو على الأقل لتهدئة مؤقتة.

لذلك شكّلت هذه العملية بالنسبة لأوكرانيا وحلفائها الغربيين، رسالة قوة وصمود وردع. كما ساهمت في تعزيز فكرة أن أوكرانيا لم تُنهَك تمامًا، وأنه لا يزال بإمكان كييف مفاجأة خصمها بمناورات استراتيجية جريئة، وهذا ما يُعزز موقفها التفاوضي، لا سيما إذا تضمنت محادثات إسطنبول مناقشات حول وقف إطلاق النار، أو التنازلات الإقليمية، أو الضمانات الأمنية طويلة الأجل.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وخاصةً لرئيسها دونالد ترامب - الذي أبدى اهتمامًا بالضغط على روسيا لتخفيف موقفها - فإن الضربة الأوكرانية تساعده على تغيير طريقته في التعامل مع بوتين. فمن خلال كشف نقاط الضعف الروسية، بمكن لترامب ومن خلفه الغرب الضغط على روسيا ومنعها من إملاء "شروط السلام".

بالمقابل، قد يقول البعض بأن هذه العملية وربما غيرها من العمليات الأوكرانية - كما حصل اليوم الثلاثاء عبر استهداف جسر القرم - قد يدفع روسيا الى تصعيد مواقفها وشروطها وعملياتها العسكرية أيضاً. بحيث قد يأمر الكرملين بالرد عبر حملات قصف مكثفة تستهدف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، أو مراكز القيادة، أو مستودعات الأسلحة. وقد دعا معلقون عسكريون روس غير رسميين بالفعل إلى ردٍّ قاسٍ، ومن المرجح أن تستغل موسكو محادثات إسطنبول ليس كفرصة للتسوية، بل لمضاعفة مطالبها الحالية.

الحسابات الاستراتيجية الروسية وخيارات الرد

على الرغم من خطورة الضربة، من المرجح أن يمتص الكرملين الصدمة بمزيج من الرد التكتيكي والصبر الاستراتيجي. وقد كان هذا النهج هو أسلوب عمل روسيا طوال الصراع. أدت الضربات الأوكرانية الكبرى في الماضي - مثل إغراق موسكفا (السفينة الرئيسية لأسطول البحر الأسود)، وتدمير قاعدة ساكي الجوية، وقصف جسر القرم، أو هجمات الطائرات بدون طيار على الكرملين نفسه - إلى ردود فعل روسية فورية، وإن كانت محدودة نسبيًا. وقد تجنب بوتين باستمرار التصعيد الذي قد يجر روسيا إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه أو حرب شاملة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور