الثلاثاء 07 شباط , 2023 03:38

مراحل تحقيق أهداف الثورة من منظار الإمام الخامنئي (4)

السيد كميل باقر زاده

بعد الحلقة الثالثة من سلسلة محاضرات "مفهوم الثورة الإسلامیة في فکر قائدها الإمام السیّد علي الخامنئي"، التي أعدّها المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر زاده، والتي خصّ بنشرها موقع الخنادق الإلكتروني. يتحدث السيد باقر زاده في الحلقة الـ 4 عن مراحل تحقيق أهداف الثورة بناءً علی آراء وأفکار الإمام الخامنئي.

نص المحاضرة

من الأخطاء الشائعة في التعاطي مع الثورة الإسلامیة وتحلیلها أن یتصوّر البعض أنّ الثورة هي حادثةٌ تاریخیةٌ عابرةٌ بدأت عام 1963 عندما نهض الإمام الخمیني في مدینة قم ضدّ نظام الشاه، وانتهت عام 1979 عند عودة الإمام الخميني (رض) إلی إیران، بعد سنوات من النفي في العراق وفرنسا. هذا التصوّر الخاطئ عن مفهوم الثورة الإسلامیة مغایر تماماً لآراء الإمام الخمیني ورؤية الإمام الخامنئي، وقد يؤدّي إلی ارتكاب أخطاء في تحليل أداء الثورة ومدی فاعلیّتها وجدواها.

نحن في هذه السلسلة من الدروس عندما نتحدّث عن الثورة الإسلامیة في فکر الإمام الخامنئي لا نقصد فقط ذلك الحدث التاریخي الذي وقع وانتهی. نعم هناك حراك ثوري ونضالي قام به الشعب الإيراني لمدة سنوات وتكلل بالانتصار عام 1979، ويُسمى الثورة الإسلامية. لكن هناك مشروع تغييري نهضوي من عدة مراحل، جاء به الإمام الخميني وهو مشروع الثورة الإسلامية بمعناه الأشمل وانتصار الشعب الايراني عام 1979 ما هو إلا المرحلة الأولى لهذا المشروع.

طبعاً قد یتمّ استخدام مصطلح الثورة الإسلامية والمقصد هو مرحلة النضال الشعبي الذي أطاح بنظام الشاه، لکنّ الأصح إطلاق هذا المصطلح علی كامل مراحل المشروع التغييري الذي بدأ منذ ذلك الحين. يعني نستطیع القول إنّ "الثورة الإسلامية" مصطلح قد یُطلَق علی معنی خاصّ وهو المرحلة الأولی من مراحل الثورة فقط، وقد یُطلَق علی معنی أعمّ منها ومن بقية المراحل التي سنشرحها.

عندما نراجع کلمات سماحة الإمام الخامنئي نجد أنّه دائماً یؤكّد علی استمرارية الثورة، وضرورة الحفاظ علی الهويّة الثورية في البلاد وفي کافة المؤسسات الدستورية، ویدعو الشرائح المختلفة وخصوصاً الشباب إلی تعزيز الروح الثورية في أنفسهم وفي المجتمع وتقوية العمل الثوري أکثر وأکثر. واضح جدّاً أنّه لو کانت الثورة في رأي سماحة القائد عبارةً عن تلك الحِقبة الزمنیّة المنتهيّة بعودة الإمام الخمیني إلی إیران وحسب، لم یکن لأيٍّ من هذه التأکیدات والتوصيات أيُّ داعٍ، ولم یبقَ لها أيُّ معنیً أصلاً.

إذاً، الثورة الإسلامیة في فکر الإمام الخامنئي عبارة عن موجود حيّ ومسار مستمَرّ وعمليّة متواصلة ومشروع ذي مراحل، ولیست حادثةً تاریخيةً أو مشروعاً لحظويّاً أو حدثاً عابراً کما یزعم البعض. وبتعبیر سماحته "إنّ تحقيق الآمال الإسلامية عملٌ طويل الأمد ويجب أن يتمّ بشكل تدريجي". لأنّ الثورة في الحقيقة هي التحوّل البنيوي العظيم الذي یشمل جميع أبعاد الحياة، ومثل هذا التحوّل لا يمكن أن يحدث في يوم ولیلة.

حسناً، بعد هذه المقدّمة الضروریة وبناءً علی الخارطة العامّة التي رسمها لنا سماحة الإمام الخامنئي، نفهم أنّ مشروع الثورة الإسلامية له خمسة مراحل أساسية:

المرحلة الأولی مرحلة النهضة الإسلامية أو ما قد یعبّر عنها بالثورة الإسلامية بالمعنی الأخصّ الذي ذکرناه، والمرحلة الثانیة هي إیجاد النظام الإسلامي، والمرحلة الثالثة مرحلة تشکیل الدولة الإسلامية، والمرحلة الرابعة تأسيس المجتمع الإسلامي أو البلد الإسلامي، والمرحلة الخامسة والأخیرة هي بناء الحضارة الإسلامیة أو تشکیل الأمّة الإسلامیة.

أمّا المرحلة الأولی وهي النهضة الإسلامية، المراد منها كما ذكرنا هو التحرك الثوري والنهضة الثوریة التي تُسقط النظام الطاغوتي والرجعي والتابع والفاسد والعمیل، وتمهّد الأرضیة لقیام نظام جدید بديل. هذه الإنطلاقة والحلقة الأولی من سلسلة حلقات الثورة. یجب التخلّص أوّلاً من أوساخ الطاغوت. أن ینهض شعبٌ بالتوكل علی الله في وجه حکومة الطاغوت، وأن یقف خلف قائده الحكيم والإلهي، وأن يتحمّل کلّ الصعوبات والمشقّات في سبیل هذه المواجهة، إلی أن ینجح في إسقاط نظام الطاغوت، هذا لیس بشيء قلیل. هذا ما شاهدناه في نهضة الشعب الإیراني الذي استطاع بصبره وبصيرته، وبإیمانه الراسخ وتوکّله علی الله، ووقوفه خلف الإمام الخمیني العظیم، وتحمّله لکافة أنواع الضغط والتعذيب، استطاع أن یسطّر النصر بإرادته ویسقط نظام حکم دکتاتوري أسود دام لمدة 2500 عاماً. هذا لیس بأمر هیّن، وقد لا تتجرّأ بعض الشعوب أن تقوم به. هذه المرحلة الأولی من الثورة، لکن رغم ذلك، ومقارنة بالمراحل المتبقية من الثورة تُعتبر المرحلة الأسهل!

بعد إسقاط النظام الطاغوتي يصل الدور إلی المرحلة الثانية وهي إیجاد نظام حکم جديد مکان النظام السابق. هذا القالب والإطار الجديد للحکم یجب أن تتوفّر فیه شروط ومواصفات متعدّدة، وأهمّ هذه الشروط هي أن یکون کما يرید الإسلام. هنا تكمن الخطورة! قد نری أنّ بعض الشعوب المسلمة تقوم بالنهضة وبدوافع إسلامية وتنجح في إسقاط الأنظمة الدکتاتورية، لکن للأسف تفشل في إقامة نظام حکم مبنيّ علی أساس الإسلام المحمّدي الأصيل مکان ذلك النظام السابق، فتخرج من حفرة دكتاتوريٍّ وتقع في حفرة دكتاتوريٍّ جدیدٍ، أو حتی قد تسقط في بئر الديموقراطيات الغربية والتي هي لا تقلّ طاغوتيةً عن الدکتاتوريات من حیث المعايير التوحيدیة.

النظام الإسلامي هو الهندسة العامة الإسلامية لهيكلية البلاد وتركيبة السلطات والمؤسسات والحقوق والمسؤوليات المتبادلة بين الشعب والدولة المتمثلة في الدستور. النظام الإسلامي هو ذلك النظام الذي یقوم علی ركيزتين أساسيّتين؛ الأوّل هو الشعب، والثاني هو الدين. البعد الأوّل في هذا النظام هو إيكال شؤون البلاد للشعب عن طريق الانتخابات وغیرها، والثاني هو أن تكون هذه العملية ضمن إطار الشريعة الإسلامية. هذان الجانبان يمكن اعتبارُهما بُعدين لحقيقة واحدة، وهي نظام "الجمهورية الإسلامية" أو "سيادة الشعب الدينية".

أمّا الحلقة أو المرحلة الثالثة وهي أصعب من قبلها، عبارة عن تشكيل الدولة الإسلامية، وهو يعني إيجاد تشكيلات ومؤسسات إدارية إسلامية للبلاد علی مستوی جمیع السلطات والمؤسسات. إذا کان النظام الإسلامي هو الإطار والقالب المناسب لتحقيق أهداف الثورة فالدولة الإسلامية عبارة عن المضمون والمحتوی المنسجم مع هذا القالب. طبعاً، القالب المناسب وجوده شرطٌ لازمٌ وضروريّ ولكنّه غير کافي. لا يكفي مجرّد وضع هيكليّة إسلامية لإدارة البلاد ورسم خريطة جميلة ومتّخذة من الفقه الإسلامي. هذه الخريطة تحتاج إلی التنفيذ العملي، وتلك الهيكليّة بحاجة إلی التطبيق الفعلي حتی تُثبت فاعليّتها وتقوم بحلّ المشاكل فعلاً، وإلا سوف تبقی حبراً علی ورق وقالباً من دون قلب. يذكر سماحة الإمام الخامنئي في إحدی محاضراته سبعة معايير أو مؤشّرات أساسية للدولة الإسلامية.  أوّلاً: السلامة الاعتقادية والأخلاقية والعملية التي تنشأ من الاعتقاد الصّحيح والنّظر الصائب إلى حقائق المجتمع، خصوصاً لدى مسؤولي الدّرجة الأولى في البلاد. ثانياً: قضية خدمة النّاس ووجود روحيّة خدمة الناس لدى المسؤولين. ثالثاً: قضيّة العدالة. وقد شرحنا مفهوم العدالة في الجلسة السابقة. رابعاً: النزاهة الاقتصاديّة ومحاربة الفساد. خامساً: قضيّة الالتزام بالقانون. إذ إنّ الدولة الإسلامية دولة سيادة القانون. سادساً: الحكمة والتعقّل في العمل. وسابعاً: الاعتماد على الإمكانات الذاتيّة في البلد، وأن لا يكون نظرنا إلى الخارج.

طبعاً هناك معايير ومؤشرات أخری مهمة یجب أن تتوفّر في الدولة الإسلامية، وللاطلاع أكثر حول هذا الموضوع من منظار الإمام الخامنئي يمکنکم مراجعة کتاب "الوصایا العلویّة للمدیرین والعاملین" من إصدارات "دار الثورة الإسلامية".

أمّا المرحلة الرابعة من مراحل تحقيق الأهداف الإسلامية مرحلة تأسيس المجتمع الإسلامي. هذه المرحلة متوقّفة تماماً علی المرحلة السابقة. طالما لا توجد دولة إسلامية لا يمکن إيجاد مجتمع إسلامي، وذلك بسبب الأثر الكبير الذي تتركه الدولة في المجتمع. ولذلك یقول سماحة القائد: "بعد أن تشکّلت الدولة الإسلامیة ستکون مسؤولیّتها والتزامها تحقيقَ المجتمع الإسلامي". المجتمع الإسلامي هو نفس المجتمع المنشود الذي كان الأنبياء يسعون لإيجاده، وکانوا يعتبرونه مصنعاً لصناعة الإنسان المؤمن الموحّد بدلاً عن التربية الفردية، کما عبّر عنه القائد في مبحث النبوّة من کتاب "مشروع الفکر الإسلامي في القرآن". المجتمع الإسلامي هو المجتمع التوحيديّ العادل، والمجتمع الحرّ المستقلّ، وهو المجتمع الذي يتمتّع بالأمن والعزّة والتقدّم والرفاه، وهو المجتمع الخالي من الفقر والجوع، وبالمختصر، هو المجتمع الذي يسود فيه نمط الحیاة الإسلامي والأسلوب الإسلامي للعيش الكريم، وسوف تتحقّق فیه الآمال الإسلامية الكبری.

وأمّا المرحلة الخامسة والحلقة الأخیرة من مراحل وحلقات مشروع الثورة الإسلامیة هي بناء الحضارة الإسلامية. هذا هو الأفق الأعلی الذي نتطلّع إليه ونبذل کلّ الجهد للوصول إليه. الحضارة الإسلامية تؤكّد لنا أنّ الثورة الإسلامية لیست مشروعاً إیرانياً، وإنّما هي ثورة عالمیة، ولذلك ترتبط الحضارة الإسلامية بمفهوم "تصدير الثورة" وهو مفهوم يثير جدلاً واسعاً حوله، ونحن إن شاء الله سنوضّحه في الجلسات القادمة. لكن بالمختصر، ستتشكّل الحضارة الإسلامية عندما تتّسع رُقعة المجتمع الإسلامي، فلذلك هي أیضاً متوقّفة علی المراحل السابقة لها. يقول سماحة القائد: "إنّ هدف الثّورة الإسلاميّة هو الحضارة الإسلاميّة الحديثة، لذلك لا ينبغي أن نُهبّط مستواها بحيث نجعلها ظاهرة سياسيّة. الثورة الإسلاميّة حاولت تغيير العيش والحياة. نحن لم نقرّر فقط تشكيل مجتمعٍ ثوريّ، بل أردنا تكوين ظاهرة تجتاح العالم، وطبعاً شرط ذلك هو تشكيل الدولة الإسلاميّة والمجتمع الإسلاميّ". أیضاً من المهمّ جدّاً أن نعرف أنّ مرحلة بناء الحضارة الإسلامية ستکون ممهّدة لظهور الإمام الحجة أرواحنا فداه إن شاء الله. لذلك، الإمام الخامنئي یخاطب الشباب في بیان الخطوة الثانية ویقول: "إنّ السنوات والعقود المقبلة هي عقودکم، وأنتم من یجب أن تحموا ثورتکم بخبراتکم واندفاعكم، وتُقرّبوها مهما أمکن من هدفها الکبیر ألا وهو إیجاد الحضارة الإسلامیّة الحدیثة، والاستعداد لبزوغ شمس الوليّ الأعظم أرواحنا فداه".

حسناً، تعرّفنا علی المراحل الخمسة في مشروع الثورة الإسلامية في تحقيق أهدافها، لکنّ السؤال: نحن الآن نعیش في أيّ مرحلة من مراحل الثورة حتی نستطیع أن نحدّد دورنا وتکلیفنا تجاه هذا المشروع الإلهي الكبير بالدّقة؟ يؤكّد سماحة الإمام الخامنئي أنّنا لا زلنا في المرحلة الثالثة یعني تشكيل الدولة الإسلامية.

یصرّح سماحة القائد: "ليس لدينا مجتمع إسلامي، وليست لدينا دولة إسلامية. من بين تلك المراحل المتعددة التي طرحناها لا نزال في مرحلة الدولة الإسلامية، ومن بعد الدولة الإسلامية يأتي الدور للمجتمع الإسلامي. استطعنا إيجاد حركة ثورية، ثم استطعنا على أساسها إيجاد نظام إسلامي. حسناً، حصل لحد الآن توفيق ونجاح وهو على جانب كبير من الأهمية، ولكن هناك بعد ذلك إيجاد دولة إسلامية، ولا نزال في هذه القضية على مسافة طويلة تفصلنا عن المقصد والهدف المنشود. طبعاً هذا لا يعني أن يشعر أحد باليأس، أبداً، فنحن على الرغم من كل المعارضات و العراقيل نتقدّم إلى الأمام باستمرار. وبعد أن تتحقق الدولة الإسلامية سيأتي دور المجتمع الإسلامي. إذن، ينبغي الكِفاح أيّها الأعزاء".


الكاتب: السيد كميل باقر زاده




روزنامة المحور