الإثنين 27 حزيران , 2022 02:24

مفاوضات نووية في الدوحة قبل وصول بايدن إلى المنطقة

بوريل وعبداللهيان

في مثل هذا اليوم من عام 1981، وخلال خطاب له من على منبر مسجد "أبو ذر" في العاصمة الإيرانية طهران، تعرض الامام السيد علي الخامنئي -وكان حينها ممثل الإمام روح الله الخميني في مجلس الدفاع الأعلى- لمحاولة اغتيال أصيب جراؤها بعدد من الإصابات البالغة، لكنه نجا. وقتها، كانت الثورة الإسلامية في أوجها، وكان قادة المشروع الأميركي- الغربي لا يزالون يتخبطون بهول ما جرى. كان القرار بوأد الثورة في مهدها قد اتخذ، لكنهم فشلوا، فاختاروا القضاء على قادتها، ولم يجدوا لذلك سبيلا، وللصدف التي تذكر في بعض الأحيان "محاسن" الحوادث، فإن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي كانت تدرس كيفية "عزل" إيران، هي اليوم تجدد مساعيها للجلوس وجهاً لوجه مع طهران والتوصل لاتفاق نووي بعد توقف دام لـ 3 أشهر، دون المساس بـ "الخطوط الحمراء" التي كانت قد وضعتها وعلى رأسها الدور الإقليمي. 

خلال الأيام القليلة الماضية، وبعد أن كان التنبّؤ بتوقيع الاتفاق النووي صعباً، عاد الحديث مجدداً عن استئناف المفاوضات. وبعد لقاء نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان وعدد من المسؤولين في طهران، نقلت القنوات الدبلوماسية عن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قوله أنه قد "حصل اتفاق لاستئناف المحادثات بين إيران وأميركا خلال الأيام المقبلة، على أن يعمل مفاوضو الاتحاد الأوروبي كعامل مساعد ومحفّز لتسوية ما تبقّى من خلافات عالقة". مشيراً إلى ان "العاصمة النمساوية فيينا لن تكون مكاناً للمحادثات المقبلة، ومن المرجَّح أن تجرى المحادثات في مكان ما في الخليج"، فيما نقل عن عدد من المسوؤلين الايرانيين انها قطر ستكون الدولة المستضيف. 

من جهته، أكد عبد اللهيان موافقة بلاده على استئناف المحادثات، آملاً أن "يتصرّف الجانب الأميركي هذه المرّة بواقعية وإنصاف في المحادثات، وأن يتّخذ إجراءات مسؤولة للوصول إلى النقطة النهائية، وأن يفي بالتزاماته". فيم نقلت وكالة رويترز الأميركية ان "المبعوث الأميركي الخاص لإيران،⁧ روبرت مالي⁩ يتوجه إلى ⁧قطر⁩ اليوم الاثنين، فيما سيصل كبير المفاوضين الإيرانيين ⁧ علي باقري⁩ غدا إلى⁧ الدوحة لاستئناف المفاوضات النووية ⁩بعد انقطاع لأشهر". 

هذه الخطوة التي يعتبرها الطرفان على قدر من الأهمية نظراً للتبعات التي تترتب عليها، إضافة للدول الأوروبية التي تنتظر جانب الاستفادة خاصتها إذا تم التوصل إلى اتفاق، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها، ستكون حاضرة أيضاً على هامش قمة مجموعة السبع في ألمانيا، في قصر إلماو بمقاطعة بافاريا، والتي تجمع الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والمستشار الألماني أولاف شولتز.

مطلب أميركي بعدم الثأر للشهيد سليماني 

لا تغيير جوهري قد طرأ على ما كانت قد توقفت عنده المحادثات قبل 3 أشهر، إلا ان الرغبة المزدوجة لدى الطرفين بإعادة إحياء الاتفاق، والحاجة المتبادلة إليه -خاصة وان طهران كانت قد أكدت غير مرة ان أي اتفاق لا تستفيد منه اقتصادياً لن تقدم على توقيعه- تشكل رافعةً قوية لاستكمال المحادثات رغم العراقيل التي تساهم "إسرائيل" بتضخيمها والتي تقوم روايتها المفبركة على ان "طهران قد تجاوزت العتبة النووية وقد أصبحت في مراحل متقدمة لصنع القنبلة"، وهو الأمر الذي يساهم في بث المخاوف وتأليب الرأي العام ضد بايدن في حال تقدم أي خطوة باتجاه التوصل لاتفاق.

 بالنسبة إلى إيران فإنها تصر على عدم نقاش أي من النقاط غير المتعلقة مباشرة بالبرنامج النووي، كالصواريخ الباليستية أو دورها الإقليمي، إضافة لتمسكها برفع حرس الثورة عن لائحة العقوبات أو على الأقل جناحه الاقتصادي، مقر خاتم الأنبياء، وبينما تطالب واشنطن بضمانات إيرانية بالتوقف عن ملاحقة قتلة قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني، وعلى رأسهم وزير الخارجية مايك بومبيو، ترفض طهران ذلك رفضاً قاطعاً. وحيث تسعى بشكل مستمر لترسيخ هذا الثأر في كل المحافل مستثمرةً كل الفرص السانحة، فبعد وضعها على مختلف جدران قاعة الاجتماعات، وردهة تصريح الضيوف الأجانب، ظهرت صورة الشهيد سليماني خلف بوريل أثناء تصريحه في الزيارة الأخيرة الى طهران.

أما بايدن القلِق على مستقبله السياسي على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس، فيدرك جيداً ان لكلّ مِن "عودته إلى الاتفاق او عدمها"، ميزانُ الربح والخسارة، وما هو مؤكد ان تضييع هذه الفرصة سيجعل من المنطقة التي كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بتحييدها، ساحةً للصراعات وبؤرة للعمليات العسكرية والأمنية الاسرائيلية وبالتالي إطلاق أيديها بشكل أكبر للتخريب وارتفاع أسهم نشوب حرب اقليمية، وهو الأمر الذي لا تريده الادارة الأميركية وتسعى للتخفيف من حدته بالعودة للاتفاق. كما ان تشديد العقوبات على طهران -كما أكد بايدن في حال فشل المحادثات لتشمل البيتروكيماويات- فهو إقرار إضافي بأن كل العقوبات السابقة لم تجدِ نفعاً خاصة فيما يتعلق بتصفير صادراتها النفطية.

هل يتم التوصل إلى اتفاق؟

المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمود عباس زاده، أشار إلى ان "كرة المفاوضات النووية باتت في الملعب الأميركي... الحكومة الإيرانية لا يمكنها تقديم تنازلات للتوصل إلى الاتفاق النووي وفق قانون الإجراء الإستراتيجي لإلغاء العقوبات الذي أقره البرلمان أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020".

ويؤكد عباس زاده على ان إيران "تمتلك أوراقاً للرد على أي خطوة استفزازية قد تُقدم عليها الدول الغربية"، مستبعداً أن "يتبنى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماعه المقبل القرار الغربي بشأن النووي الإيراني".

من جهته، اعتبر أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني والمسؤول العسكري الأميركي السابق ديفيد دي روش، أنه "إذا حدث اختراق وتطورت مفاوضات فيينا تجاه التوصل لاتفاق، أتوقع أن يطلب بايدن من الإسرائيليين دعمه". موضحاً ان "العواصم الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة أكثر حاجة للتوصل إلى اتفاق بشأن النووي الإيراني، فحسب رأيه، إن إيران قد اعتادت على العيش من دون الاتفاق النووي وقد اكتسبت تجارب قيمة جدا ولم تعد متحمسة لإنقاذ الاتفاق".

قد يبدو من العجلة القول بأن الاتفاق النووي قد عاد إلى السكة الصحيحة، أو المبالغة بالتفاؤل في هذا الاطار، إلا ان الشوط الكبير الذي قُطع إلى الآن سيرفع الكلفة على كل الأطراف المشاركة في المفاوضات إذا ما تم التفريط به، ويجعل من العودة إليه في وقت لاحق أمراً أكثر تعقيداً وصعوبة في ظل التغيرات الإقليمية والدولية والتي تستفيد منها إيران بشكل جيد، خاصة فيما يتعلق بالمبادلات التجارية التاريخية مع الصين والتفاهمات المثمرة مع روسيا، وسط التململ في المعسكر الغربي بعد القرار الأميركي الأخير في توريط أوكرانيا مع روسيا ووضع الدول الأوروبية في مقدمة مَن يدفع الثمن.


الكاتب: مريم السبلاني




روزنامة المحور