الجمعة 20 كانون الثاني , 2023 11:46

الصين والسعودية بين الخطوط الحمراء الأميركية والمكاسب الإيرانية

العلم السعودي والعلم الصيني

ثمة حكمة صينية تقول: "لتعرف مكامن القوة لديك تأمل خصمك وانظر إلى نقاط ضعفه"، ولأن الولايات المتحدة تعد أكبر قوة بحرية عسكرية في العالم فإن نقاط ضعفها بدأت تظهر خاصة في العقدين الأخيرين من ناحية الانتشار البري في القلب الآسيوي، والتشتت في تموضعها البحري ما بين غرب آسيا وشرقها.

يقول الليبرالي الصيني " شي ينهونغ " : "إن الولايات المتحدة ستفوز باللعبة العسكرية في المحيط الهادئ بتعزيز قواعدها العسكرية في غوام وأوكيناوا وهاواي، والصين لا تحب تلك اللعبة بل هي لا تلعبها أيضا، الصين تلعب لعبة مختلفة تقوم على الاستثمار الاقتصادي والتجارة، والهجرة، والدبلوماسية، والولايات المتحدة لن تستطيع إيقافها، وهي ستخسر لعبة الصين، ولن تستطيع إعاقة نهوضها، ولهذا توجهت الصين بعيدا عن حدودها البحرية".

الخطوط الحمراء الأمريكية

تحدث الرئيس الأمريكي بايدن خلال زيارته السعودية في الصيف الماضي بشكل علني عن سعي الولايات المتحدة لمنع حصول الفراغ في الشرق الأوسط، وقال إن على الولايات المتحدة الاستمرار في قيادة المنطقة وعدم السماح لدول أخرى بملء هذا الفراغ، ولمنع الفراغ يتوجب عليها وضع خطوط حمراء أمام التواجد الأمني ـ العسكري الصيني في دول شبه الجزيرة العربية، وضبط العلاقة وصياغة التوجه السعودي نحو الصين وبالتالي يجب عليها:

1 ـ منع الصين من إبراز قوة عسكرية جادة في الشرق الأوسط.

2 ـ منع السعودية من أن تتحول الى دولة على النموذج التركي من ناحية تكوين قوة اقتصادية لديها قدرة صناعية مدنية وعسكرية متقدمة بحيث أن امتلاك قدرات تصنيعية مختلفة تمنح أي دولة استقلالية أكبر على مختلف الصعد، وخاصة إذا امتلكت قدرات تصنيعية متطورة، فإذا امتلكت السعودية هذه القدرات اصبحت أكثر استغناء عن الولايات المتحدة خاصة في المجال العسكري، وهذا ما لا يناسب الولايات المتحدة التي تسعى لأن تبقى كل الدول الحليفة لها مرتبطة بها في كافة المجالات وخاصة العسكرية والأمنية.

وبما أن الولايات المتحدة لا تعطي الثقة المطلقة للنظام السعودي لأنها تدرك أنه قد تحدث تحولات دراماتيكية بشكل فجائي فهي تبقى في حالة حذر من تحويله لنظام يمتلك قوة عسكرية يحسب لها حساب، ولذلك نرى بشكل خاص أن طبيعة تسليح القوات السعودية محدودة من ناحية النوعية والكمية ونطاق التصنيع العسكري التي يراعى فيها فقط الحفاظ على النظام الملكي وأن تكون الأقوى بين مجموعة مجلس التعاون الخليجي أما خارج هذا النطاق فتكون المسؤولية محصورة بالقوات الأمريكية.  

مكاسب إيران من الاتفاقية الصينية - السعودية

يتكامل مع التوجه الصيني الذي يسعى لتطوير الدول التي تقع على طريق الحرير، وذلك لتعزيز قوة، واستقلال الدول الحليفة او شبه الحليفة بوجه الولايات المتحدة فعلى الصعيد الاقتصادي تتلاقى الجمهورية الإسلامية مع التوجه الصيني من ناحية التنمية الاقتصادية وتطوير البنية التحتية للدول التي تقع على طريق الحرير، فتعزيز القوة الاقتصادية للدول الحليفة أو شبه الحليفة للولايات المتحدة تعزز استقلاليتها وتخفف من ارتباطاتها السياسية بها، لذا فإن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تستفيد من هذا النوع من الاتفاقيات خاصة أنها يفترض أن تكتسب منها تلقائيا لكون موقعها الجغرافي على تخوم شبه الجزيرة العربية يسمح لها بالتحكم بدرجة كبيره بخطي النقل البري والبحري على حد سواء وستستفيد منها بشكل كبير، وستسمح لها بتعزيز نمو صادراتها بالاتجاهين شرقا وغربا إضافة إلى أن نمو العلاقات الاقتصادية مع الجوار سيخفف من حدة التوترات السياسية.

من ناحية أخرى، فإن الخطوط الحمراء الأمريكية تضبط الحركة السعودية بحيث لا تتحول العلاقة مع الصين إلى عامل إيجابي تستفيد منه القوى التحررية في المنطقة، أو إلى منافس للأمريكي على المستوى الأمني والدور الذي يلعبه في السعودية والخليج. كما يحاول الأمريكي الاستفادة من التقدم الصيني لتفادي انحصار علاقات الصين في غرب آسيا بالدول والقوى المعادية للولايات المتحدة، بحيث ينشأ تكتل إقليمي بدعم صيني يواجه النفوذ الأمريكي.

في الجانب السلبي: يأتي تعزيز الجانب العسكري للسعودية بمساعدة صينية لا يتلاءم مع المصالح الإيرانية فتطوير وتعزيز القوة العسكرية السعودية يحولها إلى قوة عسكرية على المستوى الإقليمي يرفع نسبة التوتر في العلاقات خاصة أن الصين تستطيع تطوير وإنشاء قوة صاروخية سعودية وتعزز أسطول طائراتها المسيرة بدون طيار وهذا ما يجعل موقف الجمهورية الإسلامية من التقدم الصيني نحو السعودية مزدوجاً يتضمن توظيف تلك العلاقة بالقدر الممكن والحذر منها في الوقت عينه.

الصين من تعاون اقتصادي إلى تواجد أمني عسكري

ترى دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية في التعاون مع الصين سبيلاً لمعالجة المشاكل الاقتصادية الحالية والمستقبلية لأنها تعتمد بالأساس على النفط، وستبقى الصين في المستقبل المنظور أكبر مستورد للنفط، وأكبر شريك تجاري لتلك الدول وما يعني ذلك من توفير الصين مساهمة هامة لتوفير الاستقرار الاقتصادي لها.

تطابق الصين سياستها الخارجية حسب المتغيرات التي تحدث. فهي بداية تؤسس لتعاون اقتصادي، وبعدها تنتقل نحو الحضور الدبلوماسي والسياسي القوي، وما لا يتحدث عنه الصينيون ويشير إليه الغربيون أن الخطوة الثالثة الصينية ستكون تواجد أمني وقد يتحول إلى عسكري مع تضخم المصالح الصينية وتمددها على خطوط مبادرة الحزام والطريق وهذا ما بدأنا نلاحظه ولو بحضور خجول في المناطق الحدودية الشرقية لأفغانستان أو في أول قاعدة عسكرية بعيدة عن الصين في جيبوتي.      


الكاتب: محمد ايراهيم




روزنامة المحور