الإثنين 13 آذار , 2023 05:00

إيران والسعودية.. المصالح تدفعهما لتجاوز الخلافات

الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية

لا شك أن الإقليم والعالم يمر بسلسلة من التحديات والأزمات الكبيرة، فلم يلتقط العالم أنفاسه من جائحة كورونا، حتى اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية وما فرضته من اصطفافات زادت من حدة الاستقطاب بين القوى التقليدية بزعامة الولايات المتحدة، والقوى الصاعدة وفي القلب منها الصين ذات الحضور الاقتصادي الكبير؛ هذا العملاق الذي بات يشكل منافساً قوياً للولايات المتحدة الأمريكية ويهدد بقاءها في الصدارة العالمية.

ولعل منطقتنا العربية من أكثر المناطق في العالم تأثرًا بفعل الأزمات الكثيرة التي تشهدها المنطقة منذ عقد من الزمان، وقد زادت هذه التداعيات وما تبعها من تبدل الأولويات العالمية والسياسات الدولية. فلم تعد المنطقة العربية هي ساحة الاهتمام الأولى في ظل الخطر الذي يهدد أوروبا بفعل ما يجري في أوكرانيا، وقد ظهر ذلك على شكل تراجع في الحضور الأمريكي والغربي في المنطقة، وذلك بهدف تعزيز حضورهما في الحرب الدائرة.

وقد وفرت هذه البيئة فرصة مهمة للجمهورية الإسلامية الايرانية، فالتراجع الأمريكي والإنكفاء الأوروبي مثّل هدية لصناع السياسة الإيرانية، وقد عمل الإيرانيون لاستغلال ذلك في مسارين مهمين، المسار الأول هو الاستفادة من الحرب الدائرة في الترويج للصناعات الحربية وتزويد روسيا الحليف بوسائل قتالية حديثة. وهنا نقصد الطائرات المسيرة التي باتت من أهم عوامل حسم الصراعات المسلحة بفعل مزاياها العملياتية التي تستطيع استهداف كل أنواع الأهداف وتعطي نتائج ممتازة وترجح سير المعارك للطرف الذي يمتلكها.

بالإضافة لاستثمار إيراني في مسار آخر، يتمثل بتعزيز وجودها في المنطقة والإقليم، سواء في تكثيف تواجدها في مياه الخليج لتعزيز أمن الملاحة، أو في دعم وإسناد حلفاءها في المنطقة بكل الأشكال.

لذا من الصعب التكهن إذا ما أدركت السعودية بأن التهديد الإيراني للمملكة يجري تضخيمه من الولايات المتحدة والقوى الغربية من أجل الاستمرار في ابتزازها، وبأن الغرب لا يروقه أن يشاهد وحدة إسلامية حقيقية، حتى لو بالحد الأدنى من التوافق بين شعوب المنطقة، وخاصة بين دولتين مهمتين مثل إيران والسعودية، تمثلان ثقلاً كبيراً في المنطقة، خاصة وهما المتصدرتان لحالة الاستقطاب السنية الشيعية، فأي تقارب بينهما سيلقي بظلال إيجابية على كل دول المنطقة ويخفف هذا الاحتقان.

لعل تشابك المصالح الكثيرة المشتركة بين البلدين دفعت باتجاه الخطوة الإيجابية التي ترعاها بكين، فمن تفرقهم الخلافات قد تجمعهم مصالح شتى، خاصة إذا اقترن الأمر بانكفاء أمريكي غربي أدار الظهر للمنطقة وأبدى اهتماماً أكبر بالحرب الأوكرانية الروسية.

إلا أن التفاؤل الذي أعقب الإعلان عن البيان الصيني، الذي زف الخطوات الإيجابية التي اتخذها البلدان يبقى موضع اختبار، فسنوات القطيعة خلفت العديد من الإشكاليات والفجوات الكبيرة التي تحتاج إلى ردم بين الجانبين للوصول للثقة المتبادلة؛ خاصة مع تذمر كيان الاحتلال ومعارضته الصريحة لكل أشكال تقارب دول المنطقة مع إيران، وهو الذي بنى روايته التطبيعية في المنطقة على كذبة العلاقات العربية "الاسرائيلية" التي تهدف لإنشاء "حلف في وجه التهديد الإيراني المتصاعد" وبأن الكيان هو ضامن لحمايتها.

وقد حاول الصهاينة على مدار السنوات الأخيرة إفساد كل أشكال الاتفاق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سواء تلك الجهود التي بذلت في الجانب التفاوضي في القضية النووية، أو حتى تلك المحاولات التي كانت تهدف لإيجاد نوع من التقارب مع بعض دول المنطقة.

فالسؤال الذي يتبادر للأذهان، هل سيكتفي الاحتلال بالصراخ في ظل تقارب سعودي ايراني أم سيعمل لإفشال كل فرص نجاح هذا التقارب؛ وهو الذي ما توقف عن الحديث عن التهديد الإيراني في كل محفل ومناسبة، وحذر العالم من أن إيران على وشك أن تدخل نادي الدول النووية.

لا شك بأن الخطوة الإيجابية بحاجة لجهود كبيرة ومضنية من أجل أن تترجم على أرض الواقع، إضافة لإرادة حقيقية مخلصة يدفعها السعي لإنهاء هذا الصراع الذي لا يخدم سوى الغرب، ولا يرى في دول المنطقة إلا سوقاً يمتص منه الموارد، بينما عاشت شعوب هذه المنطقة منذ آلاف السنوات في جوار بعضها البعض وتربطها المصالح المشتركة ومظلة الإسلام الواسعة والمصير المشترك.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:




روزنامة المحور